نهى عبد الله
في زاوية الغرفة، في الظلّ بدا منطوياً على نفسه. لم تنفع محاولات كل مَن حوله؛
لإخراجه من عتمته الداخليّة. وقد نفد منه كلّ الدمع المختزن في جفنيه؛ لتحرقهما نار
غضبه من نفسه... تلك حاله الدائمة مع غريمه "الغضب".
نظر حوله، كانت غرفته تسبح بفوضى مخيفة، لم يعد هناك شيء قابلٌ للكسر؛ فكل شيء
تحطّم وانتهى، الرفوف.. الكراسي.. الزجاج. وقف مقابلَ المرآة، لم تمنعه خطوط الكسر
فيها أن يرى عينيه تنضح عروقهما دماً، كجمرتَين تستعران ناراً، يداه ملفوفتان بشاشٍ
وقطن..
- "متى ضمّدتْهما والدتي دون أن ألحظ؟". حاول التذكّر، فبدا آخر ما يَعيه أنّه صرخ
كثيراً بعد شجاره مع أخيه، وحطّم كلّ ما اعترض طريقه، فيما كانت تناديه والدته:
"رويدك بُنيّ، يداك تنزفان"..
أجال بصره في حُطام الغرفة، أبصر كتاباً مفتوحاً ملقى على الأرض، كأنّما يدعوه
إليه، قرأ عنواناً يتوسّط الصفحة "الحديث السابع: الغضب". تناول الكتاب دون وعي،
كأنّما وجد بلسماً لروحه المتأجّجة، وقرأ: "هذا الذي مرّ بك كان جانباً من مفاسد
الغضب الحارقة، إن لم يستتبع معاصيَ أخرى". حينها انتهزت دموعه الفرصة، لتفرّ وتغسل
عينيه، وتبرد نارهما... بكى كثيراً، أمضى يومه في غرفته، يستمع إلى صوت دون ملامح،
دون حاجز نفسيّ أو ثقل موعظة، كان الكتاب ينقله من حال إلى أخرى، يتحدّث عنه، يصفه،
يخبره أين سيكون، وكيف يسيطر على غضبه ويُحسن ترويضه... وضع علامةً داخل كتاب
"الأربعون حديثاً"؛ ليعود إليه غداً. فالمعركة قاسيّة، وهو يحتاج إليه ليذكّره،
كلّ يوم: "أيّها العزيز، ابدأ السير في ذلك الطريق".