تحقيق: يمنى المقداد الخنسا
يشهد بعض المجتمعات نوعاً من الفوضى العارمة تؤدّي في الغالب إلى حدوث تخلّف مجتمعي وبيئي على حدّ سواء. وفي حال كانت هذه المجتمعات ذات طابع إسلامي فإن الأمر خطير لأنه يعكس صورة مشوهة عن المسلم ودينه وعن عرفه الأخلاقي. وقد يردُّ بعضهم مسؤولية انتشار السلوكيات العشوائية السلبية على اختلاف صورها إلى ضعف الرقابة الرسمية في حين يدرجها آخرون في إطار غياب الرقابة الذّاتية أو ضعف الوازع الديني أو سوء التّربية البيتية. ولكن مهما تنوعت الأسباب واختلفت الآراء فإن نتيجة هذه الفوضى واحدة وهي تكريس وتوريث عادات سيئة. وفي هذا التحقيق حدّثنا مجموعة من الناس عن السلوكيات التي تزعجهم في محيطهم، حاولنا اختصارها بنماذج مختلفة، وسألناهم عن رأيهم حول بعض المسبّبات والحلول لها.
* النرجيلة
يُبدي موسى مرجي (28 سنة، حلاق، أب لولدين) استياءه وانزعاجه الشديدين من تجمع عدد من الشباب حول النرجيلة تحت شرفة منزله حتى ساعة متأخرة من الليل ومن الأصوات المرتفعة التي تصدر عنهم وعن هواتفهم النقالة. ويضيف: "لا أحد يمكن أن يتوقّع ما يصدر عن هؤلاء الشباب، ففجأة يمكن أن يقوموا بلعب الكرة ويعلو صراخهم وقد يصل الأمر إلى السباب والشتائم". ويعيد موسى سبب انتشار هذا الواقع إلى عدم مراقبة الأهل لسلوك أبنائهم وعدم توجيههم.
* أذى متعمّد
أما حنان (38 سنة، ربة منزل، أم لأربعة أولاد) فتعاني إزعاجاً من جارتها وتقول: "يرتفع صراخ جارتي بشكل دائم في تعاطيها مع شؤونها الأسرية وأحياناً ترفع صوت التلفاز والموسيقى في ساعات متأخرة من الليل مقلقةً بذلك راحة جيرانها الذين قد يكونون نياماً أو مرضى". حنان حاولت التكلم مع جارتها إلا أن الجارة كانت سلبية في ردة فعلها وطلبت من حنان الرحيل عن المكان إذا كانت منزعجة مما يحصل.
* عادات سيئة
كذلك تعاني هيام (35 سنة، ربة منزل) من أذى جيرانها الذي تجاوز مرحلة الأصوات إلى مرحلة الأفعال المؤذية، وتشكو من رميهم النفايات على شرفة منزلها ما يضطرها إلى الانهماك في تنظيفها عدة مرات في اليوم. وترى هيام أن المسؤولية تقع على الأم بالدرجة الأولى التي يجب أن تعوّد أولادها على النّظافة، منذ الصغر، وعلى اعتياد رمي النّفايات في المكان المخصّص لها. أما مصطفى (40 عاماً، موظف) فيعبر عن استيائه من الأشخاص الذين يرمون قمامتهم المنزلية في الشارع ويستاء أيضاً من أصحاب عربات الخضار والاكسبرس الجوالة ورميهم النفايات حيث يقفون، معتبراً أن ذلك يؤثر على جمالية الشارع ويلوّث البيئة كما يؤدّي إلى انتشار الأمراض؛ خاتماً بقوله: "إنّ نظافة شوارعنا تعبر عن نظافتنا الشخصيّة".
* فوضى الشارع
اصطفاف السيارات بطريقة عشوائية على جوانب الطرقات أمر يتسبب في ازدياد زحمة السير وقد يعدّ أحد الأسباب التي تدفع بعضهم إلى اقتناء الدراجات النارية والتي بدورها تحدث فوضى وحوادث مميتة وإزعاجاً تختلف أشكاله ليلاً نهاراً، أمور اختار حسين (40 عاماً، صاحب محل تجاري) التحدث عنها قائلاً: "ما يزعجني هو قيادة هذه الدراجات بسرعة جنونية في الأحياء السكنية ما يعرّض حياة الناس للخطر". وتعاني سلوى (45 عاماً، صاحبة محل تجاري) من هذه المشكلة فبعض الأشخاص يركنون سياراتهم أمام مدخل محلها التجاري فلا تتمكن من مباشرة عملها وتشرح قائلة: "أحياناً أنتظر نحو الساعة لأعثر على صاحب السيارة وأفتح المحل، وأحياناً أخرى أعود إلى المنزل لأنني لم أجد ما يدل على مكانه أو رقم هاتفه". وتواجه سلوى هذه المشكلة اليومية بالاكتفاء بمعاتبة صاحب السيارة معتبرة أن ركن السيارات في المواقف المخصصة لها أضمن لسلامة السيارات ولعدم الإضرار بأرزاق الناس وراحتهم.
* الألعاب النارية والمفرقعات
ومن السلوكيات المزعجة التي تتزايد في الآونة الأخيرة، الاستخدام المفرط للمفرقعات وإطلاق الأعيرة النارية في الأفراح والأتراح والمناسبات المختلفة. وهذه سلوكيات خطيرة برأي (علاء، 30 سنة، موظف في تعاونية) خاصةً وأنها أدت إلى حوادث وفاة كثيرة وحالات فقدان للبصر وبتر للأصابع فضلاً عن تسببها بإزعاج وحرائق في البيوت والمحال التجارية، والسيارات، وبخلافات كثيرة بين الناس. ويعتقد علاء أنّ الحلّ هو بمراقبة الشركات المروّجة لهذه الألعاب التي عليها أن توزع هذه المواد في الأسواق بكميات محددة وأن لا تحتوي المفرقعات على كميات كبيرة وخطيرة من المواد المتفجرة.
* الأسباب والحلول
وللإضاءة على الموضوع كان لنا لقاء مع مدير التوجيه الديني في قناة المنار الشيخ خضر الديراني الذي شرح لنا فيه أبرز الأسباب والحلول لهذه الفوضى الاجتماعية.
- توجد عوامل كثيرة تساهم في انتشار ونشوء سلوكيات تنافي الآداب المجتمعية والإسلامية وتسيء بصور مختلفة إلى بيئتنا ومجتمعنا. ما هو برأيكم العامل الأبرز المسبب لهذه المشكلة من الناحية الدينية؟ تشكل هذه المجموعة من السلوكيات السلبية ظاهرة في بيئتنا ومجتمعنا بشكل أو بآخر. وخلفيتها بالدرجة الأولى هي وجود تدين عند بعض الناس قائم على تقليد أكثر مما يقوم على معرفة حقيقية بالأمور الشرعية والدينية، لأنه في الآداب والنصوص الشرعية هناك كثير من الروايات تحث على النظافة ونظم الأمر واحترام الجار وتوقير الكبير وعدم أذية الآخر ومداراة الناس.
ففي القرآن الكريم، مثلاً، عندما أمر الله سبحانه وتعالى موسى وهارون بأن يخاطبا فرعون قال لهما: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ (طه: 44) يعني الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة أمر ضروري فكيف بالأذية أو بالصراخ أو بالسباب والشتائم أو بالإزعاج وأذية الناس على اختلاف الأشكال؟
- ماذا يترتب على اقتراف هذه السلوكيات من الناحية الشرعية؟ وما هي بالتالي آداب التعامل المفروضة إسلامياً؟ كل هذه الأمور هي من المحرمات من الناحية الشرعية إذا تركت أذىً على الآخرين، وهي معصية كالسرقة أو الكذب أو شرب الخمر...الخ وتزداد الحرمة والعقاب كلما ازداد الأذى سعةً وشمولاً أي أن يتحول إلى أذى للجماعة، على سبيل المثال، التدخين في مكان عام لا يضر بفرد واحد فقط، بل بجماعة، وقد ورد في بعض الروايات ما مضمونه إن العرش يهتز من أذى المؤمن لأخيه المؤمن.
* من أين يبدأ الحل؟
- كيف يمكن للمؤمن أن يدفع عن الآخرين الأذى وأن يعين نفسه على عدم أذية الآخرين؟
توجد مجموعة من العناصر تدفع إلى تحسين صورة الإنسان لمسلكه وإلى دفع الأذى عن غيره ومنها:
1ـ يجب أن نبدأ بالمعرفة أولاً، فالجهل حتى مع التعبد يؤدي إلى ضلال، بينما التعبد مع العلم يؤدي إلى الصلاح. والإنسان عندما يريد أن يمارس فعلاً سليماً لا بد أن يعلم قواعد السلامة أولاً.
2ـ يجب أن نغرس المثل الأعلى أو النموذج. وهذا يبدأ من داخل الأسرة، أي عندما نكون في الشارع مع أبنائنا مثلاً لا يجب أن نرمي الأوساخ فيه، أو نوقف سياراتنا بطريقة تزعج الآخرين… الخ وبذلك نشكل نموذجاً وقدوة لأبنائنا.
3ـ ينبغي أن يكون موضوع التربية جزءاً من ثقافة عامة تمارس في المدرسة والشارع والبلدية والمؤسسات وكل الأماكن ... .
4ـ وجود الرادع، وهو أمر يمنع من ارتكاب المعصية أي لا بدّ من وجود عقاب، وهو أمر يخفّف من نسبة المخالفات والحوادث. وهذا أمر منطقي وطبيعي.
5ـ إن ترك واجب أو ارتكاب معصية أمر لا ينبغي أن يكون محتملاً في ساحة الإنسان المسلم الذي هو بحسب الروايات: "من سلم الناس من يده ولسانه"(1) أي أن لا يعتدي على أحد وأن لا يترك واجباً، وهذا هو الحد الأدنى الواجب المأمورون به.
6ـ يقول القرآن الكريم: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران: 110)، أي أن نكون مسلمين حقيقيين نمارس الفعل الأخلاقي الذي جعل الجار اليهودي المعادي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُسلِم على يديه بسبب أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم.
- ما هي أبرز النصائح التي يمكن أن توجهوها في هذا الصدد؟
عن الإمام الصادق عليه السلام مخاطباً شيعته: "معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً"(2). فكل منا عليه أن يتذكر دائماً أنه عندما يقوم بعمل سيئ فإنه يسيء إلى أئمته ونبيه وإسلامه.
وعنه عليه السلام: "افعل الخير مع أهله ومع غير أهله إن لم يكونوا أهلاً له فأنت أهل له".
(1) معاني الأخبار، الصدوق، ص 239.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 65، ص 151.