نسرين إدريس قازان
شهيد الدفاع عن المقدّسات حسن إسماعيل زلغوط "علي الكرّار"
اسم الأمّ: حمدة بشير.
محلّ الولادة وتاريخها: بيت ليف 5/2/1989م.
الوضع الاجتماعيّ: متأهّل وله ابنة.
رقم السجل: 21.
مكان الاستشهاد وتاريخه: حلب 13/6/2013م.
قبل أن ينطلق إلى مهمّته الأخيرة، وزّع ضحكاته وهو يشدُّ جُعبَ رفاقه واحدة بعد الأخرى، وكتبَ على دروعهم: "يا علي مدد". ولولا السلاح الذي معه، لظنَّ من رآه في تلك الليلة، أنّه ذاهب في نزهة؛ فنكاته الحاضرة دوماً لم تغبْ عن حديثه، وروحه المرحة المحبّبة، كانت توزّع آخر ما في سلّته من فرح.
لم يمضِ على مشاركة "حسن" في حرب الدفاع عن المقدّسات سوى فترة قصيرة، وإذ به يحزم حقيبة العودة إلى الجبهة مباشرة بعد تحرير "القصير"؛ ليشارك في مهمّة في "حلب"، قاطعاً أيّام إجازته، مُلحّاً على مسؤوليه بإلحاقه، فهذا دأبه منذ صغره؛ لا يؤجّل عمل اليوم إلى الغد، وإذا أراد شيئاً، جدّ وتعب ليصل إليه.
•بارٌّ بوالديه وصديق
كان "حسن" يعود من عمله مرهقاً يتآكله التعب، وما إن يدخل البيت، ويضع حقيبته على الأرض، حتّى يسأل عن أبيه؛ ليلتحق به أينما يكون. تلك الرغبة في الالتصاق الدائم بوالده، دفعت أمّه لتعاتبه مازحة أنّه يحبّ أباه أكثر منها، فضحك قائلاً لها: "ألا تعرفين حديث: (أباك، ثمّ أباك، ثمّ أباك، ثمّ أمّك؟)"، فردّت على مزاحه بإشارتها إلى الحديث الصحيح: "بل أعرف حديث: (أمّك، ثمّ أمّك، ثمّ أمّك، ثمّ أباك)".
وفي المقابل، كانت علاقته وطيدة بأمّه، لدرجة أنّها كانت علاقة صديقَين مقرَّبين، ناهيك عن أنّه كان يمازحها كثيراً، ولطالما رنّت ضحكاتهما في أرجاء البيت.
•حسن لا يستسلم
كانت أمّه في كثير من الأحيان تطلب إليه أن يرتاح بعد عودته من العمل، ولكنّه كان يسارع إلى الحقل حيث يجد أباه لمساعدته. كان والده يحاول جاهداً ثنيه عن هذا العمل المجهد والشاقّ، ولكن "حسن" كان يصرّ على موقفه، ما دفع الوالد لأن يتركه يعمل ذات يوم وحده في الحقل مدّةً من الوقت، على أمل أن يستسلم ويترك الحقل.
أمضى الأب الكثير من الوقت جالساً جانباً يحتسي الشاي، مُلقياً ثقل العمل على كتفي ولده الصغير، وهو يتأمّله والعرق يتصبّب منه، ولكنّ المفاجأة كانت أن أظهر "حسن" الكثير من العناد والتصميم والثبات والعمل بجدّ وإتقان، ما دفع أباه إلى الاستسلام!
•يرتاد الجامع طفلاً
وُلد "حسن" في مستشفى الـ17 في "بنت جبيل"، إبّان الاحتلال الإسرائيليّ. عندها لم تسع الفرحة والده الذي تحيّر كيف يعبّر عنها، مع أنّ "حسن" ليس بِكْرَه. كان والده ينظر إلى ابنه يكبر أمام عينيه يوماً بعد يوم، مستغرباً حاله في مراقبته أو ترقّبه أكثر من غيره.
كما بدأت أمّه تلاحظ تصرّفاته المختلفة عن أقرانه، منذ أن صارت تنتظر عودته من المدرسة وهو في المرحلة الابتدائيّة. ففي أحد الأيّام، تأخّر عن العودة إلى المنزل نحو ساعة، فارتعب قلبها خوفاً، ولكنّه ما إن وصل، حتّى أخبرها أنّه قصد الجامع للصلاة قبل الحضور إلى البيت. وشيئاً فشيئاً، ظهرت خياراته مع اشتداد عوده، وبدأت علامات رسم مستقبله تظهر جليّة.
•طريق مكلّل بالصعوبات
بعد حرب تموّز 2006م، التحق "حسن" بالتعبئة العامّة إلى جانب عمله في منظّمة الحماية من الألغام والقنابل، فكان يقضي معظم وقته في الحقول تحت أشعّة الشمس الحارقة، وفي البرد القارس. وذات يوم، تعرّضت إحدى الأخوات العاملات معه في المنظّمة إلى حادثٍ، كاد أن يودي بحياتها، وذلك بعد أن عَلِقَ حجابها في إحدى الآلات التي صارت تسحبها، فيما وقف الجميع حولها مصدومين يصرخون، ولكنّ الصراخ ذاك دفع "حسن" ليترك ما في يده وأن يسارع إلى قطع الأسلاك الكهربائيّة حتّى تعطّلت الآلة، ونقل الأخت مباشرة إلى المستشفى.
•حسن.. كما هو
كان والده يراقب تجلّيات روح ولده، الخدوم الطيّب، الذي لا يرفض طلباً لأحد، المحبّ الساعي لقضاء حاجة إخوانه، البارّ بوالديه، الذي ما إن يعود من عمله في الجهاد، بعد تفرّغه، ليجلس مباشرةً على "المصطبة" مع أمّه يساعدها في شكّ الدخان، أو يلتحق بوالده في الحقل ليعمل معه جنباً إلى جنب. فـ"حسن"، كما كان منذ طفولته، ظلّ كذلك بعد التحاقه بالعمل الجهاديّ.
•اقتراب موعد الرحيل
تزوّج حسن، ورُزق بابنة أزهرت الفرح في عينيه، وصار يباهي بها الناس إن ضحكت وإن بكت، ولو كان بيده طيّ الزمن ليمسك بيدها ويمشي معها في دروب القرية، أو يأخذها معه إلى المسجد، لكان فعل، فقد كانت تلك المشاهد توقد الفرحة بين جنبيه، ولكن هيهات، فقد كان "حسن" قد بدأ بالمشاركة في حرب الدفاع عن المقدّسات، بكلّ سرّية وصمت.
•ذكر الشهادة
بين عمله والتحاقه بالتعبئة بعد إصرار وتعب، لم يترك "حسن" مناسبةً إلّا وذكر فيها الشهادة: مع إخوته، وبين الأصدقاء، ومع أمّه، ولاحقاً مع زوجته، فكان حديث الشهادة يُضفي على وجهه البِشر؛ فينقل قصص الشهداء، ويعلّق صورهم في خزانته، ويحفظ حكاياهم. وعلى الرغم من شخصيّته المرحة جدّاً، إلّا أنّ تقاسيم وجهه سرعان ما كانت تتغيّر، ويتحرّك حنين روحه، إذا ما ذكر أحدهم اسم شهيد أمامه؛ حتّى صار فقدُ الرفاق يفضح لواعجه، وبعد استشهاد القائد "محمد بداح"، بدا وكأنّ عزيمة "حسن" قد عزمت على الرحيل!
•"عليّ الرحيل"
"عند التقدمِّ أكون أوّل المستشهدين"، وأن يكون على علم بذلك، فهو استشهاديّ، وكذا كلّ المجاهدين في وحدة الهندسة، الذين يتقدّمون المجاهدين ليزيلوا من طريقهم خطر الألغام. وقد عاد "حسن" من مهمّته سالماً، وكالعادة كان عمله متقناً، ولكن عوض وضع حقيبته ليرتاح، حضّر للهجوم مع رفاقه، مصرّاً على المشاركة بعد الطلب إليه الانسحاب؛ لأنّ مهمّته انتهت، غير أنّه، وبنداء: "يا علي مدد"، انطلق معهم، ليكون في المقدّمة، ويعبر على أشلاء التكفيريّين. ولم تؤخّره إصابة بقدمه عن التقدّم، مبرّراً بأنّها إصابة طفيفة، وأكمل التقدّم، حتّى التفت خلفه ليجد أحد المجاهدين قد استشهد، وسرعان ما أصيب برصاصة قنص، أنالته مبتغاه من هذه الحياة.
جمالُ تلك العينين المحدقتين به وهو يناغيهما، جعله يدمع العين قائلاً: "عليّ الرحيل قبل أن يتعلّق قلبي كثيراً بهذه الصغيرة". هذه الصغيرة التي ستكبر وستسمع الكثير عن حكايا والدها، وستقطف الكثير من الفرح الذي تركه لها في زوايا الحياة.