آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ
يجدر بالمسلمين ألّا يتقاعسوا عن غرس الأشجار ورعايتها؛ لأنّ لها دوراً كبيراً في المحافظة على الهواء نقيّاً من أيّ تلوّث. وعناية الإسلام بغرس الأشجار ونثر البذور أو الزراعة أمر مشهود تماماً في النصوص الدينيّة، حيث إنّ زرع شجرة يرقى أحياناً إلى مستوى أفضل أعمال الخير وأقدسها؛ كما يبيّن ذلك الحديث الشريف للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "سَبْع يَجْرِي للعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ في قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْماً أَوْ أَجْرَى نهراً أو حَفَرَ بِئْراً أَوْ غَرَسَ نَخْلاً أَوْ بَنَى مَسْجِداً أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفاً أَوْ تَرَكَ وَلَداً يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ"(1).
* الأشجار في أحاديث أهل البيت عليهم السلام
لقد أمر الإسلام بالمحافظة على الأشجار وسقيها ونهى عن قطعها. ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ سَقَى طَلْحَةً أَوْ سِدْرَةً فكأنّما سَقَى مُؤْمِناً مِنْ ظَمَأ"(2). كما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم نهيه عن قطع الأشجار بقوله: "مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللهُ رَأْسَهُ في النَّارِ"(3).
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "لا تُقَطِّعُوا الثِّمَارَ فَيَصُبَّ اللهُ عَلَيْكُمُ العَذَابَ صَبّاً"(4). وعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "وَمِمَّا يَزِيدُ فِي العُمْرِ تَرْكُ الأَذَى وَتَوْقِيرُ الشُّيُوخِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَأَنْ يُحْتَرَز عَنْ قَطْعِ الأَشْجَارِ الرَّطِبَةِ إِلّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِسْبَاغُ الوُضُوءِ وَحِفْظُ الصِّحَّةِ..."(5)، وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "مَكْرُوهٌ قَطْعُ النَّخْلِ"(6). وقد بيَّن عليه السلام أنّ المحافظة على الأشجار في المناطق الصحراويّة والبوادي نفعه كثير، حيث قال عليه السلام: "إِنَّمَا يُكْرَهُ قَطْعُ السِّدْرِ بِالبَادِيَةِ؛ لأنَّهُ بِهَا قَلِيل"(7). كما روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه لا ضير من قطع الأشجار (عند الضرورة) والتعويض عنها قائلاً: "قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الحَسَنِ عليه السلام عَنْ قَطْعِ السِّدْرِ، فَقَالَ: سَأَلَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِكَ عَنْهُ فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: قَدْ قَطَعَ أَبُو الحَسَنِ عليه السلام سِدْراً وَغَرَسَ مَكَانَهُ عِنَباً"(8).
* أهميّة غرس الأشجار
يكفي في أهميّة غرس الأشجار ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمُ الفَسِيلَةُ (النخلة الصغيرة)، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْرِسَها فَلْيَغْرِسْهَا"(9).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "نِعْمَ الشَّيْء النَّخْلُ، مَنْ بَاعَهُ فَإنِّمَا ثَمَنُهُ بِمَنْزِلَةِ رَمَادٍ... إِلَّا أَنْ يُخَلِّفَ مَكَانَهَا..." (10).
وروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عليه السلام كَانَ يَخْرُجُ وَمَعَهُ أَحْمَالُ النَّوَى، فَيُقَالُ لَهُ: يَا أَبَا الحَسَنِ! مَا هَذَا مَعَكَ؟ فَيَقُولُ: نَخْلٌ، إِنْ شَاءَ اللهُ، فَيَغْرِسُهُ فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُ وَاحِدَة"(11).
ملاحظة: تعدّ النخلة المزروعة في البيئة المناسبة من الباقيات الصالحات، ولكن لا يختصّ ذلك بأشجار النخيل فقط، بل غرس أيّ شجرة في أيّ بيئة مفيدة ومناسبة لتلك البيئة هو من الباقيات الصالحات.
* غرس الأشجار: خصائصه وآثاره
1. حلالٌ طيّبٌ: قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "ازْرَعُوا وَاغْرِسُوا، فَلا وَالله مَا عَمِلَ النَّاسُ عَمَلاً أَحَلَّ وَلا أَطْيَبَ مِنْهُ"(12).
2. محصوله صدقة: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ... يَغْرِسُ غَرْساً فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَة"(13). وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ زَرَعَ زَرْعاً، فَأَكَلَ مِنْهُ طَيْرٌ... كَانَ لَهُ صَدَقَة"(14).
3. الثواب على قدر المحصول: وكذلك عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَغْرِسُ غَرْساً إِلّا كَتَبَ اللهُ لَهُ مِنَ الأَجْرِ قَدرَ مَا يَخرُجُ مِنْ ثَمَرِ ذلِكَ الغَرْسِ"(15).
4. دوام الثواب بدوام الاستفادة: وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "مَنْ غَرَسَ غَرْساً بِغَيْرِ ظُلْمٍ وَلا اعْتِداءٍ، كَانَ لَهُ أَجْراً جَارِياً؛ مَا انْتَفَعَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ الرَّحْمَنِ"(16).
5. دوام الثواب بعد الموت: وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "خَمْسَةٌ في قُبُورِهِمْ وَثَوابُهُمْ يَجْرِي إلى دِيوَانِهِمْ: مَنْ غَرَسَ نَخْلاً..." (17).
إنّ الحالات التي ذُكرت عبارة عن حصر إضافيّ ونسبيّ وليس مطلقاً، وعليه، فكلّ عمل صالح باقٍ يقوم به الإنسان يسجّل ثوابه في صحيفة أعماله ما دام أثر ذلك العمل جارياً.
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "سِتُّ خِصَالٍ يَنْتَفِعُ بِهَا المُؤْمِنُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ:... غَرْسٌ يَغْرِسُه"(18).
* عدم التغوّط تحت الأشجار
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه: "نَهَى أَنْ يَضْرِبَ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ خلاءه تَحْتَ شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ قَدْ أَثْمَرَتْ، لِمَكَانِ المَلائِكَةِ المُوْكَلِينَ بِهَا..."(19). وورد في حديثين شريفين آخرين: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَنْ يُتَغَوَّطَ... تَحْتَ شَجَرَةٍ عَلَيْهَا ثَمَرُهَا"(20)؛ كما "نهى أَنْ يبُولَ أَحَدٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ"(21).
* الغرس تنمية صلاح
لا تقتصر الفضائل والثواب المذكور للباقيات الصالحات في الروايات السابقة، أو النواهي على الأمور الفرديّة فحسب، بحيث ينعم بها الفرد وحده، ويتجنب أضرارها. إنّما هي تشجيع على تنمية اهتمام المسلم بالقضايا الاجتماعيّة؛ ليحظى الآخرون بفوائد هذه الأعمال ونتائجها أيضاً، فينعم صاحبها بالثواب في الوقت نفسه.
(*) كتاب مفاتيح الحياة، الفصل الثالث، ص617- 620.
(1) الهندي، كنز العمّال، ج 15، ص 953-954.
(2) العياشي، تفسير العياشي، ج 2، ص 86.
(3) العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 63، ص 113.
(4) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 19، ص 39.
(5) العلّامة المجلسي، مصدر سابق، ج 73، ص 319.
(6) الشيخ الكليني، الكافي، ج 5، ص 264.
(7) المصدر نفسه، ج 5، ص 254.
(8) المصدر نفسه، ج 5، ص 263-264.
(9) الشيخ الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج 13، ص 460.
(10) الشيخ الكليني، مصدر سابق، ج 5، ص 261.
(11) المصدر نفسه، ج 5، ص 75.
(12) المصدر نفسه، ج 5، ص 260.
(13) الشيخ الطبرسي، مصدر سابق، ج 13، ص 26.
(14) الهندي، مصدر سابق، ج 3، ص 892.
(15) السيوطي، الجامع الصغير، ج 2، ص 514.
(16) الشيخ الطبرسي، مصدر سابق، ج 2، ص 501.
(17) العلّامة المجلسي، مصدر سابق، ج 101، ص 97.
(18) الشيخ الصدوق، الأمالي، ص 169.
(19) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 32.
(20) العلّامة المجلسي، مصدر سابق، ج 77، ص 170.
(21) الشيخ الصدوق، مصدر سابق، ج 4، ص 4.