زينب الطحان
عاشت الأجيال الإسلامية على مدى العصور عشقاً كبيراً للإمام المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف، وكانت تنتظره بشغف لم يقلّ يوماً أو يضمحلّ، وكلّما تقدّم الزمن كانت تكبر الآمال بتحقق هذا الظهور المبارك، المخلّص للأمّة من ويلاتها ومصائبها...
*الانتظار التاريخي
قد يتساءل بعض الناس حول أهميّة هذا الانتظار التاريخي ومدلوله النفسي وانعكاسه على أحوالنا الاجتماعية، خاصة وأنه في العقود الأخيرة أصبح مفهوم الانتظار للفرج الإلهي يأخذ منحى أكثر عمقاً ويحفر تجذراً ثقافياً في سلوكياتنا ونمط حياتنا... وجميعنا، أكاد أجزم، يتهافت إلى قراءة أي كتاب يتحدث في هذا الموضوع ويخوض فيه...
في قراءتنا، في هذا العدد، نتوقف عند كتاب صدر في العام 2002، عن دار الهادي، للكاتب والمؤلف السيد يوسف مدن، ويحمل عنوان "سيكولوجية الانتظار، دراسة للأبعاد النفسية في عقيدة المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف".
*فصول الكتاب: تفصيل وتحليل
الكتاب هو الأول من نوعه في المكتبة الإسلامية. ويضمّ خمسة فصول يتشعّب كل منها إلى عناوين عديدة وفرعية مختلفة، تتطرّق إلى كلّ ما من شأنه أن يضيئه البحث في هذا الموضوع.
1 - مفهوم الانتظار
في الفصل الأول "دراسة أوّلية لمفهوم الانتظار"، يبحث فيه حول المعنى الصحيح للانتظار بما في ذلك الإشكاليات الفكريّة والثقافيّة حول هذا المعنى، ونقد المفهوم السلبي له. كما يتوقف عند عناصر الانتظار ومكوناته.
في تعريفه لمعنى الانتظار يبيّن الكاتب كيف أنّ هذه القوّة النفسيّة، الشعور بأمل أفضل للغد، عامل مؤثّر في حركة المجتمع وتنشيط قواه لمواجهة الصّعوبات، وهذا يعني أنه ما زال أمام الإنسانيّة فرصة تاريخيّة لإقامة مجتمع جديد يتولد من أمل الانتظار.
2 - سيكولوجيّة المهدي الكاذب
في الفصل الثاني، يبين الكاتب كيف ظهر خلال القرون الماضية من ادعى المهدويّة كذباً وزوراً، وقد أحصاهم المؤرخون فبلغوا خمسين رجلاً. ولقد تركت هذه الظاهرة تأثيراً نفسيّاً وفكريّاً سيئاً على الإيمان بعقيدة المهدي الموعود الحقيقي، حتى برزت كمشكلة تواجه الفكر الإسلامي على امتداد عصور متتابعة. ويوضح، الكاتب في هذا الفصل، كيف يمكن أن نكتشف بأنفسنا "ملامح شخصيّة الإمام المهدي" من جهة، ودرس "العوامل النفسية لظاهرة المهدي المزوّر" من جهة أخرى، معدّداً أهمّ العوامل التي منها الاستغلال، والتسلّط على مصالح الناس.
3 - نقد عقيدة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
أما الفصل الثالث، "المنهج النفسي ونقد عقيدة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف"، فيبيّن الباحث فيه أنّ بعض الدراسات حول هذا الموضوع انحرف عن المسار الصحيح وترتّب عليه آثار سيكولوجية تضعف علاقات المؤمنين مع مفهوم الانتظار أو العمل له. وهي ما يسميها مغالطات تاريخيّة وقع فيها علماء وباحثون من غير أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام. كما نشأت تفسيرات خاطئة استخدمها خصوم فكرة الانتظار وابتعدوا كثيراً عن قواعد البحث العلمي الموضوعي.
ويتخذ الكاتب من أسلوب السّرد التاريخي للأحداث مصدراً للتحليل النفسي – الاجتماعي عندما يذكر "المنهج النفسي في عقيدة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف"، علماً أن هذا العامل هو الأكثر نسياناً من قبل الباحثين لظاهرة الانتظار واكتشاف عناصرها وأبعادها الروحية.
4 - سيكولوجية المنتظرين
الفصل الرابع يتعرّض فيه لـ"العوامل المؤثرة في سيكولوجيّة المنتظرين". والجميل في هذا الفصل أنه يعرض صفات "المنتظرين"، وأنّهم يتناقلون عقيدتهم في الإيمان بالمهدي من جيل إلى آخر، ويتميّزون بصدق الإيمان بهذه العقيدة رغم مرور القرون وتعملُق الظلم. ويحصر الدراسة في هذا الفصل بالعوامل المؤثرة التي أهم ما يلفت بينها هو "اجتهادات المنتظرين وإبداعهم المتجدد"، وكان لهذا العامل أثر نفسي كبير على روحانية المنتظرين.
كما يتوقف عند الأهمية السّيكولوجية لوجود الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وكيف ينتفع المنتظرون بالقائم عجل الله تعالى فرجه الشريف في غيبته انتفاعاً إيجابياً، إذ يمثّل بالنّسبة إليهم الضوء الذي يخرق قاع البحار والمحيطات والأنهار.
5 - الأبعاد النفسيّة الإيجابية
يشكل الفصل الخامس في الحقيقة جوهر الكتاب، وكأنّ الغاية كلّها من التأليف تجلّت في هذا الفصل، وهو بعنوان "الأبعاد النفسيّة الإيجابيّة في عقيدة المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف". فقد تضمنت نصوص البشارة بالمهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف وعداً بازدهار المستقبل، وانتصار المنتظرين المستضعفين على قوى الاستكبار والتفوق عليهم في نهاية الصراع التاريخي.
ويبحث الكاتب في كيفية تحطيم الواقع الاستكباري، بتمتع المسلم المنتظر بقدرته على مواجهة التحديات، والصّبر الواعي على تحمّل آلام المواقف الاحباطيّة التي تصنعها دائماً حياة الانحراف. ويخلص الكاتب إلى أنه لهذا السبب نجد أن مجاهدي العالم الإسلامي الذين فهموا عقيدة الانتظار لم يعرفوا في حياتهم يأساً رغم استمرار ضغوط الواقع.
*الانتظار مفهوم نهضوي
في الكتاب تبيان بأنّ بعض الناس يتصوّر أنّ مفهوم الانتظار مفهوم رجعي، جامد يدعونا إلى السكون والسكوت عن الظالمين والعياذ بالله. في حين أن العكس هو الصحيح. فهذه العقيدة وهذا المفهوم هما اللذان يعطيان الأمل والحيوية للإنسان. لأنّ هناك قانوناً أو سنّة إلهية تتمثل في أنّ الذي يكون مظلوماً، أو مع الحق فإنّ الله ناصره. وهذه السُنّة تتحقق في أجلى صورها بالإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، لأنه عبد صالح، ولي لله سبحانه، ومع الحق.
كما أن مناسبة شريفة كريمة تتمثل بميلاد خاتم الأوصياء وإمام العصر والشفيع الذي لا يزال ناظراً ورقيباً، الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه، مناسبة كهذه لا بدّ أن تكون محطة تزوُّد وانطلاق للمؤمنين الرساليّين، وحافزاً قوياً لهم للتّقدم على طريق التطوّر، والطموح الرّسالي المستمدّ من وجود الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.
*لنهتدِ به إلى الحق
فلو عرف الإنسان مستوى درجة الإمامة، ولو عرف أن الإمام والامامة هما الدرجة التي تسبق والتي تلحق درجة النبوّة، فإبراهيم عليه السلام كان نبياً ورسولاً من أولي العزم حينما امتحنه الله سبحانه بأشد الامتحانات؛ وأمره أن يذبح ابنه بيده، وبعد أن اجتاز إبراهيم عليه السلام كل الامتحانات، جعله الله سبحانه إماماً
﴿وإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَاَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 124). إذا عرفنا ذلك، فلا بد أن نستفيد من هذه المعرفة، ولنتساءل عن كيفية إقامة علاقة حقيقية تربطنا بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وكيف نمتّن هذه العلاقة، وهل أن الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف هو الذي لا يريد إقامة مثل هذه العلاقة معنا أم أننا نحن الذين لا نريد ولا نسعى إليها. بهذه الروحية العالية يقدم الكاتب مفهوم الانتظار للإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويدعونا لمعرفة هذه الحقيقة، ولمعرفة أنّ مولانا المهدي هو إمام، وأنّه حيّ يعيـش معنــا ويرانا من حيث لا نراه، وأنه مطّلع على أحوالنا ويراقب صفحات أعمالنا التي تعرض عليه يومياً، وأننا بحاجة ماسة إليه، لبركاته لنهتدي به إلى جادّة الحقّ والصواب.
*ملاحظة لا بدّ منها
ورغم استمتاعي بقراءة الكتاب، إلا أنّه لا يخلو من ملاحظات لا بدّ من ذكرها:
1 - إن الكاتب كرّر العديد من الأفكار في أكثر من فصل، فهو مثلاً يتحدث عن إيجابيّات الانتظار في فصلين أو أكثر، في حين أنه يخصص لهذا المفهوم فصلاً كاملاً.
2 - ما يعيب الكتاب أنه كان يفترض أن تجري فيه مقاربة أو مقارنة بين كيفية تمثل فكرة المخلّص في حياة الشعوب، ليبيّن الفرق بين المسلمين المهدويين وغيرهم ممن ينتظرون المخلّص، إذ إن ذلك يقدّم أدلة أكثر سطوعاً عن مدى الإيجابيّة الكبيرة المنعكسة في حياتنا، نحن الشيعة، لمفهوم هذا الانتظار وكيف نحضّر ونتحضّر له.