مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الدفاع عن المقدسات حسن شرتوني

نسرين إدريس قازان

الاسم: حسن نمر شرتوني (ثائر)
اسم الأم: سلوى حمدان
محل وتاريخ الولادة: ميس الجبل 27/6/1989
الوضع الاجتماعي: عازب
رقم السجل: 66
تاريخ الاستشهاد: 16/3/2013


(مقتل أشرس مقاتل في حزب الله في سوريا) هكذا كتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عندما أفردت، والعديد من المواقع الإسرائيلية، سطوراً لنقل خبر (مقتل) حسن شرتوني..

*قاهر... النُّصرة
إنه "ثائر"، "بطل السيدة زينب"، "عباسُ العصر"، وغيرها من الألقاب التي نُعت بها حسن نمر شرتوني بين رفاقه المجاهدين. بطمأنينته وهدوئه، بثَّ الرعب في قلوب الذين كفروا، وليس غريباً قول ذلك، لكلّ من خاف، أو لم ينتبه يوماً، أن ينظر في عينيه. تلك العينين اللتين حمل بريقهما حزناً عميقاً.. حزناً قديماً سكَن تشعّبات قلبه، وتنفّس زفراته وكان مع كل نبضة يغني: أحنُّ إلى خبز أمي.

أمه التي تحيّرت كيف تغدق الدلال على بكرها، الذي كانت تفرح وتزهو به كثيراً، وقد عزّز ذلك تعلّق الأب والأقارب به أيضاً، فالاهتمام والهدايا كانت تُغدق عليه، حتى قيل إنّ دلال الأم سيفسد الصبي.

*بنيةٌ قويّة وقلبٌ رؤوف
وكيف لطفلٍ تلمع الجرأة والقوة في عينيه، أن لا يسلب الروح؟ طفل سارع نحو الحياة وكبُر بسرعة، فلم يَحْبُ، بل مشى وفكَّ أحرف الكلام وهو في الشهر التاسع من عمره. كانت له بنية قوية جعلته يظهر أكبر سناً، فما إن اشتدّ عوده قليلاً، حتى ظهرت الهيبةُ في ملامحه، ولاحت في عينيه نظرة ثاقبة، فحذر منه أبناءُ البلدة في وقت اللعب، فقد كان حسن قوياً، إذا صارع ولداً أكبر منه غلبه، ما جعله ينتبهُ حين يلعب مع الآخرين خوفاً من أن يؤذيهم عن غير قصد منه، فعندما كان في الخامسة من عمره، كان يلاعب أخته الصغيرة فكسر لها يدها الطريّة بغير تعمد، وانهمرت دموعه حزناً لما سبّبه لها، ثم صار يخدمها حتى تماثلت للشفاء.

في بلدة ميس الجبل حيث وُلد، ترعرع عاشقُ الطبيعة الذي كان يسرح في الحقول متأمّلاً سكينة الوجود، وكان إن مشى كأن الطريق تمشي معه. شجاعةُ الأبطال تلمع في عينيه، وبأسُ المقاتلين يلوح بين كفّيه، كان يرفعُ على صِغَره الأثقال التي ينوء بحملها الرجال، وفي اللعب كان هو القائد والعقل المدبّر وحامي الحِمى.

*انتقالٌ من مقاعد الدراسة

طُموحٌ حلّق في جبهته الواسعة، وغَدٌ كثيراً ما سبقه حسن في اختصار مراحل حياته. ولكنّ ما لم يخطر في بال ذلك الولد القوي أن تشرق شمس نهار على وجهه ليرى ظلام المرض قد ألقى بثقله على صاحبة القلب التي طالما دلّلته.. تصدّع قلبُ حسن لمرض أمه، وتسرّبت آلامها إلى جسده، ولسعَ أنينها روحه بسياطٍ احتفظ بآثارها في طيات وجدانه..

 وفجأة لم يعد هناك مكان لريشة الأحلام. ترك حسن مقاعد دراسته الثانوية، ليأخذ المحراث عن أبيه ويتسلّم دفّة الزراعة وتدبير شؤون المنزل، لانشغال الأب بمداواة زوجته وأخذها للعلاج. وكثيراً ما كان يوصي الأب ابنه أن ينتبه إلى نفسه وهو يحرث، وأن لا يستخدم كل قوته كي لا يكسر الأشياء! في السادسة عشرة من عمره، مشى حسن وإخوته في جنازة أمه، ومنذ تلك اللحظة، صار والغربة رفيقين.

كبر المدلل الذي لم يفسده دلال والدته، والشاب القوي الذي لم يترك التحكّم بالأمور لعضلاته المفتولة، بل مزج بين الحكمة والقوة، فكان يشاركُ في مسابقات رفع الأثقال ويحصدُ الجوائز، وكان لا يترك الاهتمام بوالده وإخوته، فيعملُ ويضع كلّ ما يجنيه من العمل في خدمة أهله وراحتهم.
في حرب تموز 2006، تسبّب حسن بالعديد من المشاكل مع المجاهدين في قريته، وقد أصرّ على البقاء، لأنه لم يقتنع أن الجهاد في سبيل الله يقترن بعمرِ المرء، بل بما يحمله من عشق.

*وبدأت الهجرة إلى الله
في العام 2007، بدأت رحلة الهجرة إلى الله، والتحق حسن في صفوف المجاهدين، بعد أن تحيّن الكثير من الفرص لذلك، فبنيته التي تظهره أكبر من عمره لم تشفع له للالتحاق بالمقاومة.
خضع حسن لدورات تدريبية عسكرية عالية المستوى، وتميّز بدّقته في التصويب، ناهيك عن جرأته في الاقتحام، فإن كان رفاقه يحذرون من ممازحته أحياناً لأن ضربة حسن لا مزاح فيها، فكيف بالأعداء؟

كان حسن من أول الواصلين لحماية مقام السيدة زينب عليها السلام، وبثَّ في قلوبِ الكافرين الرعب..عنيدٌ جداً ذلك الشابُ الذي رفض أن يترك ساحة المعركة ليرتاح قليلاً. وإن كان يجب عليه الرجوع إلى بيروت، فذلك يعني سلسلة من المشاكل معه وتنتهي غالباً ببقائه يمسحُ بلاط المقام بروحه، وكلما فاز بشرف البقاء خرّ ساجداً لله تعالى شكراً له على هذه النعمة.

*عباس العصر كتيبة وحده
في المعارك، كان حسن (عباسُ العصر) كتيبة وحده. أنهك الأعداء، وأبلى فيهم بلاءً حسناً، ومن كان يراه في خضم المعركة لا يصدق أن ذلك الشاب هو ذاته الذي يمسكُ ليلاً قضبان حضرة السيدة باكياً كطفلٍ صغير..

وفي إحدى زياراته القليلة لمنزل العائلة، عاتبه أبوه لكثرة غيابه، قائلاً: وهل الحرب كلها ملقاة على كتفيك فلا تزورنا؟! رد حسن : "السيدة زينب عليها السلام هي خير مني ومن أمي ومن أبي.. مقامها بحاجة إلينا وهو أهم من راحتنا بكثير وأولى.."
شارك حسن في العمليات العسكرية في أماكن عدة، وتعرّف هناك إلى رفيقه ربيع محمود فارس الذي استشهد برصاصة قنص في 30 كانون الثاني 2013 بين يديه. وقد قتل حسن القنّاص مباشرة، وكتب لرفيقه حسن بالقرب من صورته على هاتفه الجوال أنتم السابقون ونحن اللاحقون.

*وغادر ضاحكاً مستبشراً
لم تغبْ روحه المرحة عن رفاقه، حتى في أقسى لحظات القتال. كان ضاحكاً مستبشراً، يمزح مع ذاك، ويخفّفُ عن هذا، فإذا ما عاد لزيارة أهله، الذين ينتظرون تزويجه بعد أن أنهى بناء منزله، ودّعهم وداع المفارق، وبعد أن ركب سيارته، ترجّل منها وعاد، من لا يحبُ لحظات الوداع، مرة أخرى لضمهم وتقبيلهم، وأسرّ لرفيقه أنه لن يسكن في ذلك البيت.

في الليلة الأخيرة أعدَّ حسن الطعام لرفاقه، وعند الفجر استيقظ وصلّى الصبح، وجلس خلف المدفع الذي كانت الأعداء تخشاهُ، فيما كان أحد المقاتلين الهاربين يركض خائفاً مرتعباً ويطلقُ النار بعشوائية، فأصاب حسناً برصاصةٍ طائشة في رأسه.

هُرع الرفاق إليه، وكانت لحظات الاحتضار تدنو من أنفاسه، نظر إليه رفيقه قائلاً: "هل عرفتني؟!"، رمى حسن رفيقه بنظرة ثاقبة متبسماً له: "وهل تظنُّ أني فقدتُ عقلي؟".
في الطريق إلى المستشفى، كان حسن يسلّم على السيدة زينب عليها السلام، وفجأة ضحك ضحكة لم يرها أحد من قبل، على ثغره، ابتسامة وكأنّ ندى الصباح أيقظها من ذبولها، فسأله رفيقه: ما الذي يضحكك؟ ردَّ عليه: أضحك لأني أقف بين السيدة زينب وأمي.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

بيروت

مرتضى

2018-12-02 09:09:29

بارك الله بكم و بجهودكم في احياء ذكرى و سيرة الشهداء ...