اعلم أنّ القنوت من المستحبّات المؤكّدة، التي لا ينبغي تركها، وله فضل عظيم وثواب جزيل.
* كيفيّة القنوت
هو على هذه الكيفيّة الخاصّة المتعارفة بين الإماميّة؛ بمعنى أنّه متقوّم برفع اليد حذاء الوجه وبسط باطن الكفّين نحو السماء، والدعاء بالمأثور أو غير المأثور. ويجوز الدعاء بكلّ لسان، عربيّاً كان أم غير عربيّ، والعربيّ أحوط وأفضل.
* أفضل القنوت
قال الفقهاء إنّ أفضل الأدعية فيه دعاء الفرج، ولم يرَ الكاتب دليلاً فقهيّاً معتدّاً به للأفضليّة، ولكنّ مضمون الدعاء دالّ على أفضليّته التامّة لأنّه مشتمل على التهليل والتسبيح والتحميد، وهي روح التوحيد. وهو مشتمل أيضاً على الأسماء العظيمة الإلهيّة، كاللَّه والحليم والكريم والعليّ والعظيم والربّ، وعلى ذكر الركوع والسجود، وأسماء الذات والصفات والأفعال، وتجلّيات الحقّ جلّ وعلا، والسلام على المرسلين، والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وآله عليهم السلام. فكان هذا الدعاء باختصاره مشتملاً على جميع وظائف الأذكار الخاصة بالصلاة، ويمكن إثبات أفضليّته بقول الفقهاء (رضوان الله عليهم)، إمّا بالتسامح في أدلّة السنن، وإمّا بالكشف عن دليل معتبر خفيّ عنّا.
ومن الأدعية الشريفة التي لها فضل عظيم، دعاء "يا من أظهر الجميل"، وهو مشتمل أيضاً على آداب مناجاة العبد للحقّ، وعلى تعداد العطايا الكاملة الإلهيّة، الذي يناسب حال القنوت، وهو حال المناجاة والانقطاع إلى الحقّ مناسبة تامّة. وبعض المشايخ العظام (رحمهم الله) كانوا مواظبين ومداومين عليه تقريباً. وهو من كنوز العرش وتحفة الحقّ تعالى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكلّ من فقراته فضائل وثواب كثير.
* أدب القنوت
مع أنّ الصلاة جميعها إظهار للعبوديّة وثناء على الله، فإنّ الذات المقدّسة للحقّ جلّ وعلا، فتحت باب المناجاة والدعاء للعبد، بالخصوص في حال القنوت، وهو حال المناجاة والانقطاع إلى الحقّ، وشرّفته بهذا التشريف. فالأفضل في أدب عبوديّة العبد السالك:
1. أن يراعي أدب المقام المقدّس الربوبيّ.
2. أن يراقب أدعيته لتكون مشتملة على تسبيح الحقّ تعالى وتنزيهه، وتتضمّن ذكر الحقّ وتذكّره.
3. أن يكون ما يسأل الحقّ تعالى في هذه الحالة الشريفة من سنخ المعارف الإلهيّة، وطلب فتح باب المناجاة، والأُنس، والخلوة، والانقطاع إليه.
4. أن يحترز عن سؤال الدنيا والأمور الخسيسة الحيوانيّة والشهوات النفسانيّة، فيصيبه الخجل في محضر الأطهار، ويصير بلا حرمة ووقار في محضر الأبرار.
* القنوت انقطاع تامّ
أيّها العزيز، إنّ القنوت هو قطع اليد عن غير الحقّ، والإقبال التامّ على عزّ الربوبيّة، ومدّ يد السؤال خالية الكفّ إلى الغنيّ المطلق، والكلام عن الدنيا في هذا الحال هو كمال النقصان وتمام الخسران.
أيّها العزيز، حيث إنّك الآن بعدت عن وطنك، وهجرت مجاورة الأحرار، وابتُليت بهذه الدار المظلمة ذات التعب والمحن الكثيرة، فلا تحبس نفسك بقيود الدنيا، ولا تنسج على نفسك خيوطها كدود القزّ.
* "إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك"
أيا عزيزي، إنّ الله الرحمن قد خمّر فطرتك بنور المعرفة ونار العشق، وأيّدها بأنوار كالأنبياء وعشّاق كالأولياء، فلا تطفئ هذه النار بتراب الدنيا الدنيّة ورمادها، ولا تكدّر ذاك النور بكدورة التوجّه إلى الدنيا وظلمتها، وهي دار الغربة، فإنّك إذا توجّهت إلى الوطن الأصليّ وطلبت الانقطاع إلى الحقّ وعرضت عليه حالة هجرانك وحرمانك بقلب موجع وأظهرت حال مسكنتك واضطرارك ووجعك، فيدركك الإمداد الغيبيّ وتساعد مساعدة باطنيّة وتجبر النقائص؛ إذ من عادته الإحسان ومن شيمته التفضّل.
وإذا قرأت في القنوت من فقرات المناجاة الشعبانيّة لإمام المتّقيــــن وأميــر المؤمنين عليه السلام، وخصوصاً قوله عليه السلام: "إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك.." إلى آخره، فاقرأه بحال الاضطرار والتبتّل والتضرّع، لا بقلب ميّت كقلب الكاتب فهو أنسب لهذه الحال.
وبالجملة، إنّ مقام القنوت في نظر الكاتب كمقام السجود؛ فكما أنّ السجود مقام فناء العبد وترك الغير والغيريّة، فالقنوت مقام الانقطاع إلى الحقّ وترك الاعتماد على الغير، وهو روح مقام التوكّل.
(*) مقتبس من كتاب الآداب المعنويّة للصلاة، للإمام الخمينيّ قدس سره، في آداب بعض الأمور الداخلة والخارجة للصلاة، الفصل الثاني، بتصرف.