مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قصة قصيرة: في البال‏

حسن زعرور

 



رفعت رأسها قليلاً من خلف كومة الحجارة التي اختبأت خلفها، ووجيب قلبها يصعِّد الدم إلى صدغيها ويحبس منها الأنفاس، لاحظت ظلال منازل القرية في غبشة الفجر، ولم تر أي حركة في أزقتها تدل على تنبّه السكان لما يجري. لم يكن في القرية كلاب، قتلها البريطانيون بعد تلقيهم نصيحة من منظمة "الأرغون" عن إمكانية تفشي داء الكلب، وفهمت "راحيل" الان سبب النصيحة اليهودية، وأنه لو كان هناك كلب حراسة واحد في القرية لأفشل العملية.

على بعد خطواتٍ منها، جثم "باروخ نادل" ورشيشة البرن تلتصق بصدره بتوتر ظاهر، مع أنه كان يعلم بأن رفاقه قد أحاطوا بالقرية الامنة من كل الجهات منتظرين الأوامر، ومن العتمة خلفها برز "تسيون كوهين" قائد العملية حاملاً جهاز ارسال بريطاني الصنع بلونه الزيتي الباهت، وبصوت خفيض أخذ يبث الحيثيات إلى "مردخاي كوفمان" في مقر القيادة في "غيفات شول" مفصلاً حركة وحداته المهاجمة ومواقعها، ومبيناً أن سكان القرية من الفلسطينيين لم يكتشفوا الأمر. في السادسة تماماً أعطي الأمر بالهجوم "أحدوت". انطلقت صلية "ستن" تخرق الهدوء وتبعتها الرشاشات الثقيلة تدوي بصخب، سرعان ما تناثرت رقائق اللبْن ونثار الأخشاب من الأسطح والنوافذ، وانهارت أبواب المنازل الخشبية العتيقة، قفزت "راحيل" من المكمن كما دربت مراراً، واتجهت إلى أقرب المنازل، كان بابه مخلوعاً وبقايا نافذة تتدلى محتضرة على الجدار، أطلقت راحيل صلية طويلة داخل البيت المكوَّن من غرفة عتيقة واحدة ثم قذفت رمانة يدوية أعقبتها بصلية نار قصيرة ودخلت. عندما اعتادت عيناها الظلام رأت أمامها جثة رجل كبير السن في قفطانه البالي وقد تناثر مخ رأسه. قلبته على ظهره بقدمها فلم تجد معه أي سلاح، وعلى مبعدة قصيرة منه جثة امرأة في عباءتها البدوية منخورة بالرصاص وخدها ملتصق بالتراب، وفي الزاوية كومتان من اللحم كانتا لطفلين في الخامسة أو السادسة من العمر.

خرجت راحيل إلى ساحة المعركة من جديد، وقرب منزل مختار القرية شاهدت "مائير خارزيون" شاهراً سكينه ذات النصل العريض الحاد. كان رفيقاه سيمون ورافائيل يمسكان بعربي بدت لحيته الكثة واضحة في نور الحرائق المندلعة في المنازل. تقدم منه مائير وبضربة خبير مزّق أحشاءه بالعرض، لم تسمع راحيل صراخه بعدما طغت عليها أصوات الطلقات وضحكات الرجلين اللذين رفسا الجثة بحذاءيهما العسكريين، ثم أخذا يتلفتان حولهما للبحث عن ضحية أخرى. واختلطت الأشياء وراحت راحيل تعدّ الجثث ومعظمها من النساء والأطفال والعجَّز، واحد، اثنان، عشرة، عشرون، ماية مايتان، حتى أعيت، كانت كل جثة قد اتخذت وضعية خاصة بها، غير أنها اشتركت جميعها بنظرة الرعب البادية في الأعين. بغتة، سمعت صوت "بشاهياز يلبنسكي" فاقتربت منه، سمعته يكرر على جهازه مخاطباً "يهوشع زيتلر" في مقر قيادة ليحي، أن هناك عشرة من النساء والأطفال قد نجوا، وسأل عما يجب فعله بهم، "نحن لا نريد شهوداً فلماذا تسأل" قال زيتلر وأردف بعصبية "نفذ مأموريتك"، تطلع بشاهياز إلى راحيل للحظة ثم التفت إلى شريكه كوفمان متطلعاً إليه، قام باروخ نادل بجمع النسوة والأطفال قرب جدار غير عابئ بصراخهم ونحيبهم ثم فتح النار من رشيشته عليهم حتى فرغ مشط ذخيرته فأبدله باخر، وتابع الرمي حتى تيقن من مقتل الجميع، استدار وعبأ سلاحه بمخزنٍ جديد، ثم اتجه إلى داخل القرية تتبعه راحيل. أشرقت الشمس أخيراً، ورأت جثث مائتين وسبعين ضحية مرمية بين الأزقة وساحة قرية كان اسمها دير ياسين، ورأت القوة اليهودية المهاجمة وهي تغادر غير عابئة بما عليها من دماء. ومن يومها، لا تزال الشمس تمر كل يوم لترى هل عادت دير ياسين من جديد؟(1) ؟


(1) القصة حقيقية بالأسماء والتفاصيل، وتم حذف بعض الصور المرعبة منها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع