مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله: الولاية طريق الأمل


الشيخ نعيم قاسم


كيف يتدبَّر المؤمنون شؤونهم السياسيَّة والعامَّة في زمن الغيبة، ليطمئنوا بأنَّهم أدّوا تكليفهم الشرعي على أكمل وجه؟ من يحدِّد الأعداء الذين يجب قتالهم ما يجعل شهادة المجاهدين في سبيل الله تعالى، حيث لا يحق للإنسان أن يعرِّض نفسه للقتل إلاَّ بإذن شرعي؟ ما هي الصيغة الملائمة ليكون موقف الأمَّة الإسلامية المترامية الأطراف واحداً تجاه القضايا المصيريَّة التي ترتبط بها؟ هل يعقل أن يكون نبيَّنا خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله، وأئمتنا المعصومون، ونحن ننتظر خاتمهم الإمام المهدي عجل الله فرجه، ومع ذلك نكون مشتَّتين في مواقفنا وآرائنا وحشد إمكاناتنا، بدل أن نجتمع تحت قيادة شرعيَّة واحدة؟ ألاَّ تدل القواعد الشرعية الإسلامية على أنَّ القيادة واحدة، وعلينا أن نحدِّد الآلية التي توصلنا إليها لنلتزم بأوامرها؟

* إنَّهم حجتي عليكم
عن الشيخ الصدوق، عن الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألتُ محمد بن عثمان العمري (السفير الثاني) أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فورد في التوقيع المبارك المنسوب إلى صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه: "وأمَّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنَّهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله"(1). فسَّر الإمام الخميني قدس سره في كتاب البيع هذا الحديث بقوله: "لا إشكال في أنَّه يظهر منه أنَّ بعض الحوادث التي لا تكون من قبيل بيان الأحكام، يكون المرجع فيها الفقهاء"... ثمَّ قال: "بل المراد بكونه وكون آبائه الطاهرين عليهم السلام حجج الله على العباد، أنَّ الله تعالى يحتجُّ بوجودهم وسيرتهم وأعمالهم وأقوالهم على العباد في جميع شؤونهم، ومنها العدل في جميع شؤون الحكومة. فأمير المؤمنين عليه السلام حجة على الأمراء وخلفاء الجور، وقطعَ الله تعالى بسيرته عُذرهم في التعدي عن الحدود، والتجاوز والتفريط في بيت مال المسلمين، والتخلُّف عن الأحكام، فهو حجةٌ على العباد بجميع شؤونه. وكذا سائر الحجج، ولا سيما وليُّ الأمر الذي يبسط العدل في العباد، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويحكم فيهم بحكومة عادلة إلهية، وأنَّهم حجج الله على العباد أيضاً, بمعنى أنَّه لو رجعوا إلى غيرهم في الأمور الشرعيَّة والأحكام الإلهية - من تدبير أمور المسلمين، وتمشية سياستهم، وما يتعلَّق بالحكومة الإسلامية - لا عذر لهم في ذلك مع وجودهم"(2).

نستنتج حاجة الأمة إلى الولي القائد، وهو الفقيه العادل الذي يحكم بالإسلام، ويطبِّق تعاليم الشريعة المقدَّسة، ويحدِّد الموقف من القضايا المختلفة، وبهذا تستقيم أمور الأمَّة. من خلال أوامر الولي الفقيه يطمئن المؤمنون إلى أداء تكليفهم أثناء الغَيْبة، ويعرفون أعداءهم الذين يجب قتالهم ومواجهتهم دفاعاً عن الأرض والأجيال، وحمايةً لحياة المؤمنين وشؤونهم، ويتناغمون فيما بينهم على امتداد العالم ليكونوا جزءاً من مسيرة الحق والعدل على المستوى الإنسانيِّ، ويتوحَّدون بدل التناحر والمنازعة. الولي الفقيه عَلَمٌ ظاهر، فهو المتصدِّي لشؤون القيادة، والمحقِّق لشروطها وأهليتها، وعلى المؤمنين أن يتعرَّفوا إليه، ويوالوه، لأنَّها مسؤوليتهم في أداء تكليفهم وواجبهم، ومن كان منتظراً لصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه لا بدَّ أن يهيئ الأرضية الصالحة للالتحاق بركبه، وهذا ما لا يكون إلاَّ بمسار الجماعة التي تبني نفسها بقيادة ولي أمرها، الذي يسلِّم الراية عند الظهور لصاحبها أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.

* أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج
ولنتَّعظ من كلام الإمام المهدي عجل الله فرجه في التوقيع نفسه عندما قال: "وإنِّي لأمانٌ لأهل الأرض، كما أنَّ النجوم أمانٌ لأهل السماء، فأغلقوا باب السؤال عمَّا لا يعنيكم، ولا تتكلَّفوا علم ما قد كُفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجَكم"(3). من بركات بقاء الإمام المهدي عجل الله فرجه حياً أن يكون أماناً لأهل الأرض، وهو في غيبته يحمي هذه المسيرة الإسلامية الأصيلة، بحيث لا يتصدَّى لها أو يتوفق إليها إلاَّ من كان أهلاً لذلك، لتبقى رايةُ الحق مرفوعة بصدق واستقامة. فمن المهم أن نحسم خيار الولاية بما يبقينا في هذا المسار، ولا فائدة من الأسئلة التي لا إجابات عنها، خاصَّة عندما تكون مُغرقة في البحث عن الغيب وتوقيت الظهور وجزئيَّات حوادث المستقبل، فلنا قيادتنا الفقهية التي تبرئ ذمّتنا في إرشادنا في الحوادث الواقعة والمستجدة، ولنكثر الدعاء بتعجيل الفرج، ما يملأ قلوبنا عشقاً وأملاً وارتباطاً بصاحب الزمان، وما يساعد على تهيئة ظروف الفرج، فهذا هو الطريق بعد التوكل على الله والجهاد في سبيله للتمتع بظهور الحجة عجل الله فرجه.


1- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص: 484.
2- الإمام الخميني قدس سره، كتاب البيع، ج2، ص: 636.
3- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص: 485.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع