مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الوعد الصادق أمير إبراهيم فضل الله (السيد جهاد)

نسرين إدريس قازان

 




اسم الأم: مريم سبيتي
محل وتاريخ الولادة: عيناثا 10/03/1971
الوضع العائلي: متأهل وله ولد (استشهدت زوجته وولده)
رقم السجل:3
محل وتاريخ الاستشهاد: مثلث الانتصار - بنت جبيل 28/07/2006

ربما لاح وجه خضر في بال أمير وهو يقارع العدو الإسرائيلي ويلاحق فلوله من محور إلى آخر، وربما خطر له أن أول شيء سيقوم به إذا قدّر له الله عز وجل أن يعود إلى بيته، أن يفتح ذراعيه له، فيركض ابنه ناحيته ضاحكاً، مردداً الأهزوجة الخالدة في أذهان الأطفال عند استقبال آبائهم: "جاء بابا..". ولا ريب أن وجهها أيضاً سطع أمامه سنا برقٍ.. وجه أمه.. تذكَّرَ نظرة عينها؛ شمس عمره.. خبز يديها؛ ملح الحياة.. سمع صوت زغاريدها بين الرصاص حينما سمعت خبر عملية الأسر في الثاني عشر من تموز، وكيف وزعت الحلوى وكعك العباس على الأهل والجيران..

* أيام الحصار
سأل نفسه كيف تراه يكون القلق المحاصر بالفزع والخوف؟ كيف حال أمه ووالده؟ ماذا تفعل الآن زوجته وطفله؟ وزهراء أخته الصغيرة، ستبقى صغيرته المدللة حتى وإن وضعت خاتم الخطوبة في إصبعها!! يا سبحان الله، هل كتب على زهراء أن تشاهد كل المفاصل المؤلمة في بيت العائلة في عيناثا؟! قبل أيام كان يستطيع الذهاب للاطمئنان عليهم، أو حتى الاتصال بهم وبإخوته، وها قد مرت أيام لم يلتقِ بأحدٍ من عائلته التي حوصرت في عيناثا..

* فتيان مقاومون
ذلك البيت حيث تربى أمير، كان ملتقى للراغبين في تعلم أصول الدين، حينما كان جده يقطن معهم، فتتلمذ هو وإخوته على يديه. كان أمير وأخوه أحمد متلازمين دوماً؛ في المدرسة، مع الرفاق، في المسجد، وحتى في صلاة الليل التي علمهم إياها الجد فواظبا عليها وهما صغيرا السن. كانا يستيقظان باكراً للذهاب إلى مسجد القرية وهما فتيان، في الزمن الذي كانت فيه سلطة العدو الإسرائيلي وعملائه اللحديين في أوجها، غير أنهما أرادا بهذا التصرف أن يتحديا العملاء تحدياً صارخاً وصريحاً، فما كان من أحد العملاء إلا أن تكفّل بمراقبتهما يومياً، إلى أن جاء يوم ومعه دورية إسرائيلية تمهيداً لاعتقالهما. ركضا في أزقة القرية هرباً من الاعتقال، حتى وصلا إلى منزل امرأة عجوز خبأتهما بين الحطب، ولم يستطيعا العودة إلى البيت إلا عند الغروب. ولكن العدو عاد واعتقلهما مع أختهما في العام 1986ليوم واحد، بتهمة المواظبة على الحضور في المسجد، ورشق الدوريات الإسرائيلية لدى مرورها في البلدة.

* ... وأم مقاومة
تعلم أمير وإخوته من أمهم الكره الشديد للصهاينة والعملاء، ورأوها وهي تتحداهم غير مرة، ما عرّضها للكثير من المضايقات، وفي بعض الأحيان للاعتقال والضرب، وحاول العملاء تجنيدها إبان وجود أولادها في بيروت، فخابوا، وكانت تردد كلمة واحدة كانت تقولها لأولادها: "إذا تعاملتُ يوماً مع جيش لحد اقتلوني".. لم تقبل الأم في يوم من الأيام ترك منزلها، ما جعلها وأولادها عرضة للتهديد الدائم. وفي يومٍ من الأيام طُرد أمير من المدرسة بسبب إشكالٍ وقع بين أحد الأساتذة العملاء، وبين أخيه أحمد، فما كان منه إلا أن وقف مع أخيه ودافع عنه. بعد ذلك، ذهب أحمد إلى بيروت وبقي أمير في القرية يعملُ في مهنٍ مختلفة. وفي شباط من العام 1988 ضُبطَ أمير متلبساً وهو يكتب شعارات ضد العدو على جدار في القرية، فاعتقلوه بعد عودته إلى المنزل، وسرعان ما أطلق سراحه في اليوم التالي، ليلتحق مباشرة بإخوته في بيروت..

* الأخ الشهيد
ومع أحمد، مشى أمير خطوة خطوة في طريق الجهاد. ولم يكن لهما عن هذا الخيار بديلاً. كان أمير شاباً هادئاً يعشق المغامرات، حساساً مرهفاً، يعشق الحياة الاجتماعية، ويضع نفسه في خدمة غيره بابتسامة عريضة، ولم يكن لينتظر أحداً لكي يطلب إليه خدمة، فيكفي أن يشعر بذلك ليبادر إلى المساعدة. وما كان يلفت النظر إليه، أنه على الرغم من معاناته من مشكلة في سمعه بسبب تعرضه لحمىً قوية في طفولته، كان يتفاعل مع الأحاديث بشكل طبيعي بين الناس وإن كان يسمعهم بصعوبة.. وكما كان واثق الخطى في طريق الجهاد، لم يتغير أمير في سلوكه الروحي، ولم تؤثر عليه بيئة بيروت المختلفة كثيراً عن بيئة القرية أيما شيء، بل ظلَّ أميرٌ مع أحمد ينطلقان من المسجد ويعودان إليه، إلى أن كان يومٌ مشى فيه أمير لوحده في الطريق، بعد استشهاد أخيه أحمد في إحدى العمليات العسكرية للمقاومة الإسلامية. لم يُعلَن عن اسم أحمد قبل أن تصل الأم إلى بيروت، وبقي الوالد في القرية نظراً لحالته الصحية الصعبة، وما إن أذيع الاسم، حتى اعتُقل الأب وتعرض لأبشع أنواع التعذيب قبل أن يُرمى في حقلٍ بعيد أنقذه منه أحد المارة.  لم يمضِ وقت طويل على استشهاد أحمد، حتى زارت الأم سماحة السيد حسن نصر الله الذي هنأها بشهادة ابنها، فقالت له يومها إنها قدمت ولداً واحداً، ولكن أبناءها سيمشون في طريق الجهاد حتى الشهادة بإذن الله. بعد ذلك، عادت إلى بيتها في عيناثا غير عابئة بكل المضايقات والملاحقات التي سببتها تلك المقابلة، فقد كانت امرأة صابرة وصلبة.

* جهاد توّج بالشهادة
في العام 1999 تزوج أمير، ورزقه الله عز وجل طفلاً اسماه "خضر". وسرعان ما تحرر الجنوب في أيار من العام 2000، ليعود أمير مباشرةً مع عائلته إلى قريته عيناثا حيث استقر، وبدأ العمل في مستشفى صلاح غندور. عُرف أمير في عمله بشدة إخلاصه ومبادرته، وحلمه وسعة صدره. ومنذ اليوم الأول لبدء العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، حمل سلاحه ووقف مع المجاهدين ليكون واحداً من أولئك الذي سطروا أروع الملاحم البطولية في بنت جبيل وعيناثا.. بينما كان أمير في ساحة النزال، بقيت الأم وزوجها، وزوجته وطفله، وأخته زهراء في البيت، حيث جعلوا منه مركزاً لتأمين الطعام للمجاهدين، ومحطةً للعلاج السريع للجرحى، فكانت الأم تخبز للمجاهدين يوماً كعك العباس، وفي اليوم الثاني خبزاً على الصاج، وكانت تداوي الجرحى قبل أن يتم نقلهم إلى المستشفى. وبينما كان أمير ورفاقه في التحام مباشر مع الجنود الصهاينة، ظهرت على وجهه علامات البشر والسرور، وقد طلب إليه رفاقه أن ينسحب إلى مهنية بنت جبيل، فأخبرهم أنه رأى السيدة الزهراء عليها السلام وسيذهب إليها، ولن يستطيع أحد منعه، فاشتبك عدة مرات مع الجنود قبل أن يستشهد في الثامن والعشرين من شهر تموز..

* في جنة الخلد كان اللقاء
لم يأتِ أحد ليبلغ الأم والزوجة والابن والأخت عن شهادة أمير.. لأنهم كانوا جميعاً قد استشهدوا تحت ركام المنزل مع الشهيد المقاوم أحمد جغبير، الذي كانت تسعفه الأم من إصابته، إثر غارة إسرائيلية في فجر اليوم السابع والعشرين من تموز. وقد نجا والد أمير بأعجوبة، لأنه كان في تلك اللحظة قد خرج من القبو ليتوضأ لصلاة الفجر. قتل أمير وجرح عدداً من الجنود الصهاينة، وها قد نال ما حلم به طوال عمره. وَلَكَم كانت ستفخر به أمه لو زفته شهيداً، ولكنها أبتْ إلا أن تنتظره وعائلته في جنة خلد عند مليك مقتدر..

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع