أعلن الإسلام مفهوم التوحيد باعتباره عقيدة ملتزمة وتنظيماً للحياة وأطروحة جديدة للمجتمع، وبهذا الشكل أعلن هويته باعتباره دعوة انقلابية لكل مخاطبيه، المؤمنين منهم والكافرين. فكل من سمع نداء الإسلام علم أنه نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي لا يتلاءم إطلاقاً مع الأوضاع التي كانت قائمة في العالم آنذاك، بل إنه يستهدف إزالة الوضع القائم وإبداله بوضع آخر.
... من خلال هذه الرؤية نستطيع أن نفهم سبب انتشار نور الإسلام وتقدّمه في العصور المتقدّمة، وسبب تراجعه وتقهقره وضعفه في العصور المتأخرّة.
فإسلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يضع التوحيد أمام الناس باعتباره طريقاً ومسلكاً، وإسلام العصور التالية طرح التوحيد باعتبار نظرية يدور حولها البحث والجدل في المجالس والمحافل. كان الكلام هناك يدور حول تصوّر جديد للعالم ونظرية جديدة لحركة الحياة، وهنا الكلام يدور حول مسائل كلامية فرعية خالية من كل عطاء حي. كان التوحيد هناك يشكل الهيكل العظمي للنظام القائم والمحور لكل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهنا يتمثل في لوحة فنيّة جميلة معلقة في صالة الهدف منها إكمال مظاهر الزينة في الصالة. وأي دور فعّال يمكن أن نتوقعه من مثل هذه الظاهرة الكمالية؟