آية الله الشيخ مجتبى الطهراني(**)
عن سماعة، أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي مبتدئاً: "يا سماعة، ما هذا الذي كان بينك وبين جمّالك؟ إيّاك أن تكون فحّاشاً أو صخّاباً أو لعّاناً"، فقلت: والله لقد كان ذلك، إنّه ظلمني، فقال: "إن كان ظلمك فقد أربيت عليه، إنّ هذا ليس من فعالي، ولا آمر به شيعتي، استغفر ربّك، ولا تُعد"، قلت: أستغفر الله ولا أعود(1).
الفحش، والكلام البذيء، وسلاطة اللسان، والتفحّش والسُّباب، هي مصطلحات لها معانٍ متقاربة جدّاً، وقد ورد في الروايات عن المعصومين عليهم السلام ذمّها بشدّة، وهي تُعدّ من الأعمال المحرّمة، والممنوعة، والمحظورة. فما المقصود بالفحش؟ وما هي أقسامه، وأسبابه، ونتائجه؟ وكيف السبيل إلى علاجه؟
•من دواعي الفحش
ينقسم الفحش من حيث دواعي المتكلّم وقصده، إلى قسمين:
1- الفحش بقصد الإيذاء: قد يفحش الإنسان في قوله وفعله بقصد إيذاء الآخر، وتجريح مشاعره وعواطفه النبيلة، فالفحّاش في هذه الحالة، يُسيء إساءة بالغة لكرامة غيره، ويسعى إلى كسر شوكته.
2- الفحش بقصد السخرية: السباب والفحش والكلام السخيف، وإن كانت للسخرية والمزاح، من دون قصد الإيذاء، هي أمورٌ تُعدّ نوعاً من الإيذاء. وقد يعتاد الإنسان الكلام الفاحش أحياناً، دون قصد خاصّ ومحدّد؛ فهو أضحى يستغلّ بذاءة الكلام لغرض إيصال ما يصبو إليه من مقاصد وأهداف.
ومن أقسام الفحش أيضاً تقسيمه من جهة قبح الكلمات المستخدمة إلى رتب عديدة، بعضها سيّئ جدّاً وبعضها الآخر أقلّ سوءاً. ويختلف معيار السوء والقبح في كلام الأشخاص لدى الأمم والشعوب المختلفة؛ بمعنى أنّ الفحش قد يكون سيّئاً وقبيحاً في موطن ومدينة ما، وهو ليس بسيّئ وقبيح في موطن آخر ومدينة أخرى.
•الجذور الداخليّة للفحش
للفحش جذور عديدة تترسّخ في أحد العوامل الآتية:
1- الغضب والعصبيّة: قد يكون مصدر الفحش -غالباً- هو تأجّج نار الغضب الكامنة في أعماق الإنسان واتّقادها، فالفرد الغاضب، وبسبب عجزه عن السيطرة على الغضب والتحكّم به، قد يرتكب أفعالاً مذمومة وسيّئة كالفحش مثلاً، فإذا تكرّرت هذه الأفعال منه واستمرّت، فستصبح أفعالاً يوميّة، وأمراً طبيعيّاً في حياته الاجتماعيّة.
2- المزاح: قد يستخدم الفحش عادة للمزاح والسخرية مع فرد آخر فقط، أو لإضحاك الآخرين. ولهذا الفعل جذور وانطباعات في القوى الشهويّة.
3- العادة: قد تتحوّل التربية الخاطئة في أسلوب التخاطب والحوار لنوع من الكلام غير الملائم والمذموم، إلى أمر عاديّ يمارسه الإنسان عادةً في حياته اليوميّة. فقد يفحش في الكلام في مثل هذه الحالة من دون وقوع تخاصم أو تعارض بين قوّتي الغضب والشهوة؛ لأنّ الفحش أصبح للشخص المعتاد عليه أمراً طبيعيّاً وممارسة يوميّة متكرّرة في كلامه مع الآخر.
•النتائج المذمومة للفحش
للفحش والتفاحش أضرار ونتائج مذمومة وسيّئة في الدنيا والآخرة، يتعرّض لها الإنسان في طريقة تعامله الاجتماعيّة. ويمكن الإشارة هنا إلى النتائج الآتية:
أ- النتائج المذمومة للفحش في الدنيا:
1- إثارة مشاعر الآخرين من خلال الفحش: قد يؤدّي الفحش أحياناً إلى إغضاب الآخرين وإزعاجهم، فيضطرّهم إلى ارتكاب هذا الفعل المذموم. فقد يلجأ الفحّاش وهو يتناول مبادئ الآخرين وعقائدهم إلى الإساءة إليهم، فيتعرّض إلى سوء أقوالهم وأفعالهم، فيسيئون هم أيضاً إلى مقدّساته ومبادئه. وفي هذا الصدد قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا﴾ (الأنعام: 108).
2- إيجاد العداوة: يزرع الفحش بذور العداوة والبغضاء، والأحقاد الدفينة في قلوب الآخرين، ويثير نوازع العداوة والكراهية لدى الفحّاش، فبدل أن يكسب هذا الشخص صداقة الطرف الآخر وودّه، فإنّه يكثر من أعدائه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تسبّوا الناس، فتكسبوا العداوة لهم"(2).
3- خلق حالة من النفاق والازدواجيّة: قد يسوق الفحش عامّة الناس نحو النفاق والازدواجيّة في تعاملهم؛ لأنّهم يسعون جاهدين إلى البقاء بأمان من سلاطة لسان الفحّاش، وتوخّي أقواله وأفعاله، فيقدّمون له الودّ والاحترام تصنّعاً منهم له، لا لرغبة منهم في ذلك، بل لاتّقاء شرّه وإيذائه لهم.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيّته لأمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "يا عليّ، شرّ الناس من أكرمه الناس اتّقاء فحشه"(3).
ويظهر مع الفحش مضافاً إلى النفاق لدى الآخرين، نفاق القائل أيضاً، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الفحش والبذاء والسلاطة من النفاق"(4).
4- نزع البركة: روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "من فحّش على أخيه المسلم نزع الله منه بركة رزقه، ووكّله إلى نفسه، وأفسد عليه معيشته"(5).
فإذا أوكل الله شخصاً إلى نفسه، فسوف لن يرى وجه الصلاح والخير لنفسه أبداً، ويُسلب من حياته كلّ خير وبركة، وهذا هو معنى "فساد معيشته".
5- الإخراج عن العدالة: يمكن أن يغيّر الفحش مسار الإنسان الصحيح، ويبعده عن مَلَكة العدالة، ويضعه في عداد الفاسقين، كما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "سُباب المؤمن فسوق"(6).
6- عدم استجابة الدعاء: روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: كان في بني إسرائيل رجل، فدعا الله أن يرزقه غلاماً ثلاث سنين، فلما رأى أن الله لا يجيبه، قال: يا ربّ، أبعيد أنا منك فلا تسمعني، أم قريب أنت منّي فلا تجيبني؟ قال: فأتاه آتٍ في منامه، فقال: إنّك تدعو الله عزّ وجلّ منذ ثلاث سنين بلسان بذيء وقلب عاتٍ غير تقيّ، ونيّةٍ غير صادقة، فاقلع عن بذائك، وليتقّ الله قلبك، ولتحسن نيّتك، قال: ففعل الرجل ذلك، ثم دعا الله فولد له غلام"(7).
ب- من نتائج الفحش في الآخرة:
1- الحرمان من الجنّة: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الجنّة حرام على كلّ فاحش أن يدخلها"(8).
2- الدخول إلى النار: فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "البذاء من الجفاء، والجفاء في النار"(9).
•من أساليب معالجة الفحش
التفكير والتأمّل في النتائج المذمومة للفحش هما الطريق الأفضل والأسلوب العمليّ الأمثل في معالجة هذا المرض، والحدّ من تأثيره.
فالتذكير المستمرّ به، يُشعر بكراهية هذا الفعل، ويؤدّي إلى اقتلاعه من جذوره. وكذلك السعي إلى إزالة جذور هذا الفعل، وتهدئة الغضب والشهوة في داخله. فالتمسّك بلجامه والسيطرة على هاتين القوتين، هما نواة تحرير الإنسان من كافّة القيود الدنيويّة، والطريق والأسلوب العمليّ لمعالجة مرض الفحش، ومحاربته.
والتعوّد على القول الحسن يطرد عادة القبح وسوء الفحش في الكلام عن جسم الإنسان المريض أيضاً.
(*) من كتاب الأخلاق الإلهيّة، آية الله الشيخ مجتبى الطهرانيّ، آفات اللسان، ج4، ص 279- 290.
(**) عالم جليل في علم الأخلاق، من تلامذة الإمام الخميني قدس سره ومن مقرّري دروسه.
1.الكافي، الكليني، ج1، ص326.
2.وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 12، ص 217، ح 16348.
3.(م.ن)، ج 16، ص 34، ح 20902.
4.الكافي، (م.س)، ج 2، ص 325.
5.وسائل الشيعة، (م.س)، ج 16، ص 32.
6.الكافي، (م.س)، ج 2، ص 359.
7.(م.ن)، ج 2، ص 324.
8.مجموعة ورّام، ج 1، ص 110.
9.الكافي، (م.س)، ج 2، ص 323.