أحمد دروبي
إن الأعمال الإرهابية تؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة التي تعتبر حقاً طبيعياً للإنسان والمنصوص عليها في الكثير من المواثيق والاتفاقيات الدولية. لذلك فإنه من الضروري اتخاذ إجراءات لمكافحة الإرهاب والحد منه، لكن يجب ألا تؤدي هذه الإجراءات إلى المساس بحقوق الإنسان والحريات العامة بذريعة مكافحة الإرهاب. والعالم يشهد اليوم النتائج المأساوية المترتبة على الحرب المعلنة على ما يُسمى "بالإرهاب" والتي أدت إلى انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني. في المقابل نجد أن ما قامت وما تقوم به بعض حركات التحرير الوطني في شتى بقاع الأرض من أعمال ونشاطات مدنية وعسكرية بطولية في سبيل دحر الإحتلال الأجنبي عن بلدانها، هو في الواقع يصب في خانة تلك الإجراءات المشروعة المتخذة لمكافحة الإرهاب والحد منه، كونه يندرج في إطار ما يُسمى بحقي الدفاع المشروع عن النفس وتقرير المصير، اللذين أكدت عليهما مختلف المواثيق والاتفاقيات الدولية. ولتوضيح ما سبق سنعرض لبعض الإنتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان وحرياته تحت ذريعة ما يُسمى بمكافحة الإرهاب مع بيان مدى مخالفتها للحريات العامة والخاصة وللقانون الدولي الإنساني.
* الإنتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان وحرياته:
1 - انتهاك اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال جرحى ومرضى القوات المسلحة في الميدان: حيث أن إسرائيل وقعت على هذه الاتفاقية عام 1949 وبالتالي فإنها ملزمة لها وفقاً لأحكام المادة "1" من هذه الاتفاقية التي نصت على أن "تتعهد الأطراف المتعاقدة بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال"، ولكن ومع ذلك لم تقم إسرائيل بإحترام تلك الاتفاقية، حيث ارتكبت سلسلة من الإنتهاكات لتلك الاتفاقية، كان أبرزها على الشكل التالي:
أ - تنص المادة 12 من هذه الاتفاقية على أنه "يجب احترام وحماية الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة، ويُحظر بشدة أي اعتداء على حياتهم أو استعمال العنف معهم ويجب على الأخص عدم قتلهم أو تعذيبهم أو تركهم عمداً دون علاج أو رعاية طبية". لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أثناء اجتياحاتها المتكررة للأراضي الفلسطينية في فترة إشتعال انتفاضة الأقصى قامت بقتل الكثير من جرحى المقاومة الفلسطينية، خاصةً في مخيم جنين حيث قامت بمحاصرة الجرحى ومنعت وصول الإسعافات لإنقاذهم وتركتهم دون علاج بقصد الإبادة، وهذا ما يتعارض مع اتفاقيات جنيف ويُشكل انتهاكاً بشعاً لأحكام القانون الدولي.
ب - تنص المادة 19 من نفس الاتفاقية على أنه "لا يجوز بأي حال الهجوم على المنشآت الثابتة والوحدات المتحركة التابعة للخدمات الطبية بل تُحترم وتُحمى في جميع الأوقات بواسطة أطراف النزاع". لكن ومع ذلك قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالتعرض للمنشآت الطبية (كالمستشفيات) وباقتحام بعضها بحجة البحث عن المقاتلين الفلسطينيين، كما أنها قامت بالتعرض لسيارات الإسعاف مانعةً إياها من القيام بواجبها بإسعاف المصابين وهذا يُشكل انتهاكاً وحشياً آخر للقانون الدولي.
2 - انتهاك اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب:
حيث نصت المادة 13 من هذه الاتفاقية على أنه: "يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية ويُحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أي فعل من شأنه تعريض الأسير للخطر والموت وإلاَّ يُعتبر هذا الفعل انتهاكاً خطيراً للإتفاقية". وبما أن إسرائيل قد وقعت على هذه الاتفاقية فإنها تُعتبر بالتالي مُلزمة لها وفقاً لأحكام المادة "1" من هذه الاتفاقية، ولكن إسرائيل أثناء عدوانها على الأراضي الفلسطينية في فترة الإنتفاضة الثانية قامت بأسر عدد كبير من أفراد المقاومة ثم قامت بإعدام بعضهم بعد أسرهم خاصةً في جنين وهذا ما يتعارض مع أحكام اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب.
3 - انتهاك اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والتي أُقرت بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 كانون الأول 1948:
حيث عرَّفت المادة الثانية من هذه الاتفاقية الإبادة الجماعية بأنها: "إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً". كما اعتبرت المادة "1" من نفس الاتفاقية "إن الإبادة الجماعية سواء ارتكبت في زمن السلم أو الحرب هي جريمة بمقتضى القانون الدولي ويجب المعاقبة عليها". وهذا الوصف ينطبق على أعمال التدمير الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل في الأراضي المحتلة وخاصةً في مُخيم جنين حيث قامت بمحاصرة المُخيم لمدة 10 أيام مانعةً الصليب الأحمر الدولي والمؤن والأدوية والمياه من الوصول إلى السكان المحاصرين بهدف قتلهم وإبادتهم. وهذا ما قامت به إسرائيل أيضاً بعد احتلالها للمخيم، من إبادة جماعية للسكان المدنيين والمقاومين تحت أنظار العالم بذريعة مكافحة الإرهاب .وقد اعتبرت منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في 22 - 4 - 2002 أن إسرائيل قد ارتكبت جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب بحق الفلسطينيين وخاصةً ما حدث في مُخيم جنين.