إعداد: نبيلة حمزي
يعيشان في رحمٍ واحد وقد يكونان متشابهين في الصفات أو مختلفين وقد يزيد عددهما عن الاثنين وقد يكونان ذكراً وأنثى أو ذكرين أو أنثيين، فإذا خرجا إلى الحياة وكانا من النوع المتطابق أو المتشابه فإنهما يلفتان النظر، لنقول بكل عفوية: "سبحان الله". فما أجمل أن نستمتع بمنظر توأمين جميلين في كل شيء! منظر يخبئ وراءه تعب أهل مضاعف للوصول إلى تربية مثلى. عالم التوائم وأسراره الجميلة نكتشفها في هذا التحقيق. لكل واحد طباعه لـكـن بـالمقابــل ألـــحـظ تـعلّقهم ببعضهم فهم يأكلون، ويلعبون وينامون سوياً.
* أنواع التوائم
يوجد نوعان أساسان من التوائم، الأول هو التوائم الأخوية أو غير المتشابهة، وهذا النوع من التوائم لا تظهر عليه ظاهرة الشبه التام في الشكل، لذلك تُعرف هذه التوائم بالتوائم الأخوية، وتعرف أيضاً بالتوائم ثنائية البويضة، أما الثاني فهو التوائم المتشابهة أو المتطابقة. وسبب تكوين هذا النوع من التوائم هو انقسام البويضة إلى خليتين، لتواصل كل خلية نموها إلى أن يتكون الجنين الكامل. ولما كانت التوائم هنا تتكون من بويضة واحدة فإنها تتشابه من جميع الوجوه حتى على مستوى جنسها، فهي إما ذكور أو إناث.
* التوائم بالأرقام
بعكس ما يعتقد أغلب الناس عن تشابه أغلب التوائم، فإن الإحصائيات العالمية تؤكد أن نحو ثلاثة أرباع التوائم لا يتشابهون. ويناهز عدد التوائم 125 مليون شخص في العالم (ما يقارب 1.9 % من عدد سكان الأرض). وبالنسبة لعدد سكان العالم فإن عدد التوائم يشكل 0.2 % منه. وبالعودة إلى الإحصائيات فمن كل 80 حمل لامرأة يُسجَّل حمل واحد لتوائم.
* توائمٌ بين التشابه والاختلاف
تختلف تجارب تعاطي الأهل مع التوأمين من جهة وتعاطي التوأمين أحدهما مع الآخر من جهة أخرى. وفيما يلي نسلّط الضوء على بعض التجارب من هذا العالم. تؤكد منال والدة التوائم الثلاثة فاطمة ونور وجواد علوية (3 سنوات)، أنّ تجربتها في التعامل مع توائمها صعبة قائلة: "منذ أن منّ الله عليّ بأولادي بعد سنوات من الانتظار، أحسست أنّي بحاجة إلى الكثير من الصّبر والتحمّل والجهد لتأدية واجبي في تربيتهم وحفظ الأمانة التي وضعها الله بين يديّ".
وعن طبيعة توائمها تقول منال: "بالإضافة إلى عدم تشابههم في الشكل، فإنّ لكل واحد شخصيّته وطباعه التي تميّزه عن الآخر، لكن بالمقابل ألحظ تعلّقهم ببعضهم بعضاً فهم يأكلون، ويلعبون وينامون سوياً".
زهراء وفاطمة (20 عاماً)، لا تشعران أبداً بأنهما توأمان، والسبب برأيهما يعود إلى الاختلاف الكامل في الشكل.
من جهتها أم علي عايدة (والدة فاطمة وزهراء) تؤكّد أنها حرصت على أن يكون لكل منهما شخصيّة مستقلّة، فمنذ ولادتهما وهي تلبسهما ثياباً مختلفة وتشتري لهما ألعاباً مختلفة.
فضل وعدي شرف (28 عاماً)، توأمان متطابقان، وهما متعلقان ببعضهما بعضاً كثيراً، ومنذ طفولتهما يقومان بنفس المبادرات، فإذا أحسَّ الأول بالجوع وتوجه إلى المطبخ ليأكل يتفاجأ بوصول الآخر. وفي هذا يقول فضل: "جميل أن يكون لديك أخ يشبهك في الشكل وحتى في طبيعة التفكير، لكن هذا التعلّق والشّبه لا يعني أن لا يكون لكل منّا شخصيّته المختلفة".
* الرّأي التربوي
وجود توأمين في الأسرة معناه مضاعفة مسؤولية الوالدين بسبب وجود ضرورة حتميّة لعمل مزدوج لمعرفة كيفية التربية الأفضل للتوائم. قصدنا الأخصائي التربوي "علي رسلان" ودار بيننا الحوار الآتي:
ماذا يعني إنجاب الأسرة لتوأمين من الجانب التربوي؟ ممّا لا شكّ فيه أن تربية الأطفال عموماً هي من أدقّ المهمّات الملقاة على عاتق الأهل، وتزداد هذه المهمّة حسّاسيّة كلّما اتخذت مسألة الأطفال مسلك الحالات الخاصة... ولعلّ الأسرة التي ترزق بتوأمين هي واحدة من الأسر التي تبذل جهوداً إضافية في التخطيط والتحضير وتلبية الاحتياجات والتربية بأوسع مدلولاتها، وبكل بساطة فإنّ صعوبة تربية التوأمين مضاعفة مرات أكثر من تربية الطفل الذي يولد منفرداً. ويزداد الأمر صعوبة في حال كان التوأمان باكورة أولاد الأم وأول أبنائها؛ فبالإضافة إلى صعوبة التعامل مع أكثر من طفل وتلبيتهم في وقت واحد، فإنّ كون الأم أمّاً للمرّة الأولى يتطلب جهوداً قياسيّة، ومساعدة ضرورية من الأب والأقارب، في ظلّ الإرباك الذي يصيبها.
* شعور التوأمين
هل يفضل في الجانب التربوي أن يُفصل بين التوأمين ليكون لكل واحد منهما شخصيته؟
كثيراً ما نرى الأهل يلبسون أبناءهم التوائم ملابس متشابهة، ويسعون إلى إظهارهم بشكل موحّد، ويسمونهم بأسماء متقاربة... ولكن ما ينبغي قوله هنا، إنّ الفصل أفضل من الوصل، وتربية كل طفل من التوأمين بشخصية مستقلة أفضل من تربيته متشابهاً مع أخيه، وإن كان ذلك، فلا مانع من تشابه الملابس في السنوات الثلاث الأولى، لكن استمرار ذلك يؤثر سلباً على شخصية التوأمين، ونظرة الناس إليهما ككيان واحد، ومخاطبتهما كشخص واحد. الأمر الذي يؤدي إلى ذوبان شخصية كل منهما في الآخر. إن ما يسمّى بـ"شعور التوأم" يفرض على التوأمين إحساس الحاجة لبعضهما بعضاً... وقد أثبتت الدراسات أن هكذا توائم يعانون حين يتخذون مسالكهم الخاصة المستقلة كالزواج أو العمل أو اختلاف الدراسة...
* تعمّد الاختلاف
هل من نصائح ترونها مناسبة للمساعدة في تربية التوائم؟
ننصح الأهل عادةً أن يطلقوا على أبنائهم التوائم أسماء غير متشابهة، فكثيراً ما يصادفنا توأمان بأسماء: "حسن وحسين"، و"منى وهنا"... مما يشكل إرباكاً للناس من جهة في التعامل معهما، وإرباكاً للتوأمين من جهة أخرى. وقد يسبّب هذا مواقف طريفة أحياناً ومحرجة أحياناً أخرى... كذلك من الأفضل أن يكون الملبس مختلفاً وكذلك المظهر، بحيث يسهل تمييزهما بطريقة أسرع. وعند شراء الألعاب يجب تخصيص كل واحد منهما بألعاب خاصة، وذات الأمر ينطبق عند انتسابهما إلى النوادي وانتقائهما الاختصاصات. ولعلّ من فوائد هذا الفصل، تجنّب دفع الطفل لاحقاً إلى التمرّد على أخيه وأهله والمحيط، والخروج من ملازمة الشقّ الآخر له!
وبالإضافة إلى ما ذكرناه من طريقة التعاطي مع التوأمين، فإنه لا بد من تقديم مجموعة نصائح للأم خصوصاً والأهل عموماً، منها، كما ذكرنا، اختيار أسماء غير متقاربة لتوأمين، تعزيزاً لكينونة كل واحد منهما. والأمر ينسحب كذلك على الملبس والمظهر العام، وإلى ضرورة عدم التعاطي معهما كدميتين، أما على صعيد الاهتمام، فلا يجوز مثلاً أن يتقاسم الأم والأب مسؤولية الاهتمام بكل واحد من التوأمين على حدة، فالتوأمان بحاجة إلى رعاية مشتركة ومتساوية من الطرفين.
* عدوى الانفعالات
هل لوضع التوائم في نفس السرير تأثير أيضاً؟
كثير من الأمهات يضعن التوأمين في سرير واحد. والتوائم المتشابهة الجنس قد لا تنفصل عن بعضها بعضاً عند النوم حتى سنين متأخرة. والأصح أن يكون لكل منهما سريره منذ البداية فهذا له أثر نفسي مهم، لأن بكاء الطفل في سريره يجرّ إلى بكاء الآخر وهذا ما يسمى بعدوى المشاعر والانفعالات، ما قد يتطور لاحقاً ويسبب انفعالات متشابهة أيضاً.
ما هي الطريقة المثلى لحل النزاعات التي تحصل بين التوائم؟
قد يكون الأطفال التوائم أكثر عرضة للتشاجر وربما غيرة أحدهما من الآخر، وهنا على الأهل أن لا يلعبوا دور القاضي، بل عليهم أن يبسّطوا هذه المشاكل، ويتركوا أمر حلّها لهم وبطريقتهم الخاصة، وفي حال تطور الأمر يجب التدخل لإعادة الهدوء دون الزجر والتهديد، بل بالإقناع والترغيب. وفي ختام الحوار أكّد الأخصائي رسلان على أهمية حثّ الأهل توائمهم على التعبير، كل واحد بشكل مستقل عن أخيه، ما يسهم في تعزيز الشخصية الفردية لكل منهما... والأهل المهتمون فعلياً يشجعون توائمهم على المضي بخيارات مختلفة ويحفزونهم لتكون رغباتهم متباينة، ولو تطلّب هذا الأمر مسؤولية إضافية منهم.
صورة جميلة يكلِّلها التعجب، ومشهد رائع تُتَوِّجهُ الدهشة، لتوائم زينت الدنيا وأشبعت الأعين برؤيتها، لكن الأهم ليس ما تراه العين، بل ما تبذله الأسرة لرسم صورة شخصية مستقلة لكل منهما وتُتَوِّج المشهد بقدرتهما على الانطلاق بحياتهما الخاصة، وسبحان الله على ما أبدع وصوّر.