آية الله الشيخ حسين مظاهريّ
من المضحك المُبكي، أن يستحيل أحد مقوّمات الزواج وتشكيل الأسرة، إلى أحد معوّقات الزواج وموانع تشكيل الأسرة. فمن الأمور الرائجة اليوم: الإفراط في تجهيز المنزل، والاهتمام بالكماليّات، وارتفاع التكاليف فوق المقدور. فهل بات تجهيز منزل الزوجيّة عقبةً حقيقيّة أمام الشباب؟ وهل في ذلك مشكلة أخلاقيّة أم لا؟
•كماليّات البيت قاصمة للظهر
إنّ الفتاة قد تكون بلغت سنّ الثلاثين مثلاً، ولا تقبل مَن تقدَّم لخطبتها، بسبب عدم إمكانيّة ذلك الشخص تجهيز البيت بالوسائل المنزليّة الكثيرة. وقد ترفض الخُطّاب واحداً تلو الآخر، إذا لم يتمكّن من تأمين ذلك، كونها لا تستطيع الذهاب إلى بيت الزوجيّة إذا لم يكن مجهّزاً على آخر طراز. وهذه الأمور في الواقع قد تكون في بعض الأحيان قاصمةً للظهر.
بينما لو تأتّى لمجتمعاتنا الخروج من حالة الترف أثناء تجهيز البيت، والتخلّص من اقتناء المسائل الكماليّة، لهانت بقيّة المسائل. إنّنا نستطيع بهذا الجهاز (اللوازم المنزليّة الفائضة) تزويج 10 أزواج بدلاً من واحد. وقد يرفض بعضنا هذه المقولة، ولكنّ الإسلام يؤكّدها ويرحّب بها.
وقد باتت مسألة اقتناء الكماليّات أو ما يُطلق عليها "فُضُول العيش"، تدقّ أعناق الرجال. فالحياة التجميليّة أو الفائضة عن الضروريّة، تجلب الفقر الفرديّ والاجتماعيّ، وتذلّ صاحبها وتجعل منه أسيراً للآخرين. وهذا مرفوض من قبل العقلاء، والملتزمين بشرعة الله الحقّة.
إنّ الوسائل الزائدة على الحاجة، والتي يهيّئها الزوجان قبل الانتقال إلى بيت الزوجيّة، ما هي إلّا قصم لظهرهما، ولكلّ شيء في حياتهما.
•16 عباءة بدل واحدة
يُروى أنّ آية الله الشيخ المرحوم الحائري كان جالساً ذات مرّة بين جمعٍ من تلامذته، وإذا بأحد التجّار يدخل باحة الدرس؛ ليقدّم للشيخ عباءةً من نوعٍ ثمينٍ، يُطلق عليها باللهجة العراقية الدارجة "خاجيّة".
نظر الشيخ إلى العباءة جيّداً، بينما كان يفكّر، ليقرّر أنّه لا يمكن أن يلبس هكذا عباءة وهو في مقام يعتبره الناس قدوة لهم، ولا يمكن أن يردّ الهديّة؛ لأنّ ذلك خلاف الأدب؛ لذا سأل التاجر قائلاً: "كم تساوي قيمة هذه العباءة نسبة إلى العباءة العادية؟"، فقال التاجر: "ست عشرة عباءة عاديّة!"، فقال الشيخ: "هل يمكن إبدالها بهذا العدد من العباءات إن أنا قبلتها منك؟"، فقال: "ولم لا؟!"، فقال الشيخ: "لا بأس بإبدالها لنا".
ذهب التاجر إلى السوق حاملاً معه تلك العباءة الثمينة، ليرجع ثانية بعد حين ومعه ستّ عشرة عباءة، ليقدّمها بدوره إلى الشيخ، وكان ذلك في حضور جمع من التلاميذ والفضلاء.
قام المرحوم من مكانه، وأمسك العباءات ليوزّعها بين طلبته، بقيت واحدة وضعها على كتفيه، والتفت إلى التاجر، ليقول: "أيّهما أفضل، تلك الحال أو هذه؟".
لو كانت عباءة واحدة للبسها شخص واحد، وبما أنّها ستّ عشرة عباءة، فقد لبسها ستّة عشر شخصاً. وهذه الحالة أفضل من تلك التي يلبس فيها شخص واحد عباءة ثمينة، ولا يلبس الباقون أيّ شيء!
•السيّدة الزهراء عليها السلام قدوة
بعد أن تمَّ الاتّفاق على تزويج الزهراء البتول فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم برجلين وامرأة لشراء بعض اللوازم للزهراء عليها السلام من السوق، ولقد اشتملت تلك اللوازم على سبعة عشر غرضاً، بلغ ثمنها 63 درهماً. وكانت هذه الأشياء تشتمل على عباءة، مضافاً إلى قميصٍ، أعطته الزهراء عليها السلام قبل ارتدائه إلى إحدى المستضعفات لتبقى هي بقميصها القديم، وتذهب به إلى دار زوجها، وعندما سألها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم التالي عمّا فعلت بذلك القميص، أجابت بأنّها أعطته في سبيل الله تباركت أسماؤه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ولِمَ أعطيت الجديد ولم تعطي القديم؟"، قالت عليه السلام: "ألم يقل الله تعالى في محكم كتابه: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾؟ (آل عمران: 92)".
وكان بساطها الذي تجلس عليه جلد خروف واحد، وفراشها الذي تنام عليه بدل القطن ليف من عراجين(1) النخل، أمّا لوازم طعامها وشرابها فلا تعدو أن تكون بضع أوانٍ صينيّة، وقلّة خزفيّة واحدة، وقدحاً من طين، وإجمالاً كانت تلك الأشياء تُبكي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما ينظر إليها.
لذا أطلب راجياً من الجميع، وبالخصوص السيّدات، أن يطلّوا بنظراتهم على أشياء كهذه.
فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "اللّهمّ بارك لقومٍ جُلّ آنيتهم الخزف"(2).
•لوازم على قدر الحاجة والاستطاعة
لقد كانت تلك اللوازم على قدر ضرورة وحاجة الزهراء عليها السلام، وهكذا ينبغي أن تكون لوازمكم على قدر ما تحتاجون، لا على قدر ما تُظهرون للآخرين، فالتباهي والتفاخر باللوازم والأشياء غير الضروريّة ليس في مصلحتكم، والأجدر هو التخلّص من هذه العادات، التي لا فائدة منها ولا نفع.
أيّها المقبلون على الزواج، إذا أردتم تزويد بيوتكم بوسائل ترفيهيّة، ولوازم منزليّة كماليّة، لن يمنعكم أحدٌ من ذلك، ولكن بعيداً عن هذه العادات التي تحتّم على الزوج تأمين هذه المتطلّبات الثمينة إذا لم يكن مقتدراً ماديّاً.
•كلّنا مسؤولون
إنّنا جميعاً مبتلون، أنا مبتلى، وأنتَ مبتلى، والقرويّ مبتلى، وابن المدينة مبتلى، والمتديّن مبتلى، وغير المتديّن مبتلى... إنّنا جميعاً مسؤولون غداً، فلا تتنكّروا لهذه المسؤوليّة الكبرى. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته".
ينبغي تحسين أخلاقنا في البيت، وإفهام أولادنا بأنّ هذه الوسائل البيتيّة المسمّاة بـ"الجهاز المنزليّ"، يمكن تقسيمها على منازل عدّة بدل أن تكون لشخصين فقط يستأثران بها، فيما يبقى غيرهما دون وسائل منزليّة وتجهيز، بل دون زواج. وهذه النصيحة لا أعني بها أحداً معيّناً، بل هي شاملة لجميع أفراد المجتمع، شيبهم وشبابهم، عالمهم وجاهلهم، فاضلهم وطالبهم.
أسأل الباري تعالى أن يوفّق الجميع للابتعاد عن كلّ ما هو غير ضروريّ، وزائد على الحاجة وكماليّ، ليعمّ الخير والصلاح في مجتمعاتنا الإنسانيّة.
(*) الأخلاق البيتيّة، آية الله الشيخ حسين مظاهري، بتصرف.
1.جمع عُرجون، بالضم، وهو عود أخضر يحمل التمر كالعنقود.
2.بحار الأنوار، المجلسي، ج43، ص130.