شهيد الدفاع عن المقدّسات محسن سمير برو (حسن المجتبى)
اسم الأم: لينا حديد.
محل الولادة وتاريخها: الشرقية 2/1/1990م.
رقم القيد: 27.
الوضع الاجتماعي: خاطب.
تاريخ الاستشهاد: القصير 19/5/2013م.
عندما توفّيت والدة محسن، كان بالقرب منها في المستشفى
ماسكاً يدها، يتلو آخر آيات الحياة الجميلة. وفي تلك اللحظة بالذات انكسر محسن الذي
عجزت الحياة عن ليّ ذراعه بقساوتها، منذ كان طفلاً.. فذبلت ابتسامته، وصار مستقبله
في عينيه غوراً، سكت حديثه الذي كان يملأ الدنيا ضجيجاً، وبدأ يعدّ العدّة للرحيل
والالتحاق بمحبوبته التي تقاسم معها أيام حياته الحلوة والمرة، وكان على يقين من أنّ
الفراق لن يطول..
وعلى الرغم من التعب، نتيجة ظروف الحياة القاهرة، واضطراره إلى العمل باكراً، فإنّ
ساحة الطفولة لم تخلُ من ضحكاته البريئة والجميلة، فكان يتحيّن الفرص ليترك المحلّ
ويلتحق برفاقه لِلَّعب.
•مسؤوليّة مبكرة
تقاسم محسن مع أمّه مسؤولية الأسرة، وأغلقا باب المنزل على كلّ الهموم والأحزان.
وقد لفت الأقارب نظرها إلى ضرورة معاملة محسن كإخوته لجهة التنبيه والتوجيه، وبأنّ
تربيتها انحصرت بأولادها من دون محسن، ولكن كان جوابها واضحاً: "محسن يتحمّل
المسؤولية، وهو على قدر من الوعي والاتّزان والمبادرة فلا داعي إلى أن أقول له ما
يعرفه أصلاً..".
وبعد عودة الأب من غيابه القسريّ وجد أسرته بانتظاره، وقد كانت على قدر المسؤولية
التي أُلقيت على عاتقها، ورأى ولده محسناً على طراوة عظمه رجلاً صلباً.
•بركانٌ لا يهدأ
لم يتحسّر محسن يوماً على شيء، بل كان راضياً قانعاً بنصيبه من هذه الدنيا. علّم من
حوله أن السعادة تكمن في بساطة العيش، والتأقلم مع الظروف. ولم يمنعه الكدّ والتعب
من عيش حياة اجتماعية صاخبة، مليئة بالرفاق، فمحسن صاحب النكتة والمقالب، لم تكن
لتغيب الضحكة عن شفتيه، وكان دائم الحركة والحديث.
كان محسن شاباً رياضياً بامتياز، وقد شارك في العديد من بطولات الركض التي حصد فيها
الجوائز الأولى، ولم يكن يثنيه عن برنامجه الرياضيّ اليوميّ أيّ شيء، حتّى ولو كان
منهك القوى.
•بكى على مجزرة المنصوري طفلاً
في نيسان من العام 1996م، كان محسن طفلاً صغيراً حين شنّ العدوّ الصهيونيّ حرب
عناقيد الغضب على لبنان، فنزحت العائلة من النبطيّة إلى بيروت حيث سَكَن العمّة،
وقد تأثّر محسن كثيراً بتلك الحرب، وظلّ ثلاثة أيام يبكي، منزوياً، على مجزرة
المنصوري.
"محسن شهيد"، كان لقبه وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره، فأطفال الجنوب كانت لعبتهم
المفضلة الحرب بين المقاومة والعدوّ الصهيونيّ أو القيام بعرض عسكريّ تقليداً لعرض
يوم القدس، وكان محسن يختار دوماً أن يأخذ دور "الشهيد" في اللعبة، فإذا ما كبر وشبّ
التحق بصفوف المقاومة.
تاقت الأمّ إلى رؤية ولدها عريساً، وكانت قد أصيبت بالمرض وبدأ وضعها الصحيّ
بالتدهور شيئاً فشيئاً، فإذا ما عقد محسن قرانه، وكأنّها اطمأنّت لحال فلذة كبدها،
تدهورت صحّتها ومكثت في المستشفى.
كانت الحرب في سوريا قد بدأت آنذاك، فشارك محسن في العديد من المعارك، في مناطق
مختلفة.
•قرُب موعد الرحيل
كانت روح محسن تحبّ المرح والفكاهة، وهو على الرغم من عصبيّته كان حساساً جداً،
فإذا ما غضب يغادر مكانه مسرعاً ولا يعود إلّا وقد هدأ، وكان سخيّ الدمعة كثير
البكاء. كان يجهشُ بالبكاء حزناً على ما حلّ بمقام السيدة زينب
عليها السلام من غربة، وما زاد من حساسيّته، فيما بعد، مرض والدته ووفاتها.
بعد وفاة أمّه قد يُزعج هذا الكلام خطيبته صار دائم الحديث عن قرب موعد رحيله. وفي
مشوراه الأخير إلى لبنان، زار أقاربه، وقبل أن ينطلق إلى معركة القصير مكث عند ضريح
أمه يبثُّ إليها أحزانه، وسرعان ما مضى.
•اذهبوا لقد حضر صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
كانت المعركة ضارية في القصير، ولم يستطع المجاهدون أخذ استراحة ولو خمس دقائق،
وأثناء القتال أصيب محسن في قدمه، ولكنّه استمرّ في القتال، طالباً من رفاقه أن لا
يأبهوا بإصابته، وقد تجاسر على جرحه حتّى نفدت ذخيرته، عندها حاول رفاقه أخذه إلى
منطقة آمنة، فابتسم قائلاً: "لا تتعذّبوا، لقد حضر صاحب الزمان وهو يطعمني العسل
ويقول لي أطعم رفاقك.. أكملوا طريقكم، أمّي بانتظاري وأنا ذاهب لرؤيتها".
لم تظهر على محسن ملامح المزاح التي تعوّدوا عليها، ولا بدا عليه أنه يُهلوس من شدة
الألم، بل كان هادئاً ساكناً مبتسماً، واستغربوا قوله فإصابته ليست خطرة، وبينما هو
كذلك وإذ بقناصٍ يقتل رفيقه، فهرع محسن إليه يتفقّده فأرداه القنّاص بطلقاتٍ أصابت
رأسه وصدره..
خمسة أشهر فصلت بين وفاة الأم وشهادة حبيب قلبها محسن، وسرعان ما سكن في جوارها
وقد اطمأنّت روحه، فهنيئاً له نفسه بما كسبت، ونعمَ عقبى الدار.