مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه‏: مجلس التشريع‏

الشيخ محمد تقي المصباح‏


إن التشاور مع المتخصصين وأصحاب الرأي فيما يتعلق بكافة المجالات الفردية والاجتماعية أصل مهم وعام، أكد القرآن الكريم والروايات الشريفة عليه كثيراً. وهناك آيتان شريفتان في القرآن يعتمد عليهما في قضية الشورى. الأولى: ﴿وشاورهم في الأمر (آل عمران، 159)، والثانية: ﴿وأمرهم شورى بينهم (الشورى، 38). وهما من الآيات المعروفة التي أجريت عشرات الأبحاث بشأنهما، ولا تحتاجان إلى مزيد من التوضيح.

إن أصل الشورى أمر عقلاني أمضاه الشارع المقدس أيضاً. ولكن بالنسبة لتشكيل هذه الشورى، ومواصفات أفرادها، فإن الإسلام لم يعط أحكاماً خاصة بشأنها وكذلك فإن العقل ليس لديه أحكامٌ قطعية صريحة. والمقصود من الشورى هو اجتماع أصحاب الرأي على سلسلة من الموضوعات حيث يتبادلون وجهات النظر ليتضح الحق في أسرع ما يمكن بعد البحث والتداول، ليتم في النهاية اتخاذ القرار المطلوب بشأنها من قبل شخص معين أو مجموعة. وإلا فإن الشورى بدون نتيجة لا طائل وراءها والآية القرآنية تبين هذا الموضوع بقوله تعالى: ﴿فإذا عزمت فتوكل على الله (آل عمران، 159).

على كل حال فإن نفس الشورى أمر عقلائي أيده الشارع المقدس. أما كيفيتها فإنها تربط بظروف الزمان والمكان. ففي السابق مثلاً واليوم أيضاً كان المتعارف عند الفقهاء وجود ما يسمى بمجلس الاستفتاء. حيث يجتمع حولهم أصحاب الفتوى والاستفتاء من المختصين ويتبادلون وجهات النظر في الموضوعات المطروحة، ويكون الفقيه الأعلم موجوداً في مثل هذه المداولات، أو يحصل على النتيجة التي يصل إليها المتباحثون ثم يبدي رأيه فيها. وإذا كان الموضوع يرتبط بالمسائل الاجتماعية فإنه يدعو المتخصصين في هذا المجال. فإذا فرضنا وجود مرجع في مدينة أو بلد وأراد أن يتخذ قراراً حول مسألة اجتماعية، فإنه يدعو أصحاب الرأي في القضية ويشاورهم ثم يبدي رأيه. فمن المسلم أن هذا الأمر لا يخالف العقل ولا القرآن. ولكن مع اتساع العلاقات والروابط الاجتماعية وتعقدها برز الاحتياج إلى مزيد من التنظيم والدقة والوضوح، ففي صدر الإسلام مثلاً كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتولى الوظائف المختلفة من عامة الجماعة والوعظ والخطابة والقضاء والقيادة والحرب ورعاية الفقراء و... أما بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وباتساع الدول الإسلامية، احتاجت كل منطقة إلى وال.
وفي تلك المنطقة كان لا بد من تعيين القاضي والمسؤول عن التعليم والمسؤول عن شؤون الأفراد، والمالية والديوان، وهكذا اتسعت الوظائف وأصبحت الأعمال تابعة للأجهزة المختصة.

* خبراء تعيين المرجع‏
لكي نعلم أي شخص نقلد، نسلك طريق الرجوع إلى شهادة مجتهدين عادلين في تحديد الأعلم، وإذا تعارضت هذه البينة مع بينة أقوى، نأخذ الأقوى. أما عندما لا يكون الفقيه الأعلم ظاهراً مشهوراً، ولكن يوجد فقهاء خبراء قد تم اختبارهم على يد الخبراء ثم ينتخب واحد من بينهم، فمن المسلم أن هذا يعود لصالح المجتمع. وفي السابق لم يكن الفقهاء قادرين على معرفة بعضهم البعض بسبب عدم وجود وسائل الاتصال السريع. فكان لكل مدينة فقيه لا يتواصلون لسنوات، ولا يطّلعون على آراء بعضهم البعض. أما اليوم فإن رسائلهم وكتاباتهم الفقهية ودراساتهم أصبحت بمتناول الجميع. ويستطيع الخبراء أن يتعرفوا على كل مرشح لمقام المرجعية، ويعرّفوا الناس على من يحصل على رأي الأكثرية. فهنا عملية انتخاب منظم. وليس هذا مخالفاً للمنهج السابق، فذاك قد جرت فيه عملية انتخاب ولكنها بدون شكليات.

فلو اجتمع جميع الخبراء الذين يعرفون كافة المراجع وعينوا واحداً من هؤلاء، فإن تكليف الناس يصبح واضحاً، وهذا الأمر لا يخالف الإسلام. من هنا، فإننا عندما نحتاج إلى الشورى في المسائل المختلفة لأجل مصلحة البلد بشكل عصري، فإذا تم تعيين أفراد للشورى وكلفوا بالحضور الدائم في المجلس وعدم الانشغال بغيره، فإن هذا لا يخالف الشورى التي كانت في الإسلام وهي مورد قبول العقلاء، بل هي شكل أكثر تنظيماً.
وقد توصل الفكر الإنساني آخر الأمر إلى ضرورة وجود مجلس للشورى في كل دولة إلا الدول الكبرى التي تتألف من عدة ولايات تحت حكومة فدرالية، فهؤلاء يختارون لكل ولاية (وهي عبارة عن مجموعة من المدن المتآلفة) مجلساً تشريعياً مستقلاً وينتخب ممثلوه من المدن، حيث يبدون آراءهم في كل شي‏ء. وفي دولتنا (إيران) يجري العمل بنفس الطريق للأسف، وهذا النموذج قد اقتبسناه من الغرب وليس من الإسلام. وقد قلدوا الغرب في السابق بهذا الشكل واستمروا على نفس المنوال إلى يومنا هذا، لأن المصلحة تقتضي الاستمرار عليه.

* مشروع جديد لمجلس الشورى‏
في المستقبل، إن شاء الله وبتطور المجتمع ورشده شيئاً فشيئاً يمكن طرح نموذج أفضل، يمكن أن يقلّده الآخرون، فلماذا نبقى تابعين للغير دائماً؟ وذلك أن تكون الانتخابات جارية على مر العام وبشكل طبيعي، وينتخب في كل مجال واختصاص أهل ذلك الاختصاص.

وبالطبع فإن الذين يمكنهم أن يعينوا المتخصصين هم أصحاب الخبرة. فلنفرض على سبيل المثال الحقل الطبي، ففيه يقوم الأطباء بانتخاب عدد منهم ممن يتمتع بهاتين الميزتين: التخصص العلمي، والتقوى والأمانة. وهكذا بالنسبة للعسكريين. لأن هؤلاء يعرفون أكثر من غيرهم من هو الأنسب، وتعمم هذه الطريقة على جميع المستويات والفئات. "فإن أسلوب الانتخاب في هذه الأيام ليس صحيحاً، لأن أغلب الناخبين لا يمتلكون أدنى معرفة ولو سطحية بالمرشحين، وفي معظم الأحيان يقعون تحت تأثير الإعلام والدعاية. أما إذا أجريت الانتخابات بين كل صنف ومؤسسة على حدة، واختير المرشحون من بينهم، فإن هذا قطعاً سيكون لصالح الشعب". وفي النهاية تتشكل عدة مجالس للشورى، كل في مجاله. فما هي الضرورة التي تقتضي أن يكون في المجلس عطّار وبقّال يبودن آراءهم في الأمور العسكرية؟ فإن هذين الصنفين يستطيعان أن يبديا آراءهما في مجالاتهما، ولماذا يتدخل العامل والمهندس المدني مثلاً في الأمور العسكرية؟ ولماذا ينبغي أن يبدي الطبيب والمهندس وجهة نظرهما في المسائل القضائية؟ وهل لرأيهما حجية في الموضوع؟ يمكننا أن نقدم مشروعاً للشورى يقضي بأن نبدّل هذا المجلس المؤلف من 300 ممثل إلى ثلاثين مجلساً، كل واحد يتألف من عشرة ممثلين. فواحد للشؤون العسكرية، وآخر للأمور الاقتصادية، وثالث للثقافة وهكذا... وهذه المجالس تستطيع أن تبدي أفضل الآراء في مجالاتها.ثم ينقل الأمر إلى القائد الذي بإمضائه وموافقته تصبح المشاريع شرعية، لأننا عندما نقول أن القانون يجب أن يكون إلهياً فهذا يعني ضرورة وجود إنسان معين من الله يمضي هذا القانون، وفي عصرنا فإن الفقيه الجامع للشرائط هو صاحب الولاية الذي يمضي القانون. ففي الصورة تقوم مجالس الشورى المختلفة بإعداد المشاريع، وبالنظر إلى أعضاء المجلس الواحد هم من أصحاب التخصص ذوي الأمانة والتقوى فإن القائد سيقبل ما يبدونه، لأنه لا يملك تخصصاً في كل المجالات وهم أفضل من يقدم المشاريع فهذا النموذج أكثر اعتباراً من الناحية العقلية، وكذلك هو أكثر انسجاماً مع الأصول الإسلامية.

وفي المرحلة الأولى ونظراً إلى المشاكل الداخلية والخارجية، لم يكن للجمهورية الإسلامية في إيران مجالٌ لطرح مثل هذه المسائل، وكانت كل الجهود متجهة نحو تثبيت أركان النظام، إلى أن حانت الفرصة تدريجياً للاهتمام بالمسائل الأخرى، واليوم بحمد الله أصبح النظام راسخاً وأصبح بالإمكان طرح مثل هذه المجالس بدلاً من مجلس واحد.

* مميزات هذا المشروع‏
إن هذا المشروع يفوق غير كثيراً، حيث أن إحدى أهم مميزاته وأحكمها هي أن المنتخبين لهم قدرة أكبر على إظهار آرائهم وعرضها. افرضوا مثلاً أن علماء البلاد والمدن انتخبوا من بينهم عدة فقهاء مهمتهم إبداء وجهات النظر في المسائل الدينية والسياسية وحل مشكلات المجتمع، فهل يتمتع هؤلاء بالقدرة على إبداء وجهات النظر في المسائل الفقهية أكثر أم من ينتخبهم التجار والمزارعون وأمثالهم؟ فغير المتخصص كيف يمكنه تحديد الأعلم من بين الفقهاء؟ فعامة الناس ليس لهم القدرة على انتخاب مجلس الخبراء وكذلك الخبراء العسكريين والاقتصاديين و... وما هو وجه الصحة في أن يكون أكثر أعضاء المجلس الذي أنيطت إليه مهمة اتخاذ القرارات ووضع القوانين من غير المختصين والخبراء؟ فإن أكثر المسائل التي تطرح فيه لا تكون الأكثرية من الأعضاء متخصصة فيها. فما أكثر أن يكون الأغلبية غير متخصصة، بينما يكون المتخصصون الذين تعبوا كثيراً في التحصيل وإعداد الخطط والمشاريع أقلية وعندما يطرحون خططهم في المجلس، لا تصوت عليه الأكثرية في كل المجالات، فإن أفرادها يكونون من الكفوئين لإبداء وجهات النظر ومن أصحاب الخبرة والاطلاع، إضافة إلى أن الغش في مثل هذه الانتخابات يكون في حده الأدنى وتكون الدعايات السيئة بدون أثر. أما في الأوضاع الحالية، فإن الدعايات الكاذبة والغوغائية تؤثر كثيراً في انتخاب النائب. حيث تنطلي الخدع والأكاذيب على العوام والقرويين الذين ليس لديهم اطلاع وثقافة. ولكن إذا زال هذا النهج عندها ينتخب خبراء كل فرع من هم أهل التقوى من بينهم، ونصون مجتمعنا من هذه الآفة. وتكون الآراء المطروحة مقبولة لأنها تصدر من أهل الاختصاص.

على كل حال نحن في هذا المجتمع بحاجة إلى قرارات وقوانين يمكنها أن تعيّن منهج السنوات الآتية لمدة طويلة نسبياً. ويجب أن تكون هذه القوانين طبق القواعد الإسلامية العامة لكي لا نقع في المعصية. ويجب أن يضعها من له إحاطة كاملة بالدين. وفي نظامنا الإسلامي في الجمهورية فإن الضامن لهذه الدراسة والمراقب الدقيق للقوانين هو مجلس صيانة الدستور حلياً. وعلى فقهاء هذا المجلس أن يتأكدوا بكل ما يمكنهم لكي لا تخالف هذه القوانين قوانين الإسلام.

* توضيح فيما يتعلق بكلمة "القانون"
أحياناً تطلق كلمة القانون على المقررات الثابتة التي لا تتغير. فإذا كانت المسائل قابلة للتغيير فلا يقال عنها بالمصطلح الخاص بأنها قوانين. لأن من ميزات القانون الثبات والدوام والعمومية، فهو بالنسبة للمقنن على الأقل، واحد في كل الأزمنة والأمكنة. ومن مصاديق القوانين ما عرف في الأنظمة البشرية بالدساتير. فأولئك الذين يضعون الدستور يرون من وجهة نظرهم أن هذا الدستور ينبغي أن يبقى دائماً ولا يعدّل إلا في الحالات الاستثنائية. وقد تطلق كلمة القانون على ما يقابل هذا المعنى تماماً. فيستعمل في معنى وسيع جداً فيكون كل مقرر لازم التنفيذ قانوناً. فإذا قال رئيس دائرة ما للعاملين عنده يجب عليكم أن تنفذوا الأمر الفلاني، فإن هذا قد يسمى قانوناً. وهناك مصطلح وسطي لكلمة القانون يستعمل في مورد المقررات الطويلة المدة، ولكن ليس بمعنى الثبات وعدم التغير وهي لا ترتبط بأمور خاصة، ويمكن تبديلها وإلغاؤها. وهذه هي القوانين الوضعية التي يتم التصويت عليها في برلمانات العصر. ونحن عندما نقول طبقاً للاصطلاح المعروف أننا نحتاج في الإسلام إلى غير الكتاب والسنة. فإننا نقصد أولئك الذين يجب أن يعينوا طريقة إدارة الدولة في المجالات المختلفة ولفترة طويلة، وبالطبع فإن هذا يكون على أساس الأصول الكلية في الإسلام وبإجازة من نعتبر إجازته من جانب ولي العصر والإمام المعصوم عليه السلام، فعندها يمكن القول أن هذا القانون هو قانون إلهي.

أما القوانين التي جاءتنا من الله ورسوله فهي قوانين كلية عامة وردت في القرآن والسنة، وهي من جهة، تتمتع بميزة الدستور من ناحية الكلية والدوام، اللهم إلا ما أشير فيه إلى غير ذلك، ففي القرآن مثلاً هناك آية معروفة حول الدين (سورة البقرة، 282)، وآيات تتعلق بالطلاق والرضاعة والأحكام الجزائية و.... وهذه الأحكام ثابتة لا تتغير. وفي جميع الظروف تبقى الأحكام هكذا كما وردت من الله ورسوله، فهناك حيث يصبح للحركات الاجتماعية وسلوكيات الناس عناوين متغيرة ويكون لكل عنوان حكم خاص من الله يبقى حكم الله ثابتاً لكل عنوان. أما الأمور الخارجية التي تكون أحياناً مصداقاً لهذا العنوان وأحياناً لذاك العنوان فإنها تتغير، وليس هذا تبدلاً في قانون الله، ولكنه تحول في القانون باصطلاحه الذي يعني المقررات التي هي مورد احترام المجتمع. ولكن هذا في الواقع ليس تغيراً في قانون الله، لأن الله قد وضع حكماً من خلال القانون الموضوع يعد بذاته عنواناً اعتبارياً. فكلما وجد هذا العنوان مصداقاً يكون له هذا الحكم. ولكن هذا العنوان قد يجد مصداقاً في زمان ما وفي زمان آخر يجد مصداقاً آخر وكذلك فيما يتعلق بتغير المكان. فمعنى إدخال الزمان والمكان في الاجتهاد هو تطبيق الأصول الكلية على الموارد التي ينبغي إيضاحها للناس لكي يعرفوا تكليفهم في الأزمنة والأمكنة المختلفة.

ففي مثل هذه الموارد يكون المصداق هو الذي تغير وليس العنوان الكلي. فالقوانين الإلهية ثابتة ولا تتغير "حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة". والقانون معتبر عندما يطابق حكم الله وإلا فإن وضعه والقبول به يعدّ شركاً.

وكذلك يوجد في الإسلام قوانين متغيرة ومتبدلة وذلك فيما يتعلق بالمقررات الاجتماعية التي توضع للموارد الخاصة حسب العناوين المختلفة التي تنطبق عليها. فهذه القوانين ينبغي أن يضعها المتخصصون وبعد إمضائها من قبل القائد الذي هو نائب إمام الزمان عليه السلام تصبح ملزمة للمسلمين.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع