مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الوعد الصادق حسن عبد الحسين فحص

نسرين إدريس قازان
 

شهيد الوعد الصادق حسن عبد الحسين فحص (أبو صادق)
اسم الأمّ: وضحى فحص.
محلّ الولادة وتاريخها: الغبيري 16/2/1974م.
الوضع الاجتماعيّ: متأهّل وله ولدان.
رقم السجل: 247.
مكان الاستشهاد وتاريخه: عيناتا 1/8/2006م.
تاريخ الدفن: 16/7/2008م.


"في المعركة القادمة سنقتل العدوّ، وإن شاء الله سنكون من الشهداء". كان على يقين من ذلك، في وقت لم تكن فيه أيّ معركة تلوح في الأفق، بل كان الأمن باسطاً ذراعيه بالوصيد، والكــــلّ مشغولاً بترتيب أمور الحياة، ولكنّه أدرك أنّه سينالُ ذلك الفوز العظيم المتمثّـــــــــل بقتل الأعداء والشهادة. ولم يكن هذا الإدراك استشرافاً مبنيّاً على قراءة مجريات سياسيّة وحسابات عسكريّة، بل كان إيماناً عميقاً بحتميّة لقائه بمعشوقه.

•"الشهيد الحيّ"
لقّبه رفاقه بـ"الشهيد الحيّ"، ليس لجرأته في المعركة، واقتحامه الموت لأكثر من مرّة فحسب، ولا لأنّه قضى معظم أيّام حياته في الجبهة، بل لذلك النور المتسلّل من بين عينيه إلى قلوبهم.. "هل هي صلاة الليل؟!"، سأله صديق على حين غرّة ذات ليلة، فأضاءت ابتسامةٌ وجهه المفعم بالسكينة والهدوء، وتوهّجت روحه التي أنبتها نباتاً حسناً في زاوية في مسجد الغبيري، حيث كان يُصلّي الاستشهاديّ عمّار حمّود، وحسن يعرف جيّداً كم من مجاهد وشهيد صلّوا هناك بعد عمّار، فتلقّف من بقايا الأنفاس، وآثار الأقدام، تعبئة روحيّة إيمانيّة وجهاديّة، فاستقام قلبه بوفاء لمن قضى نحبه، وكان هو من المنتظرين. وبصلاته ينقطع عمّن حوله ويعرج إلى الملكوت الأعلى، وكأنّ تلك الزاوية بقعة مباركة، ترفعُ من يحكي مع الله إليه.

•أشرف العبادات
باكراً علّم حسن نفسه الأحكام الشرعيّة، ولازم المسجد منذ نعومة أظفاره، ولم يكن من أولئك الذين يتحدّثون عمّا يفعلونه، أو ما سيفعلونه، بل كان يقوم بالمطلوب منه بصمت وصبر. ولأنّ أشرف العبادات خدمة الناس، فقد وضع نفسه في ذلك الموضع، والخدمة عنده أكثر من تعاون وأهمّ من حلّ مشكلة، بل إيثار بكلّ أبعاده، حتّى وصل في إيثاره إلى مرحلة لم يعد يرى عندها نفسه أصلاً، فإن ارتدى قميصاً جديداً وأبدى أحدٌ إعجابه به، أعطاه إيّاه، وغالباً ما كانت مفاتيح سيّارته مع رفاقه. أمّا إذا وقع في سوء تفاهم مع أحد، أو انزعج منه أحد، فيبادر إلى زيارته أو الاتّصال به، ولم تشكّل هذه المبادرة له حرجاً، بل جعلها درساً لمن حوله.

•محبوب الجميع
ما إن كبر حسن حتّى التحق بصفوف المجاهدين، فخضع للعديد من الدورات العسكريّة، وانتقل للعيش في قريته جبشيت بعد زواجه، وكان يقضي بعض الوقت في بلدة عيترون الحدوديّة لإنهاء بعض الأعمال. وفي كِلا الضيعتَين، عامله الناس بودّ واحترام كبيرَين، بل كان يسارع بعضهم فور عودته إلى بيته لطرق الباب ولو للاطمئنان عنه سريعاً ثمّ العودة لاحقاً. هذه القدرة على الجذب كان ارتكازها المحبّة، فلم يعظ يوماً أو يرشد بكلام إلّا وكان الرفق مصاحباً لنبرة صوته. وكما كان كثير المشاغل كان كثير المعارف، وكلٌّ كان يأخذ منه ما يحتاجُ إليه ويأنس به، ما يدلُّ على شموليّة صفاته، غير أنّ الصفة التي لازمت كلّ دور قام به، هي الصداقة، فكان صديقاً للجميع؛ لوالديه وإخوته، وزوجته وطفلَيه، ولزملائه في الجبهة، وجيران الحيّ، وكانت تلك الصداقة ذخراً له في آخرته، فلم يترك صديقاً قطّ في أزمته، وأجملُ صورة تجلّى فيها ذلك الالتحام مع الآخر، في معركة بنت جبيل، حيث بقي ثابتاً كمتراس لصديقه الجريح حتّى آخر رمق، ولم ينسحب إلى مثلّث عيناتا ليكمل المعركة، إلّا بعد استشهاد صديقه.

•روحه التي بين جنبيه
"فاطمة" و"زينب" روحه التي بين جنبيه، زرع في ذاكرتهما صوراً لا تضمّ ذكريات جميلة بقدر ما احتوت قيماً إيمانيّة أرادها أن تكبر معهما، حتّى إنّ رفاقه كانوا يستغربون اصطحابه لابنته وهي في عمر الثالثة إلى المسجد وتركها بالقرب منه، تقلّده حيناً وتلعب أحياناً أخرى.

•كتمانٌ وشجاعة قلَّ نظيرها
كان حسن كتوماً جدّاً، لم يعرف أحد ما هي طبيعة عمله، حتّى أقرب المقرّبين منه. وفي يوم، طُلب إلى أحد أقاربه أن يلتقي بشخص في موعد محدّد، وكان حسن يعرفُ مَن هو، أمّا قريبه فقد تفاجأ جدّاً عندما التقى به!

في حرب تمّوز، كان حسن من أوائل الملتحقين بالجبهة. قاتل جنباً إلى جنب مع أخيه في الخطوط الأماميّة، فيما كان إخوته الباقون يقاتلون في مكان آخر، ورأى المجاهدون من شجاعتهما ما قلّ نظيره، وتفاجأ البعض من بأس حسن وشدّته وهو الحنون الرقيق الذي يتفقّد المجاهدين ويستطلع ما ينقصهم، ويحضر لهم الشاي، أو ما تيسّر له من طعام.

•"سنهزم العدوّ وندوس عليه"
كان مصدراً للتفاؤل في خضمّ الحرب، ومساعداً في ترميم الثغرات التي فتحتها آلة الحرب الفتّاكة، وهو واحد من الذين صمدوا في بنت جبيل، وكتبوا بدمائهم أنّ "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت". وقد تعرّض مكانه مرّة لقذيفة مباشرة فنجا ومَن معه بأعجوبة. ولم تأخذ شراسة الحرب مرحه وفكاهته، فخفّف بمزاحه من الضغط النفسيّ عمّن حوله، وعندما اشتدّت المعارك، صار يقول لرفاقه عبر اللاسلكيّ: "سنهزم العدوّ وندوس عليه"، وهذا حقّاً ما فعله.

•عندما نفخ من روحه
ضاق الخناق على مدينة بنت جبيل، واستشهد المجاهد المرافق له، فاضطرّ إلى الانسحاب إلى مثلّث عيناتا - بنت جبيل - مارون الراس، وهناك خاض مع مجموعة من المجاهدين مواجهة حيّة مع العدوّ الصهيونيّ على بُعد أمتار قليلة، ليحقّق بالفعل ما قاله: "سندوس على العدوّ". وكانت الضربات المعنويّة التي أصابت الجيش الإسرائيليّ أشدَّ وطأة من الهزيمة العسكريّة التي مُني بها هناك، وقد نفخ حسن في مثلّث التحرير من روحه فأحيا فيه نصراً جديداً، وعزّاً لا يخبو. نفدت الذخيرة والروح فيها بقايا حياة، وحسن يلاحق فلول الأعداء بين البيوت والحجارة، والطائرات الحربيّة والاستطلاع تحوم فوقهم، ومع أزيز الرصاص وصوت لهاثه، اختفى ظلّه، ولم يبقَ في ساحة المعركة إلّا جزء من عتاده.

انتهت الحرب، ولم يُعثر على جثمان حسن الذي أكّد من بقي من رفاقه أنّه استشهد، وبعد سنتين، وجدوه وردة بين أشواك الركام، ولم يمحُ غبار الأيّام بسمته التي تنضح بالحياة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع