ولاء إبراهيم حمود
هل تحلُّ الدروس الخصوصية مشكلة الضعف الدراسي لدى التلميذ؟ سؤال طرحته على شخصيات هذا التحقيق وعدت بالإجابات التالية:
* سلبيات وايجابيات:
* أم يوسف: أم لطفل صغير، بدأت حديثها بالدعاء لأهلها بالمغفرة، لأنهم لم يعلِّموها، بحيث اضطرت لاستقدام معلمة لابنها وهو ما زال في مرحلة رياض الأطفال، لأنها تجهل اللغة الفرنسية، وتطمح إلى دفعه نحو التفوق، عن طريق دور هذه المعلمة البديل لدورها. وهي لا ترى في هذا الدور من سلبيات سوى العبء المادي المضاف إلى الأقساط المدرسية، ولكنه الضمان الوحيد لتفوق ابنها.
* أم حسن إبراهيم: دبلوم في اللغة العربية وآدابها وأم لأربعة أولاد، ومع ذلك، احتاجت لمدرِّس خصوصي لابنها في مادة "الرياضيات" قبل شهر من الإمتحانات الرسمية، وقد فاز ابنها وبهذه المادة تحديداً بعلامةٍ مميزة. لم يكن بإمكانها هي تعليمه هذه المادة لعدم إلمامها بها. ترى أم حسن أن الأهل المتعلمين طبعاً يبدأون مع أولادهم ومنذ اليوم المدرسي الأول رعايةً تدريسية وإشرافاً تربوياً، يفوق آلاف المرات دور الأستاذ الخصوصي المقيّد بزمنٍ محدَّد لا يتجاوز الساعتين. وهي تعتبر هذه العناية طبيعية مُلزمة للأهل ولازمة للأولاد. ولأنها كانت تدعم أولادها بنفسها منذ صفوفهم الأولى، لم تعرف في تدريسها لهم ما يمكن أن يعرفه سواها مع مُدرِّس خصوصي آخر. مشكلة واحدة فقط صادفتها، عندما رفض ابنها قبل امتحاناته الرسمية بشهرين مُدَرِّسةً وهو الشاب في الخامسة عشرة من عمره، وأصرَّ على الاستعانة بأستاذه في المدرسة. وقد أدى هذا الدعم إلى النجاح فنسي كما فعلت أمه الإضافة المادية التي اعتبراها معاً أقل من هدية لمن ساعد في تحقيق هذا النجاح ومن الدورة الأولى.
* أم علي هاشم: الموظفة في السلك التعليمي نفسه وأم لخمسة أولاد، استعانت بمدرِّس خصوصي لأبنائها، بسبب ضيق وقتها وحاجة أولادها إلى رعاية أكبر من قدراتها بعد نهار عمل مرهق. وقد رأت في الدروس الخصوصية سلبيات كثيرة، لأنها عبء نفسي إضافي على التلميذ المحتاج إلى الترفيه والراحة، كما تفرض على المنزل نظاماً خاصاً لا ينحصر بالتلميذ نفسه، بل بحركة إخوته وضيوفهم في وقت محدود مخصص له، ناهيك عن الالتزام المادي الجديد المرهق. وترى أم علي أن هذا الدور يتكامل مع دور المدرسة ولا يوقفه، وترى فيه تنوعاً يكسب ولدها غنىً في الطرائق التعليمية، المهم نتائج العام الدراسي المكللة بالنجاح.
* ولأنها بيت القصيد وموضوع البحث، أجابتني باندفاعة عمرها العفوي الطالبة في الثانوية العامة ملاك ناصر الدين، 17 سنة، عن مدى استفادتها من الدروس الخصوصية، التي ساهمت في رفع علامتها في مادة الرياضيات بعد أن استعانت بأستاذ خصوصي، لا معلمة، لندرة المعلمات الخصوصيات في هذه المادة وهذه المرحلة الدراسية العالية. وهي تتكئ على جو الانضباط العائلي، الذي ربما يتهاون قليلاً مع معلمة، خلافاً للأستاذ الذي تنحصر أحاديثه في شرح الصعوبات الرياضية، على مدى ساعتين أحياناً، حيث تكون لها منفردة، كل الفائدة التي لا تتوفر لها في المدرسة بين ثلاثين تلميذاً، على مدى خمس وأربعين دقيقة. وتعيد ملاك حاجة الطالب الثانوي إلى دروس خصوصية في المواد العلمية إلى صعوبة التعاطي مع المنهجية الحديثة، التي تدعي الفاعلية وتفتقد إلى مراعاة اختلاف القدرات الذهنية والميول بين الطلاب. وتعاني ملاك وهي ترى أهلها يدفعون طواعية ما حرموا منه أنفسهم لأجلها ولكنها معاناة. تدفعها إلى بذل الجهود بعد انتهاء الدرس الخصوصي، لكي تصل إلى النجاح المرجو.
* ولأنها القضية ومحورها، أدلت الآنسة زينب الطحان بآرائها بصفتها مُدرِّسة خصوصية سابقة، غادرت كل أشكال التعليم متجهة إلى الإعلام، معتبرة أن معاناة الأستاذ الخصوصي تفوق معاناة الأستاذ العادي، لأنه يتحمل أمام المدرسة والأهل، نتائج فشل التلميذ ونجاحه، لأنه بديلٌ عن الجميع، بنظرهم جميعاً، وهذا ما لا يواجه به الأستاذ في المدرسة، الذي قد يقدِّم في بعض المدارس التي تدّعي الريادة، تقييمات مزيفة تهدف إلى رفع أسهم المدرسة في محيطها، ولكن الامتحانات الرسمية سرعان ما تفضح هذا الزيف. وهذا ناتجٌ عن سوء فهم لدور الأستاذ الخصوصي، الذي تراه زينب رسالياً يبحث عن حل لمشكلة التلميذ الحقيقية لحل واجباته اليومية الروتينية، وذلك بالتعاون مع المدرسة والأهل لكشف نقاط ضعفه في مهارات محدّدة، لعلاجها مباشرة، كي يستطيع بعد أشهر قليلة من العلاج المُركز، الاستغناء عن هذه الدروس، بعد أن يعتاد على الاتكال على نفسه في استحضار دروس النهار والانطلاق إلى مرحلة أخرى بثقة. كما يعاني الأستاذ الخصوصي من ضعف تلاميذه وبطء استيعابهم، وتدخل الأهل السلطوي دون فهم لحقيقة دوره أو ضعف ابنهم.
* تجربة خاصة:
يرى الأستاذ عماد شاهين ناظر عام في ثانوية الإمام الخميني قس سره كان يدير معهداً للدروس الخصوصية في حارة حريك، قبل أن تدمره صواريخ الحقد الإسرائيلي في عدوان تموز 2006 يشدد على أهمية تخفيف العبء النفسي عن التلميذ الهارب من ضغط النظام المدرسي الصارم، وذلك بتخفيف قيود هذا النظام في معهد يسمح بتناول المرطبات أثناء الدرس، كأن التلميذ في كافيتيريا يطالع فيها دروسه مطالعة حرة، موجهة من قبل اختصاصي بغياب قانون الثواب والعقاب الذي يرهب التلميذ فينفر، وتخفيف ثقل العبء المادي على الأهل، حيث يتقاضى المعهد مبالغ زهيدة مقابل الدرس في جو طبيعي خالٍ من الضغوط، هما أحد أهم أسباب إنشاء هذا المعهد، الذي يتجنب حشو ذهن التلميذ بمعلومات مكررة، بل استعادة طرق درس التلميذ بعد إكتشافه المعلومة بنفسه. كان الأستاذ شاهين يطمح قبل تدمير معهده إلى جعله مجانياً، يعنى بالمشاكل النفسية المسؤولة غالباً عن الفشل، وهو يدعو إلى تعميم هذه التجربة في المدارس عبر حلقات دعمٍ حرة للتلميذ، لأنه يرفض إضاعة وقت التلميذ في ما تم شرحه في النهار، بل يسعى إلى حل المشكلة من أساسها الرابض في ذاكرة سنوات التعليم الأولى.
* الرأي التربوي:
ولأنه الخبير التربوي الكبير، الذي يمتلك في هذا المجال خبرة التأسيس والتأثيث، تشهد له بذلك مدارس جمعية التعليم الديني والمبرات الخيرية، أترك له إعطاء خلاصة التحقيق ليكون الختام مع الدكتور محمد رضا فضل اللَّه الذي يقول: درجت العادة لدى بعض الأهل على اختيار معلمين خصوصيين لتعليم أولادهم دروسهم خارج إطار الدوام الرسمي، بهدف دعم حالات الضعف لديهم، ومساعدتهم على تخطي الصعوبات التعلمية... وهذا مما يسبب لهم ضيقاً مادياً من جهة، وتوتراً نفسياً من جهة ثانية... فالولد يشعر بالضيق، فبعد أن أمضى نهاراً طويلاً في الدرس، عليه أن يتابعه في مدرسة ثانية بعد الظهر، وهذا مما يسبب له كراهية لكل ما يتعلق بالعلم والتعليم، حيث تزداد حالته المدرسية سوءاً. على هذا الأساس، نعتقد أن اعتماد الدروس الخصوصية هو حالة استثنائية لا تعتمَد إلا في الحالات المرضية التي لا تستطيع المدرسة علاجها لوحدها في الأوقات المحدودة. الأصل هو أن تتولى المدرسة بمناهجها وأساليبها مساعدة الولد ودعمه في نشاطات إضافية ملائمة.
أما الحالات التي تحتاج إلى دعم خارجي فيمكن أن نختصرها بما يلي:
حينما يكون الولد متواضعاً في قدراته العقلية، التي تنتج لديه بطءً في التعلم والاستيعاب. حينما يكون لديه ضعف موروث متراكم في بعض المواد الدراسية، لا تستطيع المدرسة معالجته في أوقاتها المحددة. أو حينما يكون الأهل في وضع اجتماعي ضاغط، لا يستطيعون الإشراف على تدريس أولادهم. إنطلاقاً من هذه الحالات، على المدرسة وبالتنسيق مع الأهل تشخيص حالة الولد، وتحديد نقاط الضعف وطرق علاجها، لتستعين بمعلمين أخصائيين في هذا المجال، تُرسم فيها البرامج الخاصة التي تساهم في العلاج وتخطي الصعوبات في فترة زمنية محددة، يعود فيها الولد إلى وضعه المدرسي العادي كبقية رفاقه. علينا أن نترك الولد يتعلم على سجيته وعفويته مع بعض الإشراف إذا كان وضعه عادياً. أما أن نعيش الوسواس فنختار له معلماً يساعده في دراسة دروسه وكتابة فروضه، فهذا أمر غير مقبول، لأن الولد ينشأ اتكالياً، لا يتمتع بالثقة والاحترام لقدراته وإمكاناته، بل بالعكس، فإنه يساهم في تأخره في تحصيله الدراسي.