نسرين إدريس قازان
اسم الأم: ماجدة أبو زيد
محل وتاريخ الولادة:علي النهري 24 /11/ 1980
الوضع العائلي: عازب
مكان وتاريخ الاستشهاد: المريجة 5/11/2008
بعد بلوغه الشهر الخامس من عمره، ارتسمتْ ملامح حسين كما
رأته أمه في الرؤيا قبيل ولادته تماماً، تلك الملامحُ المتناسقة والجميلة والهادئة،
المزينة بهدوءٍ وسكينة.. عاش حسين في قرية "علي النهري" البقاعية، بدلال وعزّ
والديه، ومع أخته التي تصغره بسنتين، قضى أياماً مفعمة بالمحبة والحنان.
كان ينتظر
عودة والده من عمله في مستوصفٍ تابع للجيش اللبناني ليلتصق به، ويتسلق ساعديه،
ويرافقه أنّى ذهب. كل شيء كان مفعماً بالأمل حوله، ولكن مشهد العائلة لم
يكتمل طويلاً، فسرعان ما تشظت تلك الصورة وتغير شكلها، تاركة القلب في دائرةٍ من
الحزن الطويل. فذات نهار صيفي، خرجت العائلة مع الجيران لقضاء يومٍ على ضفاف نهر
العاصي، وفي طريق العودة لم تصعد أمه وأخته في سيارة والده لإصرار أخته على البقاء
مع ابنة الجيران، وبقي حسين ابن الرابعة، مع أبيه. وفي منتصف الطريق وقع حادث سير
مفجع لسيارة الوالد، فتأذى كل من كان فيها، وبقي الوالد لأسبوع في العناية قبل أن
يفارق الحياة، وأما حسين فقد نجا بأعجوبة ولكنه فقد ذاكرته، وقال الطبيب إنه يحتاجُ
إلى سنة كاملة لتعود إليه ذاكرته كما كانت. صدمتان حاولت الأم استيعابهما لأجل
ولديها، وحياة مجهولة شرّعت أبوابها للعائلة التي فقدت الملجأ والسند في الحياة.
تابعت الأم وضع ولدها بدقة، فمنّ الله عز وجل عليها بأن استعاد حسين عافيته قبل
مرور السنة، مستعيداً ذاكرته كاملة.
عملت الوالدة لأجل إعالة ولديها وحاولت
جهدها بأن لا تشعرهما باليتم والفقد على الرغم من صعوبة الأمر. كانت ترى الهدوء
المسيطر على ولدها فتخاف عليه من الوحدة التي يميل إليها، والسكوت المسيطر عليه،
فتدفعه للعب مع أقرانه، وتخففُ عنه الحزن العميق الذي لم يبارحه في تلك الفترة من
حياته. ترك حسين دراسته بعد الصف الرابع الابتدائي، ليعمل إلى جانب والدته،
فامتهن الكثير من المهن، وصقلته التجارب باكراً جداً، وتجلّت فيه الرجولة، فكان
رفيق والدته وصديقها الصدوق، يتشارك معها الأفراح ويفضي لها بما يتعبه.
عاش حياته راضياً قانعاً. كان همه الأكبر الوحيد بعد رضا الله عزّ وجل راحة والدته
ورضاها، فكان دائماً يكرّر لها: "افعلي ما تريدينه، فراحتك هي راحتي". التزم حسين
بالأحكام الشرعية منذ سن التكليف، وكان يرتاد مسجد علي النهري لأداء الصلاة، ما
رفده بالكثير من المعلومات التي وطّدت التزامه. وكان يتميز بروحية عالية، وطهارة
نفسٍ وصفاء روح تجلّتا في ملامحه. بعد زواج أخته وانتقالها للعيش في منطقة تحويطة
الغدير في بيروت، حسم حسين وأمه أمرهما في الانتقال للسكن بالقرب منها، فاستأجرا
منزلاً صغيراً. وقد وفقه الله تعالى للحصول على وظيفةٍ في مستشفى، إلى جانب تطوعه
في التعبئة العامة، وخضوعه لدورات تأهيلية على الصعيدين الثقافي والعسكري. تحول ذلك
البيت الصغير إلى مركز لالتقاء الرفاق. وكان بعضُ أصدقائه المجاهدين يعيشون بعيداً
عن عائلاتهم فيقتاتون من أكل المطاعم، لذا كان حسين يتحين الفرص لدعوتهم إلى الغداء.
في حرب تموز 2006 والتي توقع حسين نشوبها بعد عملية الأسر مباشرة، طلب إلى أمه أن
تتهيأ لأيام الحرب الصعبة. وبالفعل، سرعان ما غادر معها الضاحية الجنوبية وتوجها
إلى قريتهما في البقاع. بعد وصوله إلى هناك التحق مباشرة بالإخوة المجاهدين، واضعاً
نفسه تحت تصرفهم طوال فترة الحرب.
مال حسين في الفترة الأخيرة إلى الوحدة،
وقد حملت أمه همّ الصمت المطبق الذي استولى على ساعاته، وأخذها القلقُ من كثرة
شروده، وهو الذي كان يشاركها في تفاصيل حياته، ولا يسكتُ الحديث بينهما، فصارت
تسأله عمّا به كيفما تلفتت، وتتحايل على المواضيع لتستدرجه عساه يبوح بما يهدئ من
روعها، ولكن جوابه الوحيد زاد حيرتها: "لا شيء"، وأخيراً وكمن شعر بقرب اللقاء...
قال لها: "أساساً أنا لا أريد هذه الدنيا، أنا أبحث عن الآخرة". وفي اليوم التالي...
استشهد حسين أثناء قيامه بواجبه الجهادي، ليصل إلى ما كانت تصبو إليه نفسه... راضياً
مرضياً.