مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الدراما التاريخيّة بين الحقيقة والتشويه (1)

د. نبيه علي أحمد*


لطالما شاهدنا الأعمال الدراميّة على اختلاف أنواعها (روائيّة، وبوليسيّة، واجتماعيّة،...)، فانجذبنا إلى القصّة، وطريقة المعالجة، وبراعة الشخصيّات، ونحن ندرك تماماً أنّ القصّة ربّما تكون من نسج خيال الكاتب، لكنّنا في النهاية نذرف دموع الحزن على رحيل البطل، أو على لقائه بمحبوبته. 

ولكن عندما نتحدّث عن الأعمال التاريخيّة، يصبح للقصّة معنى آخر، ذلك أنّ ما نراه على هذه الشاشة الصغيرة، لربّما قرأناه في كتاب تاريخيّ، أو سمعناه على لسان أحد أجدادنا، ولكن، هل هذه هي القصّة الكاملة؟!

•الدراما التاريخيّة: تشويق وجذب
تعدّ الدراما التاريخيّة من أكثر الأعمال تشويقاً وجذباً للمشاهدين، ذلك أنّ طبيعة الإنسان تميل نحو السرد والقصّة، فهو يحتاج دائماً إلى ما ينشّط مخيّلته، فيخوض مغامرات بشخصيّات تاريخيّة عرفها أو سمع عنها، وأحياناً تتداخل هذه الشخصيّات مع يوميّاته، فيشبّه نفسه ببطل ما، كما كنّا دائماً نشبّه المقدام بعنترة بن شداد، والعاشق بجميل أو بعمر بن أبي ربيعة، وغيرها من الشخصيّات التي عرفناها من كتب الأدب والتاريخ.

لكن عندما ننتقل إلى الحديث عن الأعمال التاريخيّة السينمائيّة يصبح الأمر مختلفاً، فالتاريخ كما يعرّفه المؤرّخون هو مجموعة من الأحداث التي تتحدّث عن أمر ما حصل في الماضي، فكيف عندما ينتقل هذا الحدث ليظهر على الشاشة الصغيرة، بأشخاص نعرفهم (ممثّلين مشهورين) ولكنّهم يعيشون في واقع تاريخيّ مرسوم بدقّة؟! ولكن، هل كان ذلك هو الواقع؟

•السينما مدارس
يقول الناقد المصريّ المعروف شريف عاشوري(1): إنّ التاريخ هو سرديّة، ولكنّها من دون نقد تصبح عبثاً، لأنّ المؤرّخ الذي ينقل لنا التاريخ يمزجه بقناعاته ووجهات نظره التي قد تخالف قناعاتنا، ولن نعرف وجهة النظر التاريخيّة الصحيحة إلّا من خلال إخضاعها للدراسة والبحث.

من هنا، ننتقل للحديث عن مدرستين في السينما، هما: السينما التاريخيّة التركيّة والسينما التاريخيّة الإيرانيّة.

يعود السبب في اختيار هاتين المدرستين إلى بروزهما كثيراً في تقديم الأعمال التاريخيّة العريقة، ذات المؤثّرات البصريّة العالية، بالإضافة إلى الإنتاج المدعوم من الدولة، ولكنّ النهج الذي سلكته الواحدة دون الأخرى مختلف تماماً، وسيظهر معنا ذلك في سياق الحديث.

•السينما التاريخيّة التركيّة
سوف نتناول في هذا المقال السينما التركيّة التي حرصت منذ انطلاقتها على تقديم أعمال كثيرة تحاكي التاريخ التركيّ على اختلاف حقباته الزمنيّة من خلال إنتاج أعمال دراميّة متنوّعة (مسلسلات أو أفلام) تدعمها الدولة، فظهرت أسماء الشخصيّات التاريخيّة التركيّة أو ما يتعلّق بتلك الحقبة كعناوين لهذه الأعمال، نذكر منها: السلطانة قُسم، وأرطغرل، والمؤسّس عثمان، وحريم السلطان، والسلاجقة، أو أفلام وطنيّة تاريخيّة كأنت وطني، وغيرها من الأعمال التي حاولت تقديم مقطع زمنيّ معيّن بقالب دراميّ معالج، على أنّها تتوافق فيما بينها على تحقيق هدف أساسيّ وجوهريّ، وهو تلميع صورة التاريخ التركيّ في أذهان المشاهدين.

•نموذج: مسلسل "المؤسّس عثمان"
سنتناول على سبيل المثال مسلسل "المؤسّس عثمان" على اختلاف مواسمه (أربعة مواسم)، وسنحاول تسليط الضوء على خلفيات هذا المسلسل دون التطرّق إلى النقد الفنيّ للعمل؛ لأنّ إنجاز حلقة أسبوعيّة مدّتها ساعتان وربع بمؤثّرات بصريّة خلّابة وبطاقم من الممثّلين والكومبارس يتجاوز المئات وربّما الآلاف، دليل على أنّ هذا العمل مدعوم بالكامل من الدولة التركيّة.

1. لمحة عن المسلسل: المؤسّس عثمان بالتركيّة :Kuruluş Osm دام ظله هو‏ مسلسل تركيّ دراميّ تاريخيّ، بدأ عرضه في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2019م، يحكي قصّة الغازي عثمان بن أرطغرل مؤسّس الدولة العثمانيّة، وهو من إنتاج محمّد بوزداغ، وإخراج متين جوناي، وبطولة الممثّل بوراك أوزجيفيت والممثّلة يلدز جاغري عتيقسوي، وأوزجه تورير. عُرض على قناة "أي تي في" التركيّة بشكلٍ أسبوعيّ كلّ يوم أربعاء كتتمّة للمسلسل التاريخيّ قيامة أرطغرل الذي انتهى عرضه في 29 أيّار/مايو 2019م. 

2. أحداث المسلسل: تدور أحداث المسلسل حول الغازي عثمان الأوّل مؤسّس الدولة العثمانيّة، وقيام الدولة، ونقلها من الفقر والضياع إلى القوّة والصلابة على يد عثمان وهو ثالث أبناء أرطغرل وأصغرهم، فيخلف أباه بعد وفاته، ويسير على خطاه ليحقّق انتصارات عظيمة، ويقوم بإنشاء الدولة العثمانيّة. ويعرض المسلسل أيضاً الصراعات بين الدولة العثمانيّة والمغول والتتار والصليبيّين والفرس والروم، والتحدّيات التي تواجه عثمان في سبيل تأسيس دولته وخاصّة مع أبناء قبيلته، وخلافه مع عمّه دوندار.

إذا تابعنا أحداث هذا المسلسل بأقسامه المختلفة، لوجدنا أنّ عمدته الأساسيّة هي تمجيد مؤسّس الدولة العثمانيّة الأوّل، بصفاته، وخصاله، وموقفه الشرس من الأعداء المسيحيّين (يسمّونهم بالكفّار في الأجزاء كلّها)، وصراعه مع الخير ضدّ الشرّ، وغيرها من الصور التي تجذب المشاهد الذي يميل دائماً إلى نصرة الخير.

3. الهدف... كيّ الوعي: حتّى هذه اللحظة، قد لا نجد مشكلة في سرد هذه الأحداث، و لكن يجب الالتفات إلى أنّها تأتي في سلسلة مترابطة من صناعة الفكر وكيّ الوعي لدى المشاهد العربيّ، من أجل ترسيخ نظرة واحدة في المسلسلات كافّة التي تعرضها الدولة التركيّة، وهي تقديم الحكومة الحاليّة كوريث لهذا التاريخ "العريق من الأمجاد"، ولو قدّم ذلك بشكل غير مباشر، لكن من يتابع الأعمال التاريخيّة كلّها وربّما السياسيّة والأمنيّة، سيجد أنّ الدولة التركيّة تقدّم نفسها وكأنّها الدولة القويّة، التي تستطيع فرض رأيها على الحكومة الأميركيّة والصهيونيّة كما كانت تفعل مع الصليبيّين والروم في تاريخها القديم، وأنّها كانت وستبقى حامي الشريعة الإسلاميّة، مع أنّ المجتمعات العربيّة قد لاقت من الدولة العثمانيّة، أشدّ الويلات والتنكيل والاضطهاد، وهذا ما فعله الرئيس العراقيّ المخلوع صدام حسين عندما قرّر إنتاج فيلم "القادسيّة" ليقدّم نفسه كفاتح جديد لبلاد الفرس كما فعل سعد بن أبي وقّاص.

* باحث في مجال السينما الدينيّة.
1.ناقد مصريّ معروف، والحديث جاء في مقابلة على قناة "المحروسة" عن الشخصيّات التاريخيّة في الدراما والسينما.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع