نهى عبد الله
خنقتني المرارة بشدّة عندما أُبلغتُ بإقالتي التعسفيّة. لم تكن المشكلة هي خسارة وظيفة فحسب، بل كَمُنت في خيانة صديق استغلّ مرضي وغيابي، فحاك ضدّي شكوى لم تتفحّصها الإدارة، فبدا أنّني تسبّبتُ بخسائر ماليّة، في حين أنّني فوّضته بمهام ضروريّة تنصّل منها عمداً.
في غمرة شرودي، رنّ هاتفي، كان صديقي القديم "الحاج ماجد*"، الذي نادراً ما يتّصل بسبب انشغاله الدائم. ما إن سمع صوتي حتّى لاحظ سوء حالي، فدعاني لنحتسي فنجان قهوة "على السريع". رحابة صدره تدفعك بسهولة للإفضاء له بهمومك. كان يستمع بتركيز عالٍ، وعندما كان يشعر أنّني على وشك الاختناق بعبرتي، كان يمرّر نكتة لطيفة ليخفّف عنّي. بعد أن أنهيت كلامي، قال: "الحياة لا تنصفنا دائماً، وكلّ عقبة تسلبك أمراً تحبّه هي في الحقيقة تحضّرك لنسخة أقوى منك وأكثر عافية".
ثم نصحني: "زُر ذلك الصديق في منزله، وانظر إليه بهدوء، لا تعاتبه ولا تلُمه، تفقّد حاله وحال عائلته، ثم انصرف وأخبرني بشعورك بعدها".
في البداية تردّدت، ثمّ جمعت شجاعتي وفعلت، حين انصرافي لاحظتُ أنّني تركتُ خلفي رجلاً متحيّراً مضّطرباً. وشعرتُ أنّ ألمي وشعوري بالمرارة قد تبدّدا، واسترجعتُ عزّتي. فهاتفتُ الحاج متسائلاً عن السرّ، فأجابني: "هكذا علّمنا أهل البيت عليهم السلام أن نتعالى عن الأخطاء، ونزيل الأحقاد قبل أن نضمرها، فنسمو. سلامة نيّتك ستحرج الآخر وتعيد ترتيب نفسك".
ثم أوصاني: "إن احتاجك ذلك الصديق يوماً ما فساعده، وكن منه على حذر، فلعلّه يستيقظ".
بعد سنوات قليلة، طرق بابي ذلك الصديق نادماً، لكن "الحاج ماجد" لم يكن حاضراً لأخبره أنّ نصيحته كانت سبباً لأتجاوز مواقف عدّة بشموخ.
* الشهيد القائد محمد جعفر قصير (الحاج ماجد)، استشهد بتاريخ 2024/10/2م.