هناء نور الدين
تنطلق المنظومة الإسلامية في رؤيتها للزواج على أساس الحبّ والتفاهم والرضا وخلق أجواء المودة والرحمة داخل البيت الزوجي من أجل بناء أسرة سليمة تعيش روحية الإسلام والقيم الإنسانية السامية....
* رعاية الإسلام للمرأة
يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: "ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة، تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله". وقد صور لنا الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق صورة رائعة نستشف من خلالها آداب تعامل الزوج مع زوجته ضمن أطر القيم والأخلاق "وحق الزوجة أن تعلم أن اللَّه عزَّ وجلَّ جعلها لك سكناً ومسراحاً وأنساً، وتعلم أن ذلك نعمة من اللَّه تعالى عليك فتكرمها وترفق بها. وإن كان حقك عليها أوجب فإن لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك وتطعمها وتكسوها فإذا جهلتْ عفوت عنها"... توضح لنا هذه الكلمات النورانية طبيعة العلاقة التي يجب أن ينشدها كل زوج مع زوجته لأنها نظام تربوي تبين في طياتها الحب والعطف والحنان والرعاية التي تشمل المرأة والأسرة معاً فتعطيها دعماً وزخماً للعطاء والعمل... وهنا نلاحظ مدى اهتمام الإسلام بالمرأة (الزوجة) وقد ورد عن الرسولا: "ألا خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي"... وقال في مورد آخر "إن النفقة على الزوجة والعيال من أفضل موارد المعروف وأحبها إلى اللَّه تعالى". وقال أيضاً: "أوصاني جبرائيل بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة بيِّنة"...
* جهاد المرأة حسن التبعل
لكن في الوقت الذي أحاطها الإسلام بهذه الرعاية، وشملها بواسع العناية وأكرمها بهذه الكرامة، ألزمها الجهاد وحق الطاعة كي ترتقي إلى درب المجاهدين فقد ورد في الخبر: "أخرج البيهقي عن أنس قال: جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقلن يا رسول اللَّه. ذهب الرجالُ بالفضل بالجهاد في سبيل اللَّه فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل اللَّه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله مهنة إحداكنَّ في بيتها تدرك عمل المجاهدين في سبيل اللَّه...".
وفي مناسبة ثانية جاءته "أسماء بنت يزيد الأنصارية" قائلة: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه أنا وافدة النساء إليك، إنّ اللَّه بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك وبإلهك. وإنا معشر النساء محصورات قواعد بيوتكم وحاملات أولادكم وأنتم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعة وعيادة المرضى وحضور الجنائز والحج بعد الحج وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل اللَّه، وأن أحدكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربينا لكم أولادكم أفنشارككم في الأجر والثواب؟ فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله لمن كان في مجلسه من أصحابه وقال لهم: هل سمعتم مسألة أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا ما ظننا امرأة لتهتدي إلى مثل هذه. والتفت إليها قائلاً: إفهمي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته تعدل ذلك كله، فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً...
* لماذا حسن التبعل؟
نستنتج من هذه الرواية أن الإسلام حينما ناشد المرأة ودعاها أن تكون حريصة على زوجها وبيتها وأولادها وبيَّن أن ذلك يعادل الجهاد وجميع ما يقوم به الرجال من أعمال وجهاد في سبيل اللَّه، فلأنها بذلك تكون قد وفرت لزوجها العمل في جميع الميادين وأعدَّت أولادها إعداداً صالحاً وهيئتهم للجهاد في سبيل اللَّه وشيَّدت داخل أسرتها بنيان التقوى بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، ومنعت عنها التيارات الفكرية الفاسدة وسدّت منافذ السوء وهي بهذا العمل تسعى سعياً حثيثاً لبناء المجتمعات والأوطان طبعاً هذا إذا كانت المرأة (زوجة أو أماً...) تحمل في ذاتيتها الخصائص الإيمانية المستقاة من منهل الشريعة الصافي وتحتضن في أعماقها روح الجهاد والتضحية لأن دخول المرأة إلى ساحة الحياة الزوجية يعني أن عليها الجهاد على أكثر من جبهة داخلية... لذلك عندما قال النبي صلى الله عليه وآله "جهاد المرأة حسن التبعل" فلأنه يعرف شدة المعاناة التي ربما تعيشها مع زوجها وقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "... وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته...". فإطلاق الجهاد على حسن التبعل لأن الجهاد يتطلب جهداً وصبراً وإيماناً وتقوى وورعاً وأخلاقاً يثقل عمل المجاهدين من أجل الحفاظ على بيضة الإسلام أما بالنسبة إلى المرأة كما هو مضمون الرواية فيعني لها أن تجاهد نفسها في حاجاتها وضعفها التي ربما تدفعها إلى التمرد أو الإساءة لزوجها وأن عليها أن تنفذ إلى عقل وقلب زوجها كالمجاهد الذي يسيطر على موقع ما، ولكن من خلال الكلمة الطيبة والمعاشرة الجميلة والعمل الصالح. صحيح أن الإسلام لم يلزمها بالعمل داخل المنزل والقيام بأعبائه... ولكن في الوقت ذاته جعله أمراً مستحباً وعظيماً وباباً تلج منه إلى الجنة التي وعد المتقون بها وهي بذلك تكون قد قدمت وأعطت ما لا يجب عليها لِلَّه وفي سبيل اللَّه لتطيع اللَّه في زوجها وأولادها ونفسها قربة إلى اللَّه تعالى...
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني. وإذا خرجت شيَّعتني وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمك؟ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك اللَّه هماً فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بشرها بالجنة وقل لها: إنك عاملة من عمال اللَّه ولك في كل يوم أجر سبعين شهيداً". وعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله "وأيما امرأة أعانت زوجها على الحج والجهاد أو طلب العلم أعطاها اللَّه من الثواب ما يعطي امرأة أيوبي". وقد ورد عنه أيضاً: "... لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهنّ، صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبُه بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه". إلى الكثير من الروايات الواردة في هذا الشأن والتي تعتبر نظاماً تربوياً شاملاً للحياة الزوجية والتي تهدف إلى الأنس والألفة، والمحبة، والسكون والرضا لتنعكس بدورها على جميع أفراد الأسرة. وأخيراً: فيا حبَّذا أن نلتفت أكثر إلى تعاليم الإسلام، وأن ننهل من عذب مائه وأن ننظر بواقعية أكثر إلى داخل أسرنا فهل نحن نعيش حقاً جهاد المجاهدين؟ وهل نخرج أزواجاً وشباناً إلى ساحات الجهاد والمقاومة وسط العواصف المسمومة والتيارات الفكرية والإعلامية المنحلَّة التي نشهدها؟ وأين هو دورك أيتها الزوجة؟