مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مقابلة: التاريخ للعظماء .. وللشهادة إنساناً


ولاء إبراهيم حمود


من وحي التبريك بشهادة شهداء جبل الرفيع

"ليس ثمّة رجل عظيم يعيش عبثاً، إنّ تاريخ العالم ليس إلاّ سيرة الرجال العظام".. توماس كارلايل.

غداً.. بعد حين سيشرّع التاريخ صفحاته للعظماء من معاصرينا.. وللشهداء من مجاهدينا .. وسيعنى حتماً بشرح معنى العظمة الإنسانية المستمدة من عظمة الله الذي أبدع الإنسان سراً من أسراره وخلقه على قاعدة "أطعني تكُن مِثْلي أو مَثَلي"..
وأيلول .. شهر الشهداء.. احتفى هذا العام بشهداء جبل الرفيع احتفاءً قل نظيره.. وأقام لهم الأسبوع العالمي للشهادة وللشهداء كافة وإن استوطنت احتفالاته الخيمة الصفراء أمام الأمانة العامّة لحزب الغالبين المنتصرين بالله وحده، لا بسواه... حزب الله..

وفي مكانٍ يقع على الخطّ المستقيم الذي انتصبت فيه خيمة الأمين العام محتفلة بشهادة علي وهيثم وهادي وقفت خيمة أم هادي تشارك في تكريم الشهداء وعوائلهم ووقفت تؤكد أنّ العظمة إنسانٌ آخر تتجلّى ملامحه بكلّ وضوح وهي لا تحتاج صناعة مواقف. لأنّ ما يرشح عفوياً وتلقائهاً يقف ثابتاً في البال والذاكرة. ويأخذ حيزاً في الوجدان الإنساني أكثر من موقف مدروس، مرسوم بدقّة هندسية خالية من إبداع العاطفة وإن تجلّت إبداعاً علمياً وهذا ما تجلّى في الخيمة الواقفة على بعد أمتار من خيمة الأمين العام. ماذا في التفاصيل؟؟

كان من الطبيعي أن تقتصر المؤاساة والمباركة على إحدى العبارتين: شهادة مباركة أو "عظّم الله أجوركن" فأم هادي – وإن أجمع الجميع على ثباتها المستمد من أمهات الشهداء اللواتي سبقنها أولاً ومن عظمة الإنسان في شخص أمينها العام وأمين أّمتها السيد أبو هادي – كانت مرهقة، وكان هذا الاقتصار يخضع لضرورتين أولاهما: الإرهاق الذي عايشته هذه السيدة بعد أسبوع حافل بالمباركات التي جاءت إلى حد ما احتفالية، وثانيهما إفساح المجال لكلّ من جاءت تبارك ووقفت طويلاً في الصف الممتد بين بوابة الحسينية حتّى مجلس سيدات العائلة، لم يمنع أم هادي من حمل طفل إحداهن عندما مدّ هذا الطفل يده إليها، وضمّته إليها بحب أثار مشاعر أمّه فخرجت عن الحدود المسموحة لها فخاطبتها قائلة: "لن أشعر يا أم هادي أنّني واسيتك إلاّ عندما يكبر فتاي هذا ويقوم بما قام به فتاكِ". واتسع الوقت لأم هادي كي تجيب "حماه الله لك وحقّق آمالك فيه".

وفي حوار مفتوح أمام كلّ سيدات العائلة في منزلها بعد أن ابتعد هذا الحوار قليلاً عن روح مهنته الأصلية (الصحافة) أجابت أم هادي سائلتها.. المتطفلة في فترة الاستراحة عن أسئلةٍ تشبه أكثر ما تشبه دردشة أهل البيت الواحد في موسم العرس المشترك لا لشهيدها وحده بل للشهداء كافّةٍ.
ثباتك وصلابتك كانتا موضع حفاوة الإعلام المكتوب من أين استمديت هذه الصلابة؟ من إيمانك الفطري بقضاء الله وبخط الشهادة والشهداء أم من موقعك كزوجة للأمين العام وأم لشهيده؟
ركّزت نظرتها الواضحة وغرست ثباتها في عيني سائلتها لتقول دون تردّد: لا يجديني نفعاً حملي صورة هادي والبكاء عليها، ثمّة أمهات استقبلن نبأ شهادة أبنائهنّ بشرى وأطلقن زغاريد عُرس، ما فعلتُ سوى الاقتداء بهن. ألمْ يقتدين قبلي بزينب والزهراء عليها السلام؟ .. هادي لم يغب... ما زال حياً في قلوب الجميع، شهادته أعطته حضوراً أكثر رسوخاً بين أخوانه الذين سبقوه على خطّ الشهادة وبين إخوانه الذين على نفس الخط ما زالوا ينتظرون: لن أبكي هادي .. أنا أم.. ولكنّني أمّ مؤمنة بأنّه اختار طريقه وما كان لما اختاره هادي عندي طابع المأساة الجنائزي. هي الشهادة. والشهادة حياة شهيد وحياة أمّة..

*هل هذا يعني أنكِ أنتِ المرأة الشابة قد تحملين السلاح يوماً وتفعلين ما فعله هادي أم أن مشاركة المرأة للرجل في ساح المعارك أمرٌ يدخل في قائمة ممنوعات حزب الله؟
لا! هذا لا يعني هذا الأمر إطلاقاً، ثمّة جهاد أكبر ينتظرني. أن تصنعي الأبطال يا أخية أمر أكثر أهمية من كونك بطلة وأن تقدّمي الشهداء أمرٌ يفوق عند الله شهادتك نفسها، ذاك لأنّك ستكونين أماً لأكثر من شهيد واحد.. ولكن. إذا احتاجت الساحة يوماً للنساء مجاهدات مواجهات بالبندقية سأقوم بتكليفي كما سواي دون تردّد.

*وهل تنوين فعلاً أن تكوني أماً لأكثر من شهيد بعد شهادة هادي؟
طبعاً. ما زال جواد ينتظر دوره.. وعلي يخطو بنفس الاتجاه. ثم لو حصل هذا فعلاً لن أكون الوحيدة ولا الأولى، افتحي التاريخ الحقيقي لمسيرة المقاومة تجدين صفحاته مشرعة لأم شهيدين ولأم الثلاثة وربما أكثر.

*بعد دعائي لجواد وعلي بالنجاح والعمر المديد على دروب المقاومة ألا تروقك فكرة تكرار هادي جديد على مبدأ تلك المرأة التي احتفت بزوجها يوم وفاة ابنها متأملة من الله أن يرزقها إياه تعويضاً لها فبارك الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم موقفها..
(تقاطع مبتسمة معلنةً انتهاء فترة الاستراحة) أما قلت لكِ سابقاً أنّني بكيت هادي لأنّني أؤمن أنّني ما خسرته.. وذلك على مبدأ:

إنّ الشهيد يعيش يوم مماته

لا تبكه فاليوم بدء حياته
اليوم ولدَ هادي وسيولد من جديد مع كل مولود مقاوم لأسرة مقاومة ربما صارت المقاومة بكلّ أشكالها ولكلّ ألوان الظلم فطرة كما الإسلام.. ديناً كما التوحيد.. سيولد هادي مرّة أخرى وسأكون أمّاً له سواءً ولد في أسرتي أم في أسرة أخرى مقاومة مسلمة لله حياتها ومماتها.
إلى هنا انتهى الحوار لتستعد أم هادي لتبادل التبريك مع السيدات الوافدات في فترة بعد الظهر.. ولما تركتها محاورتها.
مضت في طريقها وهي تختزن في جوانحها شعوراً عارماً بأنّها لا تنتمي لأمّة الشهداء فقط بل لأمّة تتميّز أيضاً بأمهات شهدائها، هؤلاء اللواتي لا نظير لهن بين سائر أمم الأرض.. مزيج من عاطفة حيّة متوقّدة وشجاعة تفوق شجاعة الرجال الرجال، في مواقف الرجال الرجال.
أخوتي القراء.. الحوار لم ينتهِ، فأم هادي اقتطعت من ليلها المتعب قطعة بعد فترتين مزدحمتين بالوجوه المبارِكة لتجيب على سؤالين مكتوبين نوردهما كما هما، دون أي تعديل في صياغة السؤال أو الجواب.

*هل كان انتماء الشهيد السيد، للسيد الأمين كافياً لتشكيله فتى للشهادة الفذّة، أم أنّ صياغة خاصّة اعتمدتها أمومتك الكبيرة وأبوة الأمين التي لا تُحدّ لتشكيله حياة تقاوم وكلمة تزين لوح الخلود؟
لا يكفي أن يكون الشهيد ابناً للأمين العام ومنتمياً إليه حتّى يكون لائقاً للشهادة، هو بحاجة كما سواه إلى تربية إيمانية وصياغة مركزة لشخصيته حتى يمتلك مجموعة من المواصفات النفسية والروحية التي تؤهله ليبحث بنفسه عن طريق الجهاد الذي يضعه على خطّ الشهادة.

*بكينا شهادته إحساساً منا بحاجتنا لحياته كمقاوم يحتاجه أبناؤنا مثالاً نظراً لخصوصية موقعه، كيف تقنعينا أنتِ. الوالدة التي زفته عريساً حتّى دون دمعة فرح كما قيل. إنّ الشهيد أعطى بشهادته مسيرتنا ما كان لا يمكن له أن يعطينا إيّاه لنا حياً. وإنّنا ما خسرناه مثالاً متحركاً بيننا؟
لا أحتاج لتأكيد صدقي بقولي إنّ شهادة هادي كانت أعظم أثراً من حياته، لأنّه كان يمارس دوره الجهادي سراً وكنا نخفي هذه المشاركة لأسباب أمنية أمّا شهادته، فقط أعطت – ما لاحظه الجميع وعبر وسائل الإعلام – زخماً معنوياً كبيراً للمقاومة ومصداقية سياسية وأخلاقية لقيادة هذه المقاومة. وأدّت إلى أوسع التفاف شعبي ووجداني حولها. وهذه إنجازات لم تحقّقها الحياة كما حقّقتها الشهادة.

وأوقفت النقطة الأخيرة على السطر الأخير حورانا ليستمر الشعور بقدسية المقاومة سيداً لكلّ المشاعر وليبقى هادي وعلي وهيثم في الذاكرة نجوماً مضيئة فوق كلّ جبل رفيع وسهلٍ وسيع. ولتبقى أم هادي وعلي وهيثم كأبي هادي وعلي وهيثم بنياناً مرصوصاً لا تزيده شهادة الأبناء إلاّ صلابةً وقوة تؤكّد أنّ العظمة والعزّة لله ولرسوله وللمؤمنين وأنّ التاريخ لا قيمة له دون عظمة الشهداء وسيرتهم الناصعة العظيمة بأحداثها وإنسانها.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع