آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
هل من المحبّذ أن يشكو أحدنا من أوجاعه للآخرين؟ وكيف يجب أن نتعامل مع المرض؟ وما هي طرق الوقاية والعلاج من بعض الأمراض؟ هو ما ستجيبنا عنه أحاديث الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة الهدى عليهم السلام.
* الدواء والعلاج
1. الصبر على الألم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أربعةٌ من كنوز الجنّة: كتمان الحاجة، وكتمان الصدقة، وكتمان المرض، وكتمان المصيبة"(1).
2. عدم المسارعة إلى تناول الدواء: عنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "لا تكرهوا الدّماميل، فإنّها أمانٌ من البَرَص"(2). وقال الإمام علي عليه السلام: "امشِ بدائِكَ ما مشى بك"(3)؛ أي لا تعظّم المرض إن كان محمولاً، ولا تسارع إلى الدواء.. وقال عليه السلام أيضاً: "لا يَتداوَى المسلم حتّى يغلِبَ مرضُهُ صحَّته"(4).
وعنه عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من أحدٍ إلّا وبه عِرْقٌ من الجُذام(5)، فإذا أصابه الزُّكام قَمَعَهُ"(6).
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "واجتنبِ الدواء ما احتملَ بدنُكَ الداء"(7). وعنه عليه السلام أيضاً: "لا تنفَعُ الحِميةُ لمريضٍ بعد سبعةِ أيّام"(8).
وقال الإمام الكاظم عليه السلام: "ليس من دواء إلّا وهو يُهيِّجُ داءً، وليس بشيءٍ في البدن أنفَعَ من إمساك اليدِ إلّا عمَّا يُحتاج إليه"(9).
* متى العلاج؟
إنّ تحمّل الألم وكتمانه عن الآخرين لا يعني إهمال العلاج، بل المطلوب التداوي من المرض في حال عدم القدرة على تحمّله لئلّا يتفاقم؛ فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "تداوَوْا، فإنّ الله عزّ وجلّ لم يُنْزِلْ داءً إلَّا وأنزلَ له شفاءً"(10).
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّ نبيّاً من الأنبياء مرِضَ، فقال: لا أتداوى حتّى يكون الذي أمرضني هو الذي يَشفيني، فأوحى الله إليه: لا أَشفيكَ حتّى تتداوَى، فإنَّ الشفاء منِّي"(11).
قال يونس بن يعقوب: سألتُ أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن الرجل يشربُ الدواءَ ورُبّما قُتِلَ ورُبَما سَلِمَ منه وما يَسْلَمُ أكثر [أي أنّ الصحّة والسقم بيد الله ولا تأثير للدواء]، قال: فقال عليه السلام: "أنزلَ اللهُ الدواء وأنزل الشفاء، وما خلق اللهُ داءً إلّا وجعل له دواء، فاشرَب وسمِّ الله تعالى"(12). طبعاً، إذا شرب الدواء الصحيح وبالمقدار اللازم، ووفقاً لأصول التجربة.
وكان الإمام زين العابدين عليه السلام إذا رأى المريض قد بَرَأَ من العِلَّة، قال: "يُهنِّيك الطَّهُور مِنَ الذنوب"(13).
* بعض طرق العلاج
في المقابل، يوصي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام بتناول بعض الأطعمة أو القيام بمجموعة أمور من شأنها أن تساهم في علاج عدد من الأمراض أو الوقاية منها، نذكر بعضها:
1. التمر: عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لكنَّا أهلُ بيتٍ لا نحتمي إلَّا مِنَ التمر... قال: لأنَّ نبيّ الله حَمَى عليّاً عليه السلام منه في مرضه"(14).
2. الإجاص: قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "إنَّ الإجاص الطريَّ يُطفئ الحرارة..." (15).
3. شهد العسل: روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "ومن أراد رَدْعَ الزُّكام مُدَّة أيام الشتاء، فليأكل كلّ يومٍ ثلاث لُقَمٍ من الشَّهْد"(16).
4. اللحم باللبن: قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا ضَعُفَ المُسلم فليأكل اللحمَ باللبن، فإنَّ الله جعل القوَّة فيهما"(17).
5. الملح: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا عليُّ، ابدأْ بالملح واختِمْ به، فإنَّ الملح شفاءٌ من سبعين داءً أذَلُّها الجُنون والجُذام والبَرَص"(18).
6. الماء البارد: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "استَنْجُوا بالماء البارد، فإنَّه مصحَّةٌ للبواسير"(19). وقال الإمام الصادق عليه السلام: "الماء البارد... يُذيب الطعام في المعدة..."(20). وعن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "لا يَذهبُ بالأدواءِ إلَّا الدعاء والصدقة والماء البارد"(21).
وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام عندما ذُكِرَ له الحُمَّى، قال: "إنّا أهلُ بيتٍ لا نتداوى إلّا بإفاضة الماء البارد، يُصبُّ علينا، وأكلِ التفّاح"(22).
7. الحجامة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "احتجِمُوا إذا هاج بكم الدم، فإنَّ الدم ربّما تبيَّغَ بصاحبه فيقتله"(23). وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "الحِجامة تُصحُّ البدن وتشدُّ العقل"(24). وروي عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّه قال: "طِبُّ العرب في ثلاثة: شَرْطَة الحجَّام، والحُقنة، وآخرُ الدواء الكيُّ"(25). وكذلك قال عليه السلام: "خيرُ ما تداويتم به الحجامة، والسّعُوط، والحمّام، والحُقنة" (26).
8. الحنّاء: عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "الحنَّاء يَذهبُ بالسَّهَكِ(27)، ويزيدُ في ماء الوجه، ويُطيِّبُ النكهة، ويُحسِّنُ الولد"(28).
* تجنّب المعالجة بالحرام
لقد نهت الأحاديث الشريفة عن التداوي بوسائل محرّمة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه نهى عن الدواء الخبيث أن يُتداوَى به(29)، وكذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ الله تعالى أنزل الداء والدواء وجعل لكلِّ داءٍ دواء، فتداوَوْا، ولا تَدَاوَوْا بحرامٍ"(30). وقال الإمام الصادق عليه السلام: "ليس في حرامٍ شفاء"(31). وعن قائِدِ بن طلحة، أنّه سأل الصادق عليه السلام عن النبيذ يُجعل في الدواء، فقال: "لا، ليس ينبغي لأحدٍ أن يستشفي بالحرام"(32).
وعن الحلبيّ قال: سألت الصادق عليه السلام عن دواءٍ عُجِنَ بالخَمْر، فقال: "لا والله، ما أُحبُّ أن أنظُرَ إليه، فكيف أتداوى به؟ إنَّه بمنزلةِ شحم الخنزير أو لحم الخنزير، وإنَّ أُناساً ليتداوَوْنَ به"(33).
* عوامل النشاط
بالإضافة إلى التوصيات الوقائيّة والعلاجيّة، لم يغفل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليهم السلام عمّا يمكن أن يبعث على نشاط الإنسان ونُشرته؛ فعن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ الريح الطيّبة تشدُّ القلب"(34). وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "التطيُّبُ نُشرَةٌ، والغُسْلُ نُشرَةٌ، والنَّظَرُ إلى الخُضْرة نُشرَةٌ، والرُّكوبُ نُشْرَةٌ"(35).
وقال الإمام موسى الكاظم عليه السلام أيضاً: "ثلاثةٌ يَجْلِينَ البصر: النَّظرُ إلى الخُضرة، والنَّظرُ إلى الماءِ الجاري، والنَّظرُ إلى الوجهِ الحسن"(36).
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "تداوَوْا، فإنّ الله عزّ وجلّ لم يُنْزِلْ داءً إلَّا وأنزلَ له شفاءً"
عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "[الرِّيحَ] الرائحة الطيّبة تشدُّ القلب"
* مقتطف من كتاب مفاتيح الحياة، ص 100-106.
1- مستدرك الوسائل، الشيخ الطبرسي، ج 2، ص 67.
2- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 210.
3- نهج البلاغة، الحكمة 27.
4- الخصال، مصدر سابق، ص 620.
5- الجذام مرض يسبّب تآكل أعضاء الجسم وسقوطها.
6- الكافي، الشيخ الكليني، ج 8، ص 382.
7- المصدر نفسه، ج 6، ص 382.
8- المصدر نفسه، ج 8، ص 291.
9- المصدر نفسه، ج 8، ص 273.
10- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص 362.
11- المصدر نفسه، ص 362. وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 2، ص 410.
12- عيون أخبار الرضا عليه السلام، الشيخ الصدوق، ج 2، ص 45.
13- الكافي، مصدر سابق، ج 8، ص 291.
14- المصدر نفسه، ج 6، ص 359.
15- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 59، ص 322.
16- تحف العقول، الحراني، ص 107.
17- المصدر نفسه، ص 12. المراد بالملح، الملح المعدنيّ الأصليّ الخالي من الموادّ المضرّة.
18- الجامع الصغير، السيوطي، ج 1، ص 153.
19- مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص 156.
20- مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج 2، ص 98.
21- الكافي، مصدر سابق، ج 6، ص 356.
22- مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج 13، ص 80.
23- تحف العقول، مصدر سابق، ص 100.
24- وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 25، ص 226.2السهك هو رائحة العرق الكريهة.
25- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص119.
26- وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 25، ص226.
27- وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 25، ص 346.
28- الجامع الصغير، مصدر سابق، ج 1، ص 259.
29- الكافي، مصدر سابق، ج 8، ص 193.
30- المصدر نفسه، ج 6، ص 414.
31- المصدر نفسه.
32- المصدر نفسه، ج 6، ص 510.
33- مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص 42.
34- الكافي، مصدر سابق، ج6، ص510.
35- مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص42.
36- الخصال، مصدر سابق، ص92.