مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الدّفاع عن المقدّسات حسين أحمد المستراح (مرتضى)

نسرين إدريس قازان


اسم الأمّ: جميلة حيدر أحمد.
محلّ الولادة وتاريخها: شمسطار 51/8/1992م.

الوضع الاجتماعيّ: عازب.
محلّ الاستشهاد وتاريخه: القصير 21/5/2013م.

 

«إذا لم ألتحق بمعركة القصير، فالأفضل لي أن أدسّ رأسي في التراب»، قال هذا ولم يكن أحد يدري بنار الحسرة التي أشعلت روحه، مُذ لم يُسمح له بالمشاركة في معارك تحرير منطقة السيّدة زينب عليها السلام إلّا قليلاً، فحسين كان واحداً من مشاريع القادة التعبويّين في المقاومة، لو أنّه لم يختصر طريقه بسرعة.

* طفولة ومسؤوليّة
حسين، ثالث الأبناء بين ستّةٍ، ولد في بيروت، نشأ في حي الجامعة عند أطراف حيّ السلّم، بالقرب من مجمع الإمام الباقر عليه السلام. كان طفلاً هادئاً جدّاً في طفولته، لم تستدرجه مشاغبات أقرانه على الرغم من حيويّته ونشاطه، اللذين طوّعهما ليكونا له سبيلاً في بناء نفسه. التحق صغيراً بالكشّافة، وتدرّج في صفوفها حتّى صار قائداً.

منذ أن كان عنصراً فتيّاً، عمل حسين بجدٍّ وإصرار على بناء روحيّة خاصّة به، فاتّخذ من المسجد ملاذاً له، وواظب على أداء صلاة الجماعة وحضور الأدعية، فاشتدّ عوده وقويت عزيمته ولانت ملامحُ وجهه التي كشفت عن رقّة روحه وبراءتها، وشعّ فكره الوقّاد بالثقافة المحمّديّة – الحسينيّة الأصيلة.

في البيت مع أهله، وبين إخوته، كان حسين فتىً مزوحاً، شديد اللطف، وحكيماً ذا رأي راجح، يُستشار بالأمور الصغيرة قبل الكبيرة، وكان لافتاً حبّه للعائلة، وتعاضده مع إخوته وأخواته، فلا يترك أحداً لضعفٍ أو همٍّ. وإذا كان تجاوز النفس صعباً على بعضهم، فإنّه سهل يسير بالنسبة إليه، ليس لهوان نفسه عليه، بل لأنّه أدرك حقيقة الحياة وعمق معانيها، فهو لا يخطو خطوة يجهل إلى أين مؤدّاها، ولا ينطق لسانه إلّا بالكلام اللازم، وقد عرف أنّ كلّ ذلك دفعٌ له إلى الأمام في طريق السلوك إلى الله عزّ وجلّ.

* صفات القيادة
ما إن عُيّن حسين في فوج مسلم بن عقيل قائداً لفرقة الكشّافة، حتّى برز ذكاؤه الاجتماعيّ وملكاته القياديّة، فكان سريع التأثير بعناصره الصغار، إذ اهتم بتربيتهم في جميع النواحي، فتعاهد معهم على البرامج الروحيّة والعباديّة، من صلاة الصبح ودعاء العهد في المسجد، وحتّى إحياء المناسبات الليليّة، وكان يلتقي بهم في الفسحات الترفيهيّة ويزرع في نفوسهم حبّ الجهاد. وكم عشق أن يقف حاملاً القرآن الكريم، فيما يمرّ عناصره بقاماتهم الصغيرة وعودهم الطريّ من تحته كما المجاهدين.

لم تمنعه كلّ انشغالاته من الاهتمام بدراسته التي أولاها كلّ اهتمام، بل كانت المرحلة الثانويّة هي الفرصة التي اغتنمها ليؤسّس عمله التعبويّ في التعبئة التربويّة، فيتكامل دوره هناك مع عمله في الكشّافة، خصوصاً بعد أن تولّى مسؤوليّة فرقة الجوّالة التي اعتنى بعناصرها أيّما عناية، ولم يتأخّر في معرفة مشاكلهم الخاصّة ومعالجتها معهم بهدوء ورويّة.

لقد كان بالفعل الشابّ النموذج الذي يتّسمُ بالكثير من صفات القائد الفذّ الخلّاق، الطموح الساعي بإصرار إلى تطوير ذاته في اتّجاهات عدّة، والذي يستشعر ما في نفوس الآخرين من غير أن يتلفّظوا به، فيسارع إلى الاحتضان قبل النصيحة، ويدلي بدلو الحلول. وهو الذي استطاع أن يؤسّس في نفوس الأفراد الذين واكبهم مداميك الانطلاق في طريق الحقّ وسلوك الصراط المستقيم، ولولا عمره القصير، لكان حسين واحداً مِن أبرز مَن يبني أفراداً مقاومين ذوي بأسٍ شديد.

* حُسن إدارة الوقت
كان وقت حسين مزدحماً بالدراسة، فبعد تخرّجه من الثانويّة، التحق بجامعتين ليدرس اختصاصَين في الوقت ذاته، أحدهما إدارة الموارد البشريّة، وهو المبدع في هذا المجال، وكان قدوة لمن حوله في حُسن إدارته لوقته. وهو لم يقصّر في أيّ عملٍ أوكل إليه، على الرغم من تعدّد مهامه واختلافها، بل استطاع أن يجد وقتاً لكلّ شيء: للدرس، والتعبئة، والكشّافة، والمسجد، والالتحاق بالدورات الثقافيّة والتخصصيّة والعسكريّة.

* القلب متعلّق بالجبهة
عام 2010م، بدأ حسين عمله في المقاومة رسميّاً. وكان حينها يفكّر جدّيّاً في الزواج، ولكن عندما اشتعلت الحرب في سوريا، وسارع العديد من الشبّان للالتحاق بالدفاع عن حرم السيّدة زينب  عليها السلام، ركّز حسين على هدفٍ واحد، وهو الالتحاق بالجبهة. وقد رأى أنّ فرصة الشهادة السانحة وقتذاك هي ساحة العشق الخالص لله عزّ وجلّ، ولكنّ رغبته تلك لم تتحقّق ولم يعطَ الإذن لكفاية العدد، فأثقلت الأحزان روحه، خصوصاً وأنّ كثيراً من رفاقه المقرّبين، كانت ساحتهم الشام وضواحيها، فصارت تضيق عليه هذه الدنيا كلّما عاد أحدهم شهيداً. وقد شهدت عليه ليالي الدمع وهو يجلس بين يدي الله يناجيه حتّى ينبلج الفجر، ولم يعد ثمّة حديث يحكيه إلّا عن الشهادة والشهداء. وفي أحد الأيّام، بينما كان هو ورفاقه في مسجد الإمام الباقر عليه السلام يتحدّثون عن أخبار الحرب والشهداء، كان أحد الإخوة يقوم بتنظيف المسجد، فاقترب من حسين ممازحاً: «لن تنال الشهادة إلّا إذا ساعدتني في التنظيف»، فما كان من حسين إلّا أن شمّر عن ساعديه للمساعدة.

* ورود الأمل
تناهى إلى سمعه أنّ المقاومة تعدّ العدّة لتحرير مدينة القصير، فتفتّحت في روحه ورود الأمل، واستجاب الله دعواته في المشاركة بعدما مرض أحد المجاهدين فسُجّل اسمه بديلاً عنه. وكان في ذلك الوقت يتابع تفاصيل الاحتفال بمناسبة تحرير 25 أيّار في الكشّافة، فاتّصل بصديقه، وبحياء شديد طلب منه أن يتابع مهمّته في حال عدم رجوعه من الجبهة.

قبل يومين من التحاقه بالجبهة، رأى حسين في منامه أنّه استشهد، وكم كان سعيداً وهو يحكي لأمّه تفاصيل ما رأى، ولمّا أخبرته أنّ تفسير الرؤيا هو استشهاد أحد رفاقه، أجابها بثقة: «لا، أنا الذي سأستشهد»!

وجاء ذلك اليوم الذي ودّع فيه حسين أهله والأقارب والأصدقاء. وكان حريصاً جدّاً أن لا يُشعر والديه بالخوف والقلق عليه، ولكن طريقة ضمّه لهما تركت فيهما تساؤلاً صامتاً، فلم يخبرهما عن حقيقة وجهته.

شهدت ساحات القصير على أسد من أسود المقاومة، فقد كان حسين شجاعاً مقداماً، وهو من اتّخذ من كربلاء وعاشوراء منطلقاً لكلّ شيء في حياته. وقد كتب في وصيّته: «مدرسة كربلاء علّمتنا الكثير من المعاني التي أفتخر بها وأطبّقها في حياتي الدنيويّة، وهي تعدّ الأجيال بالكمال والأخلاق والإيمان، وتعبّر عن نصرة الحقّ على الباطل ونصرة المظلوم على الظالم».

بعد معركة ضارية في إحدى المناطق في القصير، حلّت صلاة الظهر، فطلب إليه مسؤوله أن ينادي على المجاهدين ليؤدّوا الصلاة معاً، وما إن خرج ليناديهم حتّى سقطت قذيفة بالقرب منه، رفعت روحه إلى السماء.

خُصّصت فقرة في احتفال عيد المقاومة والتحرير 25 أيّار لتكريم الشهيد حسين، لتكون مشاركته الأخيرة مع الكشّافة كشهيد محمول على أكفّ رفاقه، وكان قد اقترب موعد الخطوبة الذي حدّده سابقاً، فشاء الله أن يكون عريس أيّار، دمه عانق الخُلْد وزفّته السماء.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع