مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

إزالة الحُجُب والموانع في طريق السير إلى الله



إنّ كلمة الحجاب تتردّد كثيراً في الأبحاث الأخلاقية والسلوكية، حتّى أننا نسمع البعض يختصر سير الإنسان التكاملي بعبوره وخرقه للحجب المعنوية. فما معنى كلّ ذلك؟!
يرى أهل الله من خلال التأمّل في حقيقة الوجود والسير في آيات القرآن والعصمة أنّ الإنسان يعيش في حجاب البعد عن ربّ العالمين وأن عليه أن يزيل هذا الحجاب في بعض المراحل وأن يخرقه في مراحل أخرى. فإذا انتقل عن هذه الدنيا – التي تمثّل فرصته الوحيدة لتحقيق ذلك – تتجلّى حقيقته يوم القيامة بقوله تعالى:
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾.

 

لماذا؟
أولاً: الإنسان مخلوق لأجل أن يصل إلى الله.
ومعنى الوصول إلى الله ولقائه، تحقّق الإنسان بالكمال النهائي الذي يعني السعادة المطلقة. فإنّ الإنسان بأصل خلقته "الفطرة" طالب للسعادة والكمال. وهو لا يرى أيّ معنى للحياة إلاّ في ظل الطلب الدائم والسعي المستمر لبلوغ السعادة. وفي هذا الطريق يوجد العديد من أنواع السعادة. فهناك سعادة موهومة. وسعادة مادية "جسمانية" وسعادة محدودة. وهناك سعادة مطلقة لا حدّ لها ولا انقطاع. وقد يتصوّر الإنسان نتيجة التربية المنحرفة أو التسويلات الشيطانية أو نتيجة غلبة الأهواء والغرائز الشهوانية إنّ سعادته تكمن في متاع الدنيا وزخرفها.

 ومثل هذا الإنسان إمّا أن يقع في وهم السعادة أو يحصل على السعادة المحدودة. وفي كلّ الحالات سيبقى قلقاً مضطرباً وحزيناً كئيباً لأنّه لم يدرك ما تصبو إليه نفسه: أي السعادة المطلقة الخالصة من كلّ شوائب النقص والمحدوديّة والألم.
وبما أنّ الكمال الحق منحصر بالله تعالى، حيث الكمال المطلق اللامتناهي. فإنّ سعادة الإنسان الحقيقية تكمن في الوصول إلى الله والقرب منه.

ثانياً: الإنسان صاحب الوعاء المطلق
ولكن، يطرح البعض هذا التساؤل، هل بإمكان الإنسان أن ينال هذه السعادة المطلقة وهو المحدود الناقص؟ فإنّ الوعاء المحدود لا يمكن أن يتسع للبحر اللامتناهي؟!
والجواب: إنّ الذين طرحوا مثل هذا الإشكال لم يقدروا على التمييز ما بين واقع أكثر والقابليات التي أودعت في أعماقهم.
فإنّنا إذا استثنينا مجموع الأنبياء والأئمة الأطهار عليهم السلام من العائلة البشرية "لأنّهم عليهم السلام – قد بلغوا الكمال" نجد أنّ الباقين لا يقدرون على بلوغ هذا المقصد وبالتالي فإنّ طرحه كغاية أساسية في رحلة الإنسان القصيرة في هذه الدنيا أمر فيه تكلّف بغير محلّه!!
 

ولكن هذا الاشتباه يحدث عندما نقصر النظر على الجهة الحالية التي يعيشها الناس ونغفل وجود تلك القابليات العظيمة التي فطروا عليها.
أجل، عندما يعيش البشر في ظلّ التربية المنحرفة والناقصة فإنّ مجموعة قليلة قابلياتهم ستتفتّح وربما تتفتح بطريقة ممسوخة كلياً.
لقد توعّد إبليس وهدّد بأنّه سيعمل على تغيير أصل الخلقة ﴿فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا وفي المقابل يقف الأنبياء حاملين لواء التربية الإلهية لبعث القابليات الكبرى: فطرة الله التي فطر الناس عليها، كما قال مولى الموحدين عليه السلام:  ".. ابتعثهم ليستأدوهم ميثاق فطرته..".
 

وعندما يتطاول على الإنسان العمر يفقد الأمل بانبعاث روح التجدّد وتفتح براعم الكمال فيعترف بنقصانه يائساً كما في أصحاب النار: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ  بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ "القلم-27".
إنّ أصحاب النار يترنمون ينقصانهم، ولكن ليس على نحو التواضع والرجاء، بل استكباراً وقنوطاً.
وأصحاب الجنّة يسمعون النغمة القدسية تنبعث من جنّة اللقاء ومهبط القرب: ﴿لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ، ﴿وما كان عطاء ربك محظوراً.
 

ويهيمون في دعوة الحق لهم:
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.
ولذلك يقدّرون عطاء الله ووعده مع اعترافهم بالعجز والتقصير ويعلمون أنّ الحديث عن انقطاع فيض الله هو محض الكفر وإظهار العداوة.
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.

 فالله لا يعجزه شيء لا في السموات ولا في الأرض. وقد خلق الإنسان، ونفخ فيه من روحه المجرّد ما لا تتسع له السموات والأرضين: "لم تسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن".
وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام في الإشارة إلى هذه الحقيقة: "كل وعاء ينضح بما فيه إلاّ وعاء العلم".
ووعاء العلم المجرّد هو النفس الإنسانية المجرّدة التي لا يمكن أن تصل إلى مرحلة النضح "نضح البئر أي فاض عن حدّه" أو الامتلاء، وهو إشارة إلى لا محدودية النفس الإنسانية.

ثالثاً: إن الكمال المطلق قريب من الإنسان.
أي أن بلوغ هذه السعادة ونيلها ليس بالأمر المستحيل على الإنسان. وذلك لأنّ الكمال المطلق الذي هو الله قريب من الإنسان بحيث لا يمكن أن يتصوّر له دفع دافع أو منع مانع.
فالله عزّ وجل هو الوجود المحض وله القوّة جميعاً. فلا قوّة في الوجود لغيره حتّى يتصور معها إمكانية حدوث تصادم يمنع وصول فيضه عزّ وجل إلى خلقه.
وبتعبير آخر،  لما كان الكمال منحصراً بالله، "جامع جميع صفات الجمال والجلال" فإنّه لا يبقى مجال لوجود شيء يمنعه سبحانه من إيصال فيضه وعطائه لأحد.
ومن جانب آخر، صاحب هذا الفيض المطلق قريب من الإنسان أكثر من قرب الإنسان لنفسه: "وهو أقرب إليه من حبل الوريد"
أي أنّ أصل وجود الإنسان الذي هو مظهر للكمال وتجلٍ له من الله أيضاً. فوجود الإنسان وبقاؤه فيض من الله عزّ وجل. ولو انقطع هذا الفيض لحظة واحدة لما استمرّ الإنسان في الوجود "وهو معكم أينما كنتم"
فقد تحصل من هذه المقدمات الثلاث إنّ بلوغ الإنسان غايته التي خلق لأجلها لازم لوجوده في هذه الدار. وإنّ هذه الغاية هي الكمال المطلق الذي يظهر بحقيقة السعادة اللامتناهية.
وعندما نصل إلى فهم أصل المطلب الذي بدأنا حديثنا به، وهو:
فلماذا، إذاً، ومع ضرورة تحقّق هذا الوصول، نجد أنّ أكثر الناس لم يبلغوا غايتهم؟
هذا ما سنجيب عليه في لقائنا المقبل..

والحمد لله ربّ العالمين.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع