إن قراءة هادئة في ما وراء العناوين التي تنشرها الصحف والدوريات المحلية منها والإقليمية تبيّن بما لا يقبل الشك حجم الهجمة الشرسة التي تتعرّض لها أمتنا الإسلامية عبر النيل من "ولاية الفقيه" التي هي أساس نهضتها وممانعتها لدواعي الضعف والوهن، وسنكتفي هنا بإيراد بعض عناوين الصحف والمجلات والتعليق عليها لإيضاح المغزى الكامن وراءها.
كتبت مجلة "الوسط" في عددها الصادر في 1/12/1997 العنوان التالي: "منتظري يقوّض أساسات النظام الإيراني: ولاية الفقيه أم ولاية الشعب".
في العبارة الأولى من العنوان يبدو التشويش واضحاً، والتضليل جلياً ولا نعتقد أنه ينطلي على عاقل، فأية قوة لدى الشيخ منتظري تمكّنه من تقويض أساسات النظام، أقوته الشعبية غير الموجودة أصلاً أم العلمائية المعدومة.
أما في العبارة الثانية فقد لا يستطيع القارئ العادي غير المؤدلج أن يتبين حجم الخطورة التي تنطوي عليها هذه العبارة من خلال إيحائها بأن ثمة قطيعة بين ولاية الفقيه من جهة والشعب من جهة أخرى والإشارة إلى أن الشعب يرفض ولاية الفقيه الأمر الذي يكذّبه الواقع ودماء الشعب المضحي انتصاراً للثورة و"لولاية الفقيه" من ورائها.
أما مجلة "الوطن العربي" فتورد في عددها الصادر بتاريخ 5/12/1997 العنوان التالي: "تحالف خاتمي ـ منتظري مشروع حرب أهلية" مع العلم أن السيد خاتمي أدان كلام الشيخ منتظري ودافع عن نظرية ولاية الفقيه وهو في الأساس لا ينتمي إلى مناخ الشيخ منتظري التشكيكي والبائس بل ينتمي إلى حزب "روحانيون مبارز" الذي لا يرى في غير ولاية الفقيه سبيلاً لقيام الأمة من سباتها العميق.
وتقول مجلة "الشاهد السياسي" في عنوانها يوم 7/12/1997: "صراع ولاية الفقيه يخيم على المؤتمر الإسلامي" في حين شكّل الحضور المميز لقائد الثورة وإلقاؤه كلمة في المؤتمر دعماً معنوياً كبيراً للسيد خاتمي الأمر الذي مكّنه من قيادة المؤتمر إلى النجاح الباهر الذي حققه، وقد كانت المجلة المذكورة قد أشارت في مقدمتها ضمنياً لهذا النجاح لكنها عزته إلى "تعذر عقد مؤتمر عربي بكامل أعضائه ومن دون غياب أي دولة عربية".
وعنونت مجلة "الأسبوع العربي" عددها الصادر في 1/12/1997 "خاتمي ـ خامنئي" صراع وحوار في حين أن "نبيل حبيقة" محرر هذا التحقيق يعرف تمام المعرفة أن علاقة رئيس الجمهورية بالولي الفقيه هي علاقة تنسيق وتفاهم بالدرجة الأولى وطاعة في نهاية المطاف.
وجاء في عنوان "الحياة" في عددها الصادر في 20/11/1997: "خاتمي ينحاز إلى خامنئي" أن ترد كلمة ينحاز فذلك يعني أن السيد خاتمي كان سابقاً ضد الولي الفقيه في الوقت الذي لم يعرف عنه هذا في يوم من الأيام لكن الخبث الإعلامي يتلاعب بالكلمات لغايات في نفوس أصحابها.
وورد في الصفحات الداخلية لجريدة الأهرام بتاريخ 26/11/1997 العنوان التالي: "إيران تصفية حسابات أم تحول جديد". وهنا نتساءل أليس من حق السيد خاتمي أن يلهج بلغة حديثة المفردات كالرئيس الشيخ رفسنجاني وكأي رئيس جمهورية في أي دولة من دول العالم، لا نظن محرر هذا المقال غافلاً عن هذه البديهية السياسية، لكنه استغلها ليصنّفها إما في خانة تصفية الحسابات وإما في خانة التحول عن أهداف الثورة.
ويتساءل "أحمد الكاتب" في صحيفة "الحياة" 29/11/97: "هل ألمس بولاية الفقيه مؤامرة؟" كأن الأمر بحاجة إلى تساؤل.
"بعد وفاة الإمام الخميني اهتز عصب ولاية الفقيه بقوة"، هذا ما جاء في عنوان لصحيفة "نداء الوطن" 19/12/97 مع العلم أنه لم تمضِ أيام قليلة على وفاة الإمام الخميني (قدس سره) حتى انتخب مجلس الخبراء الإمام الخامنئي قائداً ومرشداً للثورة بحكمةٍ أدهشت العالم الذي كان ينتظر أن تتحول إيران إلى أفغانستان ثانية.
السنين التي تلت وفاة الإمام المقدس أثبتت أن ولاية الفقيه لم تزدد إلا رسوخاً وتجذراً في إيران الإسلام.
وتصف "الشراع" المجلة الأكثر حقداً على الثورة الإسلامية في عددها الصادر في 8/12/97 الشيخ منتظري بأنه ضمير الثورة الناطق ورئيس التفويض الشعبي، لا نعلم أي تفويض شعبي نادى بالشيخ منتظري ضميراً ناطقاً باسم الثورة الإسلامية، القاصي والداني يعلم أن ضمير الثورة الحقيقي هو القائد الخامنئي وليس أدل على ذلك من الحشود المليونية التي تستقبله بها الجماهير في الشوارع والساحات وكان آخرها في بندر عباس. ولكن يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها.
وأن وراء سيل الافتراءات والأضاليل هذا خفافيش ليل وصائدين في المياه العكرة، وليس ما أوردناه بأكثر من غيض من فيض الدس الإعلامي المنظم الذي تحبكه دوائر الاستكبار العالمي عبر شرائها للأقلام المأجورة والحاقدة التي ما فتئت توزّع الأكاذيب والأضاليل سهاماً من التشويش والتشكيك في قلوب الناس حتى يتسنى لها تقويض أساسات النظام الإسلامي الذي سيبقى صخرة صلبة تتكسر على أقدامها أحلام الحاقدين.