عندما يستعرض الباحث المسؤول أوضاع مجتمعاتنا الإسلامية عامة يبلغ به الأسى والتحسر لما وصلت إليه هذه الأوضاع من ضعف وهوان وتخلف. سياسياً واقتصادياً وأمنياً وثقافياً وعلى جميع المستويات. ما يكدّر صفو العيش الرغيد ويقض المضجع اللطيف.
إذ كيف لأمة دانت لها نصف المعمورة قروناً متمادية، وأخذت بمجاميع البشر والشعوب وحلّقت بها إلى سماء العلم والحضارة والازدهار أن يؤول حالها إلى هذا الحال، وتنتهي إلى هذا المآل؟
وما يزيد الحال سوءاً أن الكثير ممن تنبهوا لهذا الواقع المؤلم وعزموا على القيام والنهوض بالمجتمع نحو التقدم والازدهار قد سلكوا الطريق الخاطئ، عندما سعوا نحو الرقي والنمو الاقتصادي والأمني والسياسي على حساب الهوية الثقافية الأصيلة لهذه المجتمعات، في حين أن ثقافة أي مجتمع إذا كانت تابعة للغير فإن التبعية في كل الشؤون الأخرى سوف تتبعها لا محالة ولذلك كان الإمام الخميني قدس سره يعتبر أن الإصلاح الثقافي مقدم على كل إ صلاح. لقد جاء المستعمر الغربي إلى بلادنا وغرس فيها الثقافة الاستعمارية، وعلى الرغم من أنه ليس له تواجد عسكري وأمني معتد به في كثير من بلداننا الإسلامية، إلاّ أن ذهنيتنا وثقافتنا مستعمرة بحيث أننا نتوجه إليه ونحقق له أهدافه ومآربه بحجة أننا نسعى نحو التقدم والازدهار والتكنولوجيا الحديثة. يقول الإمام قدس سره:
"إن السبيل لإصلاح أي بلد إنما يبدأ من إصلاح ثقافته، فالإصلاح يجب أن يبدأ من الثقافة. وإن استقلال أي مجتمع ووجوده إنما ينبع من استقلاله الثقافي".
وعندما سمع شبابنا ومجاهدونا مقالة الإمام هذه بعقولهم ووعوها بقلوبهم صنعوا المعاجز تلو المعاجز ودحروا العدو الذي كان يتباهى بأمة لا تُقهر.
أين كان واقع مجتمعنا - في لبنان خاصة - عندما كان يسيطر عليه ثقافة (العين لا تقاوم المخرز) وأين أصبح واقعنا اليوم عندما استعاد ثقافة الإسلام المحمدي الأصيل حيث الشهادة سعادة وفخر الإنسان، وشرف ورفعة للإنسانية جمعاء. ما الذي تغير في الواقع؟ هل تحسّن وضعنا الاقتصادي وأصبحنا أغنى من العدو؟ أم تطور سلاحنا وعتادنا العسكري بما يضاهي آلة الحرب الموجودة لدى العدو؟ أم هي الثقافة الصحيحة تصنع الشعوب وتحيي الأمم؟!.
طبعاً نحن لم نزل في أول الطريق ولئن حققنا النصر والعزة للأمة في جانب فإن ما ينتظرنا من التحديات الكبيرة في الجوانب الأخرى ما هو أشد خطورة. والحل يجب أن ينبع دائماً من الثقافة الإسلامية الأصيلة، لأن "الثقافة كماا يقول الإمام قدس سره: منشأ كل سعادة أو تعاسة في الأمة، وإذا صلحت الثقافة صلحت البلاد".
والمأمول من الباحثين المخلصين استدامة البحث والتحقيق وتعميقه تحديد ثقافتنا والأبعاد المقومة لهويتها الإسلامية من منابعها الأصيلة وتبيين عناصر القوة فيها لرفع مستوى الجهوزية والاستعداد لمواجهة التحديات الآنية والمستقبلية فلا شك أن هذا الجهد المبارك مصداق
إنها قوتنا الحقيقية والكنز الثمين فعل نتخلّف عنها؟
والسلام