مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الأهمية السياسية لولاية الفقيه في ظل العولمة



بقلم: الشيخ نعيم قاسم(*)


العولمة مصطلح معاصر يعني تواصل كل بلاد العالم مع بعضها البعض بحيث تذوب الفروقات الوطنية والقومية والسياسية.. ليكون التداخل والتفاعل والتأثير بين الناس في مختلف أنحاء العالم بدون حواجز، وعندها يكون التأثير للأقوى، ولمن يملك قدرات سياسية وتقنية واقتصادية.. فاعلة، وتسعى أمريكا بشكل أساس لتثبيت مضمون العولمة وقيادة العالم بأحادية مهيمنة، وتحاول رفع كل الحواجز أمام الثقافة والاقتصاد والسياسة لتتمكن من اختراق كل دول العالم والتأثير في شعوبها والامساك بخيراتها ومقدراتها.

ومع نمو شبكة الاتصالات في العالم من خلال الانترنت والتلفزيون الدولي والأقمار الصناعية... فإن أي فكرة يمكن أن تصل إلى أي كان، ومع التداخل الاقتصادي فإن بامكان الدول الكبرى أن تؤثر بشكل كبير على اقتصاديات الدول الصغرى، بل والتحكم بالخيرات وفرض معادلات السيطرة السياسية ولو اضطر الأمر إلى الحروب والفتن الداخلية بل ولو وصل الأمر إلى تدخل دولي وبالقوة كما حصل في حرب أمريكا والدول الكبرى ضد العراق سنة 1990 وكما حصل في التهديد الأخير وحشد الأساطيل سنة 1998.

ونحن كمسلمين لا نحتاج لكي نتحرك إلى خطر داهم كالعولمة، إذ أن أساس ديننا الإسلامي مبني على التبليغ والجهاد والحكم بما أنزل الله ﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾من أجل سعادة البشرية في مواجهة الفساد والطغيان لكل الأفكار المادية المنحرفة قديمة كانت أم حديثة، ولكل الحكومات الجائرة ماضية كانت أم حالية، ولكل أشكال الهيمنة الاستكبارية أكانت تحت شعار الاستعمار أو السيطرة الدولية.
والإسلام يحمل نظرة أممية، أي أنه دين البشرية  ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ فهو ليس خاصاً بمنطقة دون أخرى ولا بجماعة دون أخرى، وكل حواجز العرق واللون واللغة والحدود لا تمنع من تأثير ووجوب نشر هذا الدين وتبليغه لأنه الدين الأكمل والأفضل (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).

ولكن كيف يمكن توحيد كلمة المسلمين! وكيف يمكن الاستفادة من طاقاتهم المتنوعة؟ وكيف يمكن مناصرة بعضهم للبعض الآخر؟ وكيف يمكنهم مواجهة التحديات الكبرى ومنها العولمة؟
إن الحل يكمن في الالتفاف حول قيادة واحدة تملك المواصفات الشرعية لإدارة البلاد والعباد، وتتميز بالحنكة العصرية وثقة الفقهاء، وتكون مبسوطة اليد، هذه القيادة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط لأننا بحاجة عملية لمثلها، ولا يمكن النهوض وحماية مضمون الإسلام وتنفيذ تعاليمه وحدوده بدون هذه القيادة.
وقد ذكر إمامنا الخميني (قدس) في كتاب "الحكومة الإسلامية" دور الولي الفقيه بقوله: "ويملك هذا الحاكم من أمر الإدارة والرعاية السياسية للناس ما كان يملكه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام على ما يمتاز به الرسول والإمام من فضائل ومناقب خاصة". ويقول أيضاً: "كلامنا لا يدور حول المنزلة والمرتبة، وإنما يدور حول الوظيفة العملية. فالولاية تعني حكومة الناس وإدارة الدولة وتنفيذ أحكام الشرع، وهذه مهمة شاقة ينوء بها من هو أهل لها من غير أن ترفعه فوق مستوى البشر".
إن الفرد منا يبحث بدقة عن تكليفه الشرعي ويكون حريصاً أن يفتش عن مرجع التقليد ليتمكن من أداء الصلاة والصوم والعبادات والمعاملات بشكل صحيح ويكون حريصاً على أبسط الأمور، وهذا التكليف الفردي هو الأسهل، إذا ما قيس بمسؤولية الأمة ودور الفرد فيها، والإسلام يطلب منا الاهتمام بالتكليفين معاً: التكليف الفردي والتكليف على مستوى الأمة. وهل يمكن تشخيص التكلف على مستوى الأمة بدون الولي الفقيه؟ وهل يمكن ترك هذا الأمر لاجتهادات متضاربة أو آراء متباينة؟ وهل يمكن توزيع الأمة على إدارات وقناعات تذهب قوتها المجتمعة؟
إضافة إلى ذلك فإن التحديات اليوم مع العولمة هي أكبر بكثير من أي وقت مضى، وكما ينحى العالم المستكبر إلى مركزة قوته، فالأولى بنا أن نمركز قوتنا ونحشد طاقاتنا، وإذا كانت دولة الإسلام الأولى على يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي الدولة المحدودة في سعتها وعتباتها متمركزة بقيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهل يعقل أن تتوزع الأمة اليوم في الوضع الأخطر!

وإذا دققنا النظر فسنجد أن الأهمية السياسية لولاية الفقيه تكمن في أمور كثيرة أهمها:
1 ـ تحديد الأولويات ودائرة اهتمام الأمة حتى تنصبّ طاقاتها وقدراتها لتأمينها بناءً على تشخيص الولي الفقيه، وإلا تبعثر الاهتمام في اطار جزئيات فتضيع النتائج الأفضل لمصلحة الأمة. وعندما يحث الولي الفقيه الإمام الخامنئي حفظه الله على مواجهة الاستكبار العالمي وعلى رأسه أمريكا ومواجهة ربيبته "إسرائيل"، والعمل لتوفير الجهود في هذا الاتجاه وفتح القنوات مع كل دول وشعوب العالم على الرغم من الاختلافات الفكرية والسياسية وتضارب بعض المصالح، إنما يؤدي هذا التوجيه إلى تركيز الاهتمام وعدم بعثرة الجهود، فبدل أن يوقعنا الاستكبار في فتن وخلافات داخلية، نقدم التنازلات ونتجاوز بعض العقبات ليبقى التوجه إلى المسائل التي تحتل الأولوية، وهكذا يخسر الاستكبار امكانية التلاعب بنا وبمصائرنا.

2 ـ كيفية إدارة شؤون النظام في الجمهورية الإسلامية بحيث تحدد السياسات العامة الداخلية والخارجية، ليصل وضع الدولة إلى الاكتفاء الذاتي والعدالة في التوزيع الاقتصادي وتوجيه القطاعات المختلفة لدولة قوية تنافس جيرانها وتصمد أمام الضغوطات الدولية، وفي آن معاً تتصرف بما لا يدع مجالاً لذرائع الاعتداء أو استسهال الاعتداء، وهذه خطوات دقيقة تؤثر على استمرار الجمهورية ونهوضها وثباتها.

3 ـ توجيه الشعوب الإسلامية في كيفية تعاطيها مع أنظمتها ضمن قواعد المصالح والمفاسد العامة وضمن خصوصيات كل شعب بحسب ظروفه، لكن هناك نمط من الأداء السياسي المعاصر وتفسير التطبيق الإسلامي المنسجم مع المتغيرات العالمية، لتتمكن الشعوب الإسلامية من العيش في أوطانها وحماية وجودها والتأثير في بلدانها والمشاركة في الحياة السياسية العامة ومتفرعاتها، وعندما يتجمد البعض عند مطلقات النصوص الشرعية دون الأخذ بالاعتبار الواقع المعاش، فإن قدرة الحركة والتأثير تصبح معدومة بل وتشوبها أخطاء ونزاعات وسلبيات كثيرة. لذا فإن الولي الفقيه هو الأقدر على تشخيص مصلحة التكليف واختيار الضوابط الشرعية المناسبة وإعطاء التعليمات التي تراعي الخصوصيات في إطار التكليف الشرعي. وبدون هذا التوجيه تنشأ صراعات واختلافات داخل الحركة الإسلامية الواحدة في البلد الواحد لاختلاف التفسير، لكن عندما تكون المرجعية السياسية عند الولي الفقيه فإنه يحسم موارد الخلاف ويصوب المسيرة. ولعل الجميع يقدّر اليوم دور حزب الله في لبنان وأهمية نظرته إلى الأمور ومحافظته على أصالة الخط الإسلامي مع العمل الصعب والشاق في بلد متنوع الطوائف، لكن هذا الدور هو ثمرة توجيه الولاية، إذ أن طريقة العمل على الساحة كانت مورد نقاش كبير قبل القيام بالخطوات العملية، والأسئلة المطروحة على صعوبة الإجابة عليها كانت مورد خلاف وتباين. هل يصح الدخول إلى المجلس النيابي أم أن الأمر مخالف للالتزام الإسلامي؟ هل يجب العمل على إقامة دولة إسلامية وإذا لم يمكن فالمعاداة لأي شكل آخر مهما كان الثمن؟ هل الانفتاح والحوار مع الآخرين هو الأصل أم أن التكفير هو القاعدة لمن لم يكن معنا؟ وهل التعاون مع الأحزاب على اختلاف قناعاتها هو الأصل لحشد الطاقات في دائرة الأولوية أم الانفراد وإبراز الخصوصية ورفض كل هذه القوى؟

إن الأفق الواسع والرؤية السياسية العالمية للولي الفقيه هي التي أعطت إجابات عالجت فيها حدود التكليف الشرعي وسددت المسيرة وحسمت نقاط الخلاف فدخلنا الندوة البرلمانية وانفتحنا على الآخرين وتعاونّا معهم وفتشنا عن كل القواعد المشتركة للتعاون وحصرنا استخدام السلاح بوجه المحتل الإسرائيلي وابتعدنا عن فتن السلاح في الداخل مع كل المعاناة والتضييق من قبل الترويكا.

4 ـ الدماء أحد الأمور الثلاثة (الدماء والفروج والأموال) التي يحتاط فيها الفقهاء كثيراً، وقرار مواجهة "إسرائيل" مع تكلفته الباهظة وسقوط الشهداء هو من بركات الولي الفقيه، وعندما بدأت المقاومة الإسلامية بالمواجهة اصطدمت برفض شعبي لأطروحتها ومعارضة سياسية واسعة واعتراضات دينية حول شرعية سقوط الدماء في المواجهة، لكن الصبر والالتزام أثمر نتائج عظيمة جعل المقاومة الإسلامية مركز استقطاب وفخر واستنهاض والتفاف وظهرت الآثار على مستوى الوضع في المنطقة برمته. ولولا قرار الولي الفقيه بهذه المواجهة لما تجرأ أحد أن يدفع كل هذه الطاقات الشابة إلى المعركة لتحقيق النتائج العظيمة والمؤثرة في حياة الأمة.

وأخيراً لا يمكن تحقيق أهداف الإسلام الكبرى ومصالح المسلمين ومواجهة الأخطار المحدقة بالأمة بدون الموقف الموحد والرؤية المتكاملة التي لا نرى لها ترجمة عملية إلا بولاية الفقيه، ولم يعد الأمر مجرد نظرية بل نحن ننعم بخيرات التطبيق العملي في حياتنا اليومية، ولا تفسير للهجمة الشرسة من أمريكا (مركز العولمة) على الإسلام المحمدي الأصيل ودولته المركزية في إيران إلا بسبب الخوف من الآثار التي يلاحظونها من تحصين للأمة ومواجهة الانحراف على الرغم من ضعف الإمكانات، وهذا انجاز نتحمل مسؤولية المحافظة عليه والالتفاف حوله.

(*) نائب الأمين العام لحزب الله.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع