مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

بحوث مختارة: الولاية في القرآن الكريم



تناول القرآن الكريم موضوع الولاية في مواضع متعدّدة وعالجه بطرق مختلفة، وقسّم الولاية إلى ولاية حقّة وهي ولاية الله ورسوله والذين آمنوا وولاية باطلة وسمّاها بالولاية تسامحاً وهي ولاية إبليس والأصنام والكفار.
وجعل من الولاية الحقّة ولاية تكوينية نطاقها عالم التكوين والخلق والأمر وأخرى تشريعية مختصّة بعالم التشريع وسنّ القوانين وغيرها من الأمور التي سنحاول الكلام عنها بشكل مبسّط ومختصر.


* معنى الولاية
قال الراغب الأصفهاني في مفرداته: الولاء والتوالي عندما يحصل شيئان فصاعداً حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما. وبمعنى آخر يقال لشيئين بينهما ولاية وولاء وتوالي إذا كانا متحدين في الهدف والرؤية والمناهج والتطلعات. بحيث لا نجد شيئاً من أحدهما إلاّ ويكون في الآخر، وتنمحي بينهما كلّ الاختلافات والتباينات وبتعبيرٍ ثالث يصبح كلّ واحد منهما مشاكلاً للآخر وموافقاً له واستعير معنى الولاية للقرب المكاني كما تقول: مشيت خمس خطوات متواليات أي كلّ خطوة كما أختها من حيث المسافة، ثم استعيرت للقرب المعنوي، وإذا فرضت الولاية وهي القرب الخاص – في الأمور المعنوية فهذا يعني أنّ للولي ما ليس لغيره إلاّ بواسطة الولي، فولي الصغير يتصرّف بولاية في شؤون الصغير المالية، والله سبحانه وتعالى ولي عباده يدبر أمرهم في الدنيا والآخرة، وهو سبحانه وليّ المؤمنين من حيث تدبير أمر هدايتهم وخلاصته: إنّ معنى الولاية هو ارتفاع الواسطة الحائلة بين الشيئين بحيث لا يكون بينهما ما ليس منها، ثمّ استعيرت لقرب الشيء من الآخر بوجه من وجوه القرب كالنسب والمكان والمنزلة والصداقة والنصرة والمودة وغيرها، ولذلك يطلق الولي على كلّ من طرفي الولاية وهذا بالنظر إلى أنّ كلاً منهما يلي من الآخر ما لا يليه غيره.
فالله ولي عبده المؤمن لأنّه يلي أمره ويدبر شأنه ويأمره وينهاه والمؤمن حقاً ولي ربه لأنّه يلي منه إطاعته في أمره ونهيه، ويأخذ منه عامة البركات المعنوية من هداية وتوفيق وتأييد وتسديد، فأولياء الله هم المؤمنون حقاً. والله تعالى وليهم ﴿والله ولي المؤمنين آل عمران/68.

* ولاية الرسول في القرآن:
يتحدث القرآن عن نوعين من الولاية للرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم. أمّا الأول فهو ولايته صلى الله عليه وآله وسلم على المؤمنين. كما في قوله تعالى ﴿إنّما وليكم الله ورسوله و.. المائدة /55 أو في قوله عزّ وجل ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. والنوع الثاني ولايته على الدين. كما في قوله تعالى: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم الأحزاب/36 وكذلك قوله تعالى: ﴿فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكموك فيما شجر بينهم... النساء /65.
وقد تصور البعض أنّ المقصود من ولاية الرسول للمؤمنين هي ولاية النصرة أحد معاني الولاية كما ذكرنا سابقاً، وهذا لا يجوز. نعم يمكن القول بأنّ ولاية المؤمنين للرسول هي ولاية النصرة، كما صرّح القرآن بذلك في كثير من المواضع. قال تعالى: ﴿فالذين آمنو به وعزّروه ونصروه الأعراف/57.
وقال أيضاً: ﴿والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض الأنفال/72.
 

أما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو ولي المؤمنين بمعنى ولاية التصرف ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم الأحزاب/6 أو بمعنى الحب والمودّة والرأفة ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم أمّا الولاية بمعنى النصرة، ولا حتّى الصريح بنصرة النبي للمؤمنين فلم ترد بأي آية من القرآن.
ولعلّ ذلك لكون النصرة بالأصل للدين والشريعة. والقرآن يعتبر بأنّ الرسول ولي للدين ﴿إذا قضى الله ورسوله بمعنى أنّه صلى الله عليه وآله وسلم الداعي والمبلغ والهادي والشارع. كما أنّه يمكن أن يكون النبي والمؤمنون أولياء للدين، ولكن بمعنى أنّهم المكلفون بشرائعه وأحكامه والعاملون بها، وعندها يكون الله وليهم وناصرهم ﴿إنّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد غافر/51 و ﴿كان حقاً علينا نصر المؤمنين الروم/47.

فيمكن أن نقول أنّ الله ورسوله أولياء الدين. وكذلك أنّه صلى الله عليه و آله و سلم ولي الدين وحده، ويصحّ أن نعطف عليه المؤمنين ايضاً لكن لا يمكن اعتبار المؤمنين أولياء الدين بالأصالة بمعزل عن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ثمّ نعتبره ناصراً لهم، بل هو الوليّ بالأصالة وبمفرده، وولايتهم معطوفة على ولايته فأصبحوا ناصرين له وليس هو الناصر لهم، ويؤكّد ذلك أنّه لا يوجد آية تتحدّث عن كون النبي ناصراً للمؤمنين كما ذكرنا آنفاً.

* الولاية التكوينية والولاية التشريعية:
الأمر التكويني هو ما له علاقة بالخلق والأمر والتدبير أمّا الأمر التشريعي فهو ما له علاقة بتشريع الأحكام وسن القوانين، وقد أثبت سبحانه لنفسه النوع الأول وهو ولاية الخلق والتدبير وإقامة السنن الكونية وخلق ما يشاء وكيف يشاء في الكثير من الآيات قال تعالى: ﴿أنت وليي في الدنيا والآخرة يوسف 101. ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ق: 16 وقوله سبحانه: ﴿قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده يونس 34، والشاهد فيها واضح عند أدنى تأمل ومن يرجع إلى كتاب الله يجد الكثير من الآيات التي تتكلم عن الولاية التكوينية وعن أمثلة عليها.
أمّا الولاية التشريعية والتي تثبت بعد ثبوت الولاية التكوينية لأنّها فرعها وليست قسيماً لها، وذكرها العلماء وكأنّها قسيم لأهميتها لأنّها تنظم حياة البشر وتضمن حقوقهم من ناحية التشريع والهداية والإرشاد وغيرها. يقول تعالى: ﴿والله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور البقرة 257. وعملية الإخراج ليست أمراً تكوينياً بل هو من مختصات الأمر التشريعي لأنّ الخروج يكون عبر تطبيق الشريعة الإلهية، مما يدلّ على الولاية التشريعية أيضاً قوله تعالى: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبينا الأحزاب36. ولن نذكر آيات تدلّ على التشريع أكثر من هذا لأنّها وكما ذكرنا يرجع محصلها إلى ولاية التكوين حتّى أنّنا نستطيع تسميتها اسماً آخر هو الولاية الحقيقية والاعتبارية لأنّ الأولى تتعلّق بالنظام الحقيقي والثانية تتعلّق بأمور اعتبارية نشأت من حاجة النسا إلى النظام والقانونية.

*الولاية التشريعية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
خصّ الله سبحانه وتعالى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالكثير من الآيات التي تثبت له القيام بالتشريع والدعوة وتربية الناس والحكم فيهم والقضاء بينهم في أمور دينهم ودنياهم قال تعالى: ﴿إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله.
وقوله تعالى ﴿رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمةالجمعة 2. وقوله سبحانه ﴿ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم الأحزاب 36. وقد أجمعت الآيات والروايات والعلماء على أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الولاية على الأمة في سوقهم إلى الله والحكم فيهم بما أنزل الله والقضاء بينهم فللرسول صلى الله عليه وآله وسلم على الناس الإطاعة المطلقة. فولاية الرسول التشريعية ترجع إلى ولاية الله التشريعية وبهذا نعني أنّ طاعة الرسول طاعة الله ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول النساء/59 وقضاؤه قضاء الله ﴿إذا قضى الله ورسوله أمراً. الأحزاب/36

* الولاية التشريعية للإمام علي عليه السلام:
إنّ دلالة سياق الآيات الكريمة في سورة المائدة 55/56 يعني أنّ الولاية واحدة لكنّها لله بالأصالة وللرسول والذين آمنوا بالتبع وبمشيئة الله وإذنه ولو كانت الولاية المنسوبة إلى الله غير المنسوبة إلى الذين آمنوا كما يقول البعض كان الأنسب أن تفرد ولاية أخرى للمؤمنين رفعاً للالتباس أما كيف يدخل أمير المؤمنين عليه السلام ضمن الآية فنقول إنّ قوله تعالى ﴿الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون بيان لـ ﴿الذين آمنوا في صدر الآية وقوله تعالى: ﴿وهم راكعون حال من ﴿ويؤتون الزكاة والركوع هو الهيئة المخصوصة في الإنسان أما في عرف الشرع يطلق على الهيئة المخصوصة في عبادة الصلاة والركوع لم يشرع في الإسلام في غير حال الصلاة بخلاف السجود كسجود الشكر والسهو وغيره.

وحادثة التصدق بالخاتم على الفقير السائل في المسجد هي واحدة من فضائله عليه السلام المختصة به بإقرار الجميع والتي تدخله في الآية الكريمة بشكل أساس، وأسانيد تلك الحادثة موجودة في أكثر التفاسير وبأسانيد مختلفة مثل كتاب غاية المرام للشيخ الصدوق وفي احتجاج الطبرسي في رسالة أبي الحسن الثالث – الإمام الهادي عليه الصلاة و السلام – أنّ الأمّة أجمعت على أمور ذكر منها إجماعها على نزول الآية بحقّ الإمام علي عليه السلام. بعد هذه المصادر سوف نذكر رواية وردت في مناقب ابن المغازلي الشافعي في تفسيره قوله تعالى "إنّما وليّكم الله ورسوله"... قال بعد سند الحديث الطويل عن مجاهد عن ابن عبّاس فيمن نزلت قال: في علي، وهناك قصيدة لشاعر الرسول حسان بن ثابت الأنصار بعد نزول هذه الآية القرآنية بدايتها:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي وكلّ بطيء في الهدى ومسارعِ

إلى أن يقول:

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً فدتك نفوس القوم يا خير راكع
بخاتمك الميمون يا خير سيد ويا خير شار ثم يا خير بائع
فأنزل الله فيك خير ولاية وبيّنها في محكمات الشرائع

وقد نظمها في حادثة الغدير المشهورة.
وآية الولاية هذه، آية من آيات كثيرة تثبت له الولاية التشريعية، كلّ هذا في القرآن ولم نتعرض لدليل عقلي لعدم احتمال المقام.

* انحصار الولاية بالله:
بعد الذي تقدم نقول أنّ بعض الآيات التي تتكلم عن فئة من الناس أنّ أولياءهم الطاغوت تسمى الطاغوت ولياً مجازاً لأنّ هذه الفئة تتعامل معه وكأنّه مدبر لأمرها وهو في الواقع لا ولاية تكوينية ولا تشريعية له إذ أنّ الطواغيت مهما كانت كبيرة فهي مخلوقة لله لا دخل لها بالتكوين ولم تجعل لها ولاية تشريعية لأنّه يحرف الناس دونها فكيف معها.
 

قال الله تعالى في سورة الشورى 9/10- ﴿أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كلّ شيءٍ قدير، وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب. في هاتين الآيتين يحصر الله عزّ وجل الولاية فيه فإنّ ﴿أم في الآية تفيد الإنكار كما ذكره الزفحشري. والآية الأولى تعترض على الكافرين والظالمين لاتخاذهم من دونه أولياء ويكون المعنى أنّ الله تعالى ولي تنحصر فيه الولاية ومن يريد أن يتخذ ولياً فلا يجوز له أن يتخذ غير الله ولياً لا يتعداه إلى غيره لأنّه لا ولي غيره. أمّا قوله تعالى ﴿وهو يحيي الموتى يكون حجة ثانية لأنّ من بيده الموت والحياة أولى بالولاية من غيره.

وقوله سبحانه ﴿وهو على كلّ شيء قدير حجة ثالثة لأنّ من الواجب في باب الولاية أن يكون لصاحب الولاية القدرة المطلقة على من يتولاه والله سبحانه هو القدير المطلق ولا قدرة لغيره إلاّ بالمقدار الذي أعطاه إياه، وقوله تعالى ﴿وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله حجة رابعة لأنّ الاختلاف سواءً كان في عقيدة أو في عمل لا يرفعه إلاّ الله لأنّه هو الحاكم المطلق ﴿أنّ الحكم إلاّ لله أمر ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه ذلك الدين القيّم يوسف / 40 وقال أيضاً ﴿إنّ الحكم إلاّ لله عليه توكلت يوسف / 97 لأنّ الحكم إمّا تشريعياً أو تكوينياً وفي كلتا الدائرتين ولاية تتحكم وملخص القول إنّ الولي الذي يعبد ويدان له يجب أن يكون رافعاً للاختلاف، بعد إقامة الحجج في الآيتين الشريفتين يأتي ذيل الآية الثانية ليقول: ﴿ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب وتكون الولاية قد انحصرت بالله سبحانه وانتفت ولاية غيره إلاّ بجعلها للغير وعندها لا تنافٍ بين ولايته سبحانه والولاية المجعولة منه لأنّها تكون بشكل طولي لا عرضي.

جعلنا الله وإياكم من أهل الولاية الحقّة وممن يتمسّك بحبلها الوثيق وبركنها الركين حتّى يكون الله ولينا ونرتع في رياضها الغنّاء والحمد لله رب العالمين.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع