نسرين إدريس قازان
شهيد الدفاع عن المقدّسات: القائد علي حسين ناصيف (أبو عباس)
اسم الأم: فاطمة شمص
محل وتاريخ الولادة: بوداي 20/10/1965
الوضع الاجتماعي: متأهل وله 6 أولاد
رقم السجل: 211/ 139
تاريخ الاستشهاد: أثناء قيامه بواجبه الجهادي 30/9/2012
هي الشهادة استأنست بانتظاره لها، فرحت باحتراقه شوقاً لملاقاتها طوال سنوات، فتراها تواكبه وهو يقتحم الخطر في أصعب المواقع الإسرائيلية تحصيناً أعلى الجبال، وأعمق الأودية حيث تمكث كمائن الذئاب.. في حرّ الصيف وبرد الثلج، أيّام طويلة قضاها في العراء الذي يُشعره بدفء الوجود في طريق الهجرة إلى الله..
*عارفاً مسيره ومصيره
الحاج أبو عباس استشهد منذ فترة طويلة ولكنه ظلّ يمشي على الأرض، وأمثاله إنما يُتركون بيننا عسى أن نلتمس من نورهم الرباني قبساً يعيننا في سلوك طريق الحق.
"أبو عباس" قائداً كان، إنساناً عارفاً أين مصيره، وكيف المسير، فلم يأخذه موقعه الجهادي إلى مكانٍ غير الذي أراد أن يكون فيه: "مجاهداً في سبيل الله".. لأنه أدرك أن للشهادة لياقة - على حدّ تعبير القائد الشهيد حسان اللقيس - ومن أراد الشهادة، عليه السعي الحثيث لملاقاتها..
*يشبه بأخلاقه عطاء السماء
بأخلاقه التي تشبه كثيراً السماء بعطائها، كتب الحاج أبو عباس مسيرته الشخصيّة والجهاديّة. فابن بلدة بوداي الذي كان رضيعاً عندما كانت أمُّه تأخذه معها إلى الأرض لمساعدة زوجها بالحرث والبذر، تربّى بين أحضان الشجر ورحابة الأفق وصفاء السماء. علّمته الحياة أن ضنك العيش يصقل الأقوياء، وأن الصمت إنّما يورث مع الحكمة صبراً والصبرُ معراج المؤمنين..
أكبر إخوته السبعة، كان يلعب دور الأم والأب على حدٍّ سواء مع إخوته أثناء عمل والديه في الحقل، فتغبط النسوة أمّه على عونه لها.
لفت علي، الطفل، الأنظار إليه بوعيه المبكر وقدرته على تقدير الأمور وهو لم يبلغ العاشرة من عمره، فارتسمت الجدّية على محياه وفي تصرفاته، ورافقته حتى كبُر واشتدّ عضده.
كان "علي" أصغر الطلاب سناً بين أقرانه في الصف وقد لمع ذكاؤه بالرياضيات، وجدّ في دراسته حتى تخرّج من المهنيّة في اختصاص التكييف والتبريد.
*عمليّة موقع كفرحونة البداية
إلى جانب دراسته، انتسب إلى صفوف التعبئة العامة للمقاومة، وبدأ بالعمل معهم بما تيسّر له من وقت، باذلاً جهداً في سبيل تحضير نفسه للجهاد. وما إن تخرّج من المهنية حتى التحق بصفوف المجاهدين مشاركاً في العملية النوعية التي قادها الشهيد "رضا الشاعر" على موقع كفرحونة. وتوالت المشاركات التي غابت فيها وجوه الرفاق والأحبة، وكلّما رحل رفيق تحسّر قائلاً: (زمط)..
تدرج أبو عباس في المقاومة الإسلامية، وكثُر غيابه المتكرر عن عائلته وأولاده الستة الذين كانوا ينتظرونه قرب الباب، يتعلقون به، يجلسهم بين ذراعيه ويغدق عليهم من الحنان ما ينسيهم أيام الغياب.
صاحَب أولاده وزرع في نفوسهم الخصال الحميدة، وخاط أرواحهم بحبّ الله وحب الرسول وأهل بيته عليهم السلام.
*هدفنا في الحياة رضا الله
في بيته الصغير المتواضع الذي يرسم الزهد تشققات في جدرانه، كانت تعلو ضحكاته وأولاده منذ الصباح الباكر، يلعبون ويتحدّثون. كان يغتنم الفرص دوماً لتوعيتهم على الحياة، فإن قصّر أحدهم في المدرسة، قال له: "اعملوا لربكم وآخرتكم وسترون كيف سيسهل الله تعالى أموركم، فليس في هذه الدنيا شيء.. وكلّ هدفنا فيها هو العمل لآخرتنا من أجل إرضاء الله تعالى".
كان الحاج "أبو عباس" رجلاً محتسباً وهو يرى فُرص الرحيل مشرّعة أمامه، وكلما همّ باقتناص إحداها فرّت من بين أصابعه. غير أن شعوراً دفيناً ممزوجاً باليقين كان ينبّئه أن الشهادة هي نقطة الختام، لأن الله تعالى إنما يوفّي أجور العاملين في سبيله، وكلّما انتهت حرب وتناهى إلى سمعه حديثُ متحسرٍ لما مضى من العمر وصارت ساحة المعارك للشباب، أجابه الحاج أبو عباس: "توكّل على الله، إذا أرادنا الله أخذنا إليه".
*تموز 2006
كان ظلّه موجوداً في كل المحاور والميادين، ولا يرضى أن يقال له ارتح أنت ليفعل ذلك فلان.. وفي حرب تموز العام 2006، كانت ساحة النزال بين الحاج أبو عباس والعدو الصهيوني، في منطقة بعلبك حيث دارت مواجهات عنيفة بين المقاومة وقوّة من الكوماندوس قتل خلالها الحاج أبو عباس ضابطاً إسرائيلياً، فإذا ما خمد أوار الحرب ولم يبقَ منها إلّا الغبار عاد أبو عباس منهكاً إلى بيته ليرتاح ويستعد لجولة جديدة.
في الآونة الأخيرة صار الحاج أبو عباس يأنس بالعزلة، وهو الرجل الاجتماعي الذي يحرِص على مشاركة الجميع أفراحهم وأتراحهم، يستقصي أخبار الناس فور عودته ليقوم بواجبه في وصل أرحامه، أو يسأل عن عوائل الشهداء ويطمئن عن أحوالهم، أو يتفقّد الفقراء، أو يقصد من ينتظره لحل مشكلته في وقت يكون أحوج الناس إلى الراحة، ولكن هيهات أن تتذوق نفسه حلاوة الراحة وثمة ما يجبُ القيام به..
*إلى رضوان الله
كان فنجان القهوة الصباحي على شرفة منزله المحاط بحديقة صغيرة، فترة سفرٍ قصيرة من التفكر والأنس بجمال الطبيعة وحب الأرض وصبحيات الأقارب.. وكعادته، في ذلك اليوم، قبل أن ينطلق إلى عمله أزاح ستار الليل وجلس يتأمّل شروق الشمس على جبهته السمراء المنحوتة بخيوط العمر والتعب.. وبهدوئه المعهود ودّع عائلته متوجّهاً إلى عمله. وعلى حين غرّة من الزمن، وفي موعدٍ قطَعَه منذ زمن طويل مع الشهادة مضى أبو عباس إلى حيثُ رضى الله أكبر..
استشهد أبو عباس أثناء قيامه بواجبه الجهادي، وهو الذي كانت كل تفاصيل عمره مربوطة بواجبه الجهادي.
رحل أبو عباس.. بعد عمر مديد قضاهُ في خندق الحق يقارع الباطل، وترك إرثاً من حياة تحاكي الوجدان أن: هكذا تكون القادة..