نهى عبد الله
1992م/ الطيّبة::
وقف الشاب ذو الخمس عشرة سنةً على سطح منزله، يجول بنظره على قريته، ومنازلها وأقاربه، والبساتين والبيادر، والمدرسة، ومركز عملاء لحد وهم يسوقون أبناء المقاومة أسرى. ملأت الدموع عينيه، مسحهما غاضباً، كوّر قبضته، “ليتني أملك سلاحاً”. بالأمس استخرجت والدته تصريحاً له للخروج من القرية بشقّ الأنفس، “ابني يرعف وعليه مراجعة الطبيب في بيروت” هكذا برّرت، وهو: “لن أرحل دونكم، لن أترككم تعانون الاحتلال”. كان الحلّ الوحيد، وإلا سيُساق إلى خدمة العار والعمالة قهراً. لم يتملّكه الخوف، بل الغضب، انتفض سريعاً وركض تُجاه الطابق السفليّ من منزله كان قيد الترميم، أخذ قليلاً من الرمل والباطون والماء، كوّر جبلةً رطبة وضربها بكفّه الصغيرة، وطبعها على الجدار، وقال متوعّداً: “أعدكم سأعود، وسأخرجكم من قريتي وسألاحقكم حيث تختبئون، ها قد أرّخت رحيلي بكفّي”. ورحل... مع عائلته.
نيسان 2000م/ موقع الطيبة:
ليل الأربعاء، كَمَن مع رفاقه في المقاومة الإسلاميّة لقوّة إسرائيليّة، وخاضوا مواجهة بطوليّة، أجبرت العدوّ على إرسال مروحيّة لإجلاء جنوده. لكنّ طلقات لئيمة أصابته، وقع على تراب أرضه، واشتمّ رائحتها التي اشتاقها. أخذ يزحف متعالياً على الألم، حتّى وصل إلى السياج الشائك، اخترقه بنصف جسده متمرّداً على شريط الاحتلال. استشهد فادي غزال محقّقاً وعداً قطعه عند رحيله، وتحرّرت قريته بعد شهر من شهادته المباركة، يومها وجدت أمّه أصابعه الخمسة مطبوعةً على جدار المنزل.
الشهيد ينتصر دون أن ينتظر النتيجة، كما الشهداء على طريق القدس، انتصروا جميعهم قبل أن تتحرّر.
عيد مقاومة مبارك على طريق القدس