أيمن مسرور
في عينيه يتألق نور الشوق إلى لقيا المعشوق.
وفي أعماق روحه ترانيم دعاء يشدو به.. ينسيه مسافات السفر الطويل.. ينتقل بطهر نفسه إلى فضاء المطلق حيث لا حدود ولا قيود، ولا أسلاك شائكة!
... وفي ذاكرته كان يستجمع بقايا صور مشتتة عن أيام قضاها في مرابع الطفولة...
في قريته الأسيرة "عيتا الشعب" تلك القرية الغالية التي هُجّر منها باكراً مع أهله لأنهم أبوا الركوع إلاّ لله وحده!..
.. لقد اتخذ "إبراهيم دقدوق" القرار بالعودة إليها.. إلى تلك الأرض المباركة الطيبة..
.. وأصر على العودة رغماً عن أنوف العملاء تحدياً لمن ارتضوا بأن يكونوا أكياس رملٍ، لحماية غاصب أرض فلسطين، ومدنّسي أرض الطهر في "عاملة" الأشم!..
قرر أن يعود إلى "عيتا" ولو طال به المسير!..
صمم على الرجوع ولو أدمت قدميه الأشواك، أو مزقت ثيابه الأسلاك الشائكة.. اتخذ القرار وأنطلق!..
لم تأخذه الدنيا ببهارجها، أو تأسره الماديات بقيودها.. لم تستهوه حياة الترف والراحة.. فكان صاحب القرار!.. وكانت مسيرته في عمل المقاومة الإسلامية رغم صغر سنه..
.. كانت رائحة الأرض المضمّخة بالطيب، بعرق المجاهدين ودمائهم هي ما استوقفه من كل هذا الواقع المليء بالضجيج والصخب والشعارات الفارغة الجوفاء..
فامتشق السيف ومضى..
يمم وجهه شطر الجنوب.. الجنوب.. ومضى!.
.. ولم تكن مسيرة "إبراهيم" في العمل الإسلامي، سوى نموذج من النماذج الفريدة التي تميز هؤلاء الشبان من هذه الطلائع المجاهدة الملتزمة..
.. كان جوف الليل شق الدرب مع رفاق السلاح والجهاد..
أدوا صلاة السفر.. توضأوا بدم الشهادة.. ثم انطلقوا..
وفي جوار بلدته التي ترعرع فيها ودرج بين ربوعها، كانت لحظة اللقاء بالمعشوق.. فارتفعت روحه إلى بارئها، وعيناه تحدقان إلى البعيد. إلى الأقصى السليب.. إلى بلدته الأسيرة الغارقة في ديجور الاحتلال.. إلينا كي لا ننسى الأمانة.. الوديعة.. "المقاومة الإسلامية"!