غدير الحاج حسين
دخلتِ المبنى قاصدةً منزل ابنتها التي تسكن في الطابق الرابع. نظرتْ إلى المصعد وكان قد توقّف عن العمل وتنهّدت؛ فكيف لعجوز في سنّها أن تصعدَ السلالم نحو الطابق الرابع؟! جلستْ قليلاً تستريح من تعب المشوار على الدرجات الأولى للمدخل، وهي تسند رأسها إلى عكّازها، شابكةً يديها، وانتظرتْه علّه يمرّ من هنا. لم تقلق كثيراً، فهي تعلم أنّه في مثل هذا الوقت تقريباً ينزل الأدراج ليذهب إلى النادي الرياضيّ.
ما خاب حدْسها؛ إنّه ينزل السلالم، وها هي تسمع خطواته. إنّها خطواته لا محال، وصوته يدندن لطميّته المفضّلة «اعذروني، أنا لا أملك عيني، فهي نذر لأسى أم الحسين،...». لمعتْ عيناها وهي تنتظره أن يصل إلى المدخل. اقترب منها والضحكة على ثغره. رفعت رأسها عالياً؛ لتستطيع رؤية وجهه. انفرجت أساريرها وهي تقول: «وها نحن نلتقي كالمعتاد، هيا، تعلم ماذا ستفعل يا عكّازي»!
ضحك وهو يرفع يده نحو رأسه: «على رأسي يا حجّة»!
كان يحملها على كرسيّ بمساعدة أحد الجيران؛ للصعود بها إلى الطابق الرابع. صعدا بها السلالم درجةً درجةً، كان يمازحها، اعتادت على روحه المرحة، كما كلّ مَن يعرفه.
بعد أسابيع عدّة، جاءتْ وكالمعتاد انتظرته على أوّل السلالم في المدخل، «الآن سيأتي، سيأتي حتماً، سينزل الآن عن هذه السلالم». لكنّه لم يأت! لاحظتْ على أحد جدران المدخل صورةً كبيرةً، لم تكن قد لاحظتها سابقاً، حدّقتْ فيها جيّداً: «إنه هو، واللهِ هو». امتلأت عيناها بالدموع، ولم تعد ترى أمامها سوى صورة وجهه الجميل وثغره المتبسّم، وجملة نُقِشَت تحت صورته بخطّ جميل «الشهيد المجاهد أمير عباس الصاروط»*!
* استشهد بتاريخ: 26-5-2013م.