أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

المسلمون في الشيشان

المسلمون في الشيشان: جهاد متواصل بين الماضي والحاضر


* الشيشان بلاد الثروات:
تقع جمهورية شيشانيا الإسلامية ذات الحكم الذاتي في قلب جمهوريات شمال القوقاز. يحدّها من الشمال روسيا البيضاء، ومن الشرق جمهورية الداغستانن ومن الجنوب أذربيجان، كما تحدّها من الغرب جورجيا.
تبلغ مساحتها 19.3 ألف كلم مربع وتمتد على ضفتي نهر تيريك في شمال القوقاز ويناهز عدد سكانها 1.5 مليون نسمة وجميعهم من المسلمين على المذهب الشافعي.
وجمهورية الشيشان ذات أراضي خصبة تزرع فيها الحبوب وجميع أنواع الخضروات والفواكه، وفيها مزارع شاسعة من العنب، ويزرع فيها الشمندر السكّري، ودوّار الشمس، وفيها غابات كثيفة تستخرج منها أجود أنواع الأخشاب. وتشتهر أيضاً بتربية النحل حيث تنتج كميات من أجود أنواع العسل، إلى جانب ذلك فإنّه تملك كميات من المعادن المختلفة مثل الذهب والنحاس والحديد والزنك وفيها ينابيع معدنية.
 

ومن اقتصاد الجمهورية المهم استخراج وتكرير البترول وصناعة الآلات المرتبطة به، ولكن هذا المورد مدمّر تقريباً بسبب القطيعة مع روسيا فمعظم مصافي البترول متوقفة عن العمل لنقصان قطع الغيار والمعدات الجديدة اللازمة لها من روسيا وتعيش المدارس والبيوت بلا تدفئة مركزية ولا مياه ساخنة وتعاني الجمهورية من أزمة غذائية دائمة. ومنذ نهاية 1992 لا تحصل شيشانيا على مخصّصات من الموازنة الفيدرالية.

* الإسلام والشاشان: من هم الشاشان
لا تفصل الأدبيات التاريخية من الناحية الجغرافية أو القومية منطقة القوقاز عن آسيا الوسطى إلاّ حديثاً، فالتاريخ يحدّثنا عن آسيا الوسطى، يذكر مناطق القوقاز وكأنّها جزء رئيسي من تلك البلاد، وكذلك عندما يتحدّث عن الشعوب التي سكنتها.
على الرغم من قلّة المعلومات التاريخية عن الشعوب التي سكنت آسيا الوسطى والقوقاز فإنّ الثابت أنّ الناطقين باللغة التركية استوطنوا تلك المناطق الغنية بالثروات الطبيعية حيث تمكّنت قبيلة "تركمو" التي ظهرت في القرن السادس ميلادي من تحطيم امبراطورية "البان يان" وأسّست امبراطورية امتدّت من حدود سور الصين إلى نهر جيحون.
 

أمّا أحدث المعلومات الموسوعية والأطلسية فتقول بأنّ الشعوب التركستانية تعود في أصلها إلى الأجناس الصفراء من المغول "الصينيون والتيبتيون" وخلال التكوين التاريخي واللغوي والاجتماعي للشعوب التي سكنت أعماق الشرق الآسيوي وهي تتجه نحو الغرب، تبلورت شعوب مختلفة على خارطة جغرافية التشكيلات البشرية كالترك والصقابلة والسلاف والبلغار والمجر..

* دخول الإسلام إلى المنطقة:
بعد الانتصارات التتارية على الشعوب التي سكنت ضفاف نهر الفولغا ابتداءً من قازان إلى استرخان الواقعة من بحر قزوين أعلنت قازان إسلامها، وساهمت في دخول قبائل النوغاي في الإسلام في القرن الثاني عشر الميلادي، وبدورها أدخلت الإسلام إلى القوقاز. وما أن انتهى القرن الخامس عشر الميلادي حتّى كانت قبائل الكاربارد والبلغار والشراكسة والكراتشاي قد دخلت جميعها في الإسلام وحكم المسلمون روسيا وموسكو لمدّة 240 سنة في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي وكان الإسلام قد انتشر على طول نهر الفولفا وانطلق في القرنين اللاحقين عبر جبال الأورال، ويمتدّ إلى بلاد بشكيريا. وبفضل التجار العرب والفرس والأتراك تسرّب الإسلام إلى سهوب بلاد الكازاخ وجبال قيرغيزيا حتّى وصل إلى سنكيانغ "تركستان الصينية حالياً".

تمكّن الإسلام من تلك المنطقة عندما تحوّل المغول إلى الدين الإسلامي، بعدما كانوا من محاربيه، وساهموا بعد ذلك في انتشاره إلى منطقة ما وراء الأورال، حتّى وصل إلى شبه جزيرة القرم وسهوب روسيا الجنوبية وسيبيريا الغربية.

* جهاد المسلمين في الشيشان عبر التاريخ
بعد 240 سنة من السيطرة الإسلامية على تلك البلاد وبعد سقوط القسطنطينية بيد العثمانيين، تحوّلت المناطق المسقوبية "نسبة إلى الصقالبة" إلى مناطق مناهضة للإسلام. وهي المناطق الكثيفة بالغابات التي لجأ إليها السلاف المسيحيون من التتار والمغول. وهناك أسّسوا مدينة موسكو التي حكمها الإسلام لفترة طويلة من الزمن. وقد تمكّن إيفان من قيادة الحرب ضدّ المسلمين والإسلام، واستطاع بعد حربٍ طويلة من السيطرة على مدينة قازان وتدميرها تدميراً كاملاً، وقتل جميع سكانها. وكان أمام المسلمين خياران الهجرة أو التنصير واستمرّت الهجمات الروسية للسيطرة على المناطق المسلمة إلى أن وصلوا إلى القوقاز.
سنة 1819 كانت بداية قصّة شعب الشاشان مع الحرية والجهاد،

عندما بدأت جحافل روسيا القيصرية تبحث عن الشمس والدفء في الجنوب، فاصطدمت بالدولة العثمانية ونتج عن ذلك حرب طويلة امتدّت 49 سنة تقريباً، وانتهت بسيطرة روسيا على مناطق واسعة من القوقاز، دون أن تتمكّن من المحافظة على الاستقرار في هذه المناطق بسبب الثورات التي قام بها المسلمون.
 

ففي سنة 1828 انطلقت في داغستان الحركة الإسلامية ودعت إلى الالتزام بأحكام الشريعة ورفض القوانين الروسية. واستمرّت هذه الحركة تعمل في داغستان إلى أن ترأّسها الشاشان الإمام محمد شامل وذلك سنة 1834، وقاد حرب التمرّد ضدّ الروس وتمكّن من توحيد الشعوب القوقازية حيث شكّل مجلساً لمناقشة أمور المسلمين على كافّة الأصعدة، وسمي "مجلس الممثلين". واستمرّ جهاد الإمام محمد شامل طوال ما يقارب الثلاثين سنة حتّى تمكّنت القوات الروسية من اعتقاله. قبل ثورة الإمام محمد شامل تصدّى الشيخ منصور لأوّل الحملات الروسية الذي تمكّن من تشكيل حاجز من المقاومة، في وجه الجحافل الروسية لمدّة عشر سنوات قبل اعتقاله.
 

بعد القضاء على الشيخ منصور وبعده الإمام محمد شامل لجأ القياصرة الروس إلى وضع البلاد التي يسيطرون عليها تحت السلطة العسكرية، لإخماد الحركات التحرّرية التي كانت تظهر بين الحين والآخر للقضاء على المقاومة التي اتخذت من الجبال والوديان مراكز لها.

* المسلمون الشاشان والاتحاد السوفياتي
وظلّت الحرب قائمة بين القياصرة والشاشان في القوقاز حتّى انتصار الثورة البلشفية في موسكو.
في ذلك الوقت وعدت رموز الثورة اللشفية الشعوب القوقازية بالاستقلال والحرية مقابل مساعدتها في القضاء على القوات القيصرية وكان لينين قد قطع الوعود والعهود التي دفعت الشاشانيين إلى إعلان الحرب على القيصرية، والمساهمة في القضاء عليها،

 ولكن بعدما انتصرت البلشفية تراجع لينين عن وعوده واتجهت السلطة الجديدة في موسكو إلى الإمساك مجدّداً بمنطقة القوقاز، حيث وضعتها تحت الحكم العسكري المباشر. ومرّة جديدة تحوّلت شاشينيا إلى رمز المقاومة والثورة في بلاد القوقاز عموماً. وطوال تلك السنوات مارست القوات السوفياتية إجراءات دموية بحق الجبليين وكانت أفظع عملية تطهير وإبادة سنة 1944، بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية حيث قامت روسيا بحملة تطهير واسعة في المناطق القوقازية، وخاصّة في شاشينيا بحجّة التعامل مع العدو الألماني. فزحفت القوات الروسية بأمر من ستالين لتدمّر القرى الجبليّة بصمت دون أن يسمع العالم المتمدّن، صراخ الأطفال والثكالى وعلى مرأى منه حدثت أضخم عملية اعتقال في التاريخ فقد تمّ جمع الشاشانيين والانغوش،

ونفوا بشكل جماعي إلى سيبيريا حوالي عشرين سنة إلى أن سمح خوربتشوف بالعودة إلى بلادهم.
وعندما عاد الشعب الشاشاني من رحلة النفس التأديبية وجد أعداداً كبيرة من الروس قد سيطرت على ثروات البلد وتحوّل الشعب الشاشاني إلى مجرّد عامل في بلاده.
 

وفي الفترة الممتدة من سنة 1944 حتى 1992 أي طوال نصف قرن لم تهدأ ثورة الشعب الشاشاني، ولا مقاومته للشيوعية، فانصرفت القرى النائية تعلم أطفالها مبادئ الإسلام وطرق العبادة، وتلقنهم بطولات الشيخ منصور، والإمام محمد شامل، وقصص الأبطال الذين حاربوا القيصرية والشيوعية فترسخت عند شيوخ الشاشان مبادئ الإسلام صافية "وأمجاد ماضيه" منذ الدولة العثمانية إلى يومنا هذا وجميع المسلمون الشاشان لا يفصلون بين التاريخ والمستقبل وكأنّ عبر التاريخ علمتهم فلسفة تقوم على تقديم الحري!ة ورفض الانصياع للآخرين.
الشاشان بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي:
 

جمهورية الشاشان المسلمة وبمبادرة من الجنرال جوهر دوداييف أعلنت الاستقلال في نهاية العام 1991 وفي 27/10/1991 انتخب الشعب الشاشاني دوداييف حيث حصل على 85 بالمائة من الأصوات ونال دعماً شعبياً كاسحاً، وحوّل كلّ رموز الشيوعية إلى رموز إسلامية منها 500 مسجد.
وصدر قرار من جانب السلطة الحالية في غروزني بتحويل الشعبية الشيوعية إلى جامعة إسلامية تضمّ حوالي 500 طالب شيشاني وفيها ست كليات واحدة للشريعة، وأخرى للطب والاقتصاد وغير ذلك، وتعاني الجامعة من نقص في الأساتذة والمعلمين وتحديداً في اللغة العربية.
 

فقرّر مجلس السوفييت الأعلى، إرسال قوات عسكرية إلى الشاشان لسحق ما أسموه بالتمرّد العسكري ولكن القوات الروسية تعرّضت إلى مواجهة شعبية واسعة ممّا اضطرت موسكو إلى سحب قرار الغزو. وبقيت القضية معلّقة ولم تعترف روسيا باستقلال هذه الجمهورية حتّى وقتنا الحاضر.
 

وبعد وصول يلتسين إلى السلطة راهنت موسكو على معارضة داخلية تعمل بالتوقيت الروسي. وقد قدّمت حكومة يلتسين إلى هذه العصابة "حسب ما يسمّيها الشاشانيون" دعماً واسعاً. قامت هذه المعارضة بعدّة حركات باءت جميعها بالفشل ولمّا يئس يلتسين من دور المعارضة المعول عليها لإسقاط حكومة دوداييف قام بعملية احتواء لظاهرة الشاشانية قبل تفاعلها جغرافياً وسياسياً لتشمل باقي شعوب المنطقة المسلمة، وخاصّة أنّ القادة الروس يعرفون جيداً تاريخ الشعب الشاشاني، وهو تاريخ مليء بالمواقف الشجاعة والاستبسال حتّى اللحظة الأخيرة.
والوقائع الميدانية تشير إلى الفشل الذريع لهذه العملية حتّى الآن.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع