مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أمي! أبي! أصبحت أخاف كثيراً (1)

سكنة حجازي


أمي! لا تتركيني وحيداً، فتلك الجنيّة، تقف أمامي كلما دخلت الحمّام وحدي. وذلك العفريت يلاحقني إذا ما دخلت غرفتي لأدرس أو أنام. أما تلك الحقنة في يد الطبيب فإنها تجعلني أرتجف كلما خرجت من المنزل.

أبي! لا تصرخ في وجهي ولا ترعبني، فذلك السكين لا يزال أمام ناظري منذ صرخت أول مرة مهدّداً متوعدّاً وأنت تحمله. أما الليل فإنه يتحوّل إلى كابوس كلما أويت إلى فراشي. والبحر أراه فاتحاً فمه كأنه يريد ابتلاعي إذا ما اقتربت منه لأنك قلت لي يوماً إن فيه حوتاً يمكن أن يبتلعك.

معلّمتي! أرجوك إرفقي بنا ولا تطلبي منا المسابقة أو الامتحان بهذه القسوة، فأنا أشعر وكأن شللاً يصيبني من رأسي حتى أخمص قدمي كلما أعلنتِ ذلك، فلا أستطيع الدرس ولا النوم حتى أني أفقد شهيتي للطعام. وتسألونني، لِمَ أخاف؟!

* فما هو الخوف؟
الخوف انفعال شديد يتضمن حالة من حالات التوتر التي تدفع بالشخص الخائف إلى الهرب من خطر يواجهه سواء كان هذا الخطر حقيقياً واقعياً أم وهمياً خيالياً. وتتفاوت حالات الخوف ودوافعه وأسبابه. فالطفولة هي أكثر المراحل التي يظهر فيها الخوف حيث يبدأ من السنة الأولى ويمتد إلى مراحل الطفولة فالنضج والرشد فكثيراً ما نرى الجبن عند الرجال والنساء لذلك يورثونه لأولادهم.

* أنواع الخوف:
أ - الخوف الطبيعي: وهو عندما يواجه الإنسان طفلاً أم راشداً خطراً حقيقياً ويأخذ جانب الحذر منه بالدفاع أو الهروب كالخوف من الظلام، أو الحيوانات الضارة المفترسة أو الأصوات المرعبة كالرعد... والمرتفعات الشاهقة وما إلى ذلك. وهو خوف ضروري ومطلوب لحماية النفس وحفظها والدفاع عنها من أي خطر يحدق بها وهذا ما يعرف بحب البقاء وحب الحياة.

ب - الخوف المَرَضي: وهو الخوف بدون سبب حقيقي أو واقعي سبب واضح معروف ويكون شديداً ويستمر لفترة طويلة من أشياء أو مواقف أو أشخاص لا وجود لها. كالخوف من الأشباح والكائنات الخرافية. وقد ينشأ من أشياء موجودة كالحيوانات والظلام وغير ذلك إلا أن درجة الخوف مبالغ فيها. ونعرف ذلك إذا ظهرت على الخائف أعراض مرضية كالقي‏ء والإغماء والتبوّل اللاإرادي.

ج - المخاوف المدرسية: وهي نتيجة شعور التلميذ بعدم الأمن أو القدرة على مواجهة المواقف الدروس والواجبات.... كالخوف من الاختبارات الدراسية مما يقلّل من تركيز التلميذ وتشوش الفكر فينعكس ذلك ضعفاً في الاستعداد للامتحان وقلقاً واضطراباً أثناء النوم وغير ذلك.

* أسباب الخوف:

تتعدد أسباب الخوف وتختلف باختلاف الأشخاص والبيئة التي يعيشون فيها وطرق التربية والنمو التي يمرّ بها الأطفال من أسرة ومحيط ومدرسة وغير ذلك.

1 - الوراثة: ويسميه بعضهم الخوف الفطري وهو الذي يولد مع الطفل من خلال جينات الأم أو الأب فالأم التي تخاف ستنقل عدوى الخوف إلى جنينها فيحمله حتى يكبر إذا لم تعمل على تخليصه منه أثناء التربية وقصّة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام معروفة عندما طلب من أخيه زوجة من قوم يُعرَفون بالشجاعة امرأة شجاعة لتلد له ولداً ينصر الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء أو عندما جبُن ابنه محمد ابن الحنفية فقال له أقدم لقد أدركك عرقٌ من أمك. إذ يعرف هو بالشجاعة ولا يمكن لأولاده أن يكونوا جبناء.

2 - الصدمات الانفعالية الشديدة والمؤلمة: قد ينشأ الخوف نتيجة موقف أو مشهد مؤلم أو مخيف تعرّض له الطفل في حياته العملية كأن يرى إنساناً ينزف دمه أو حيواناً ذبيحاً. أو طبيباً حقنه فآلمه، أو سقط في مكان غير مألوف خاف منه. أو صراخ كلب في الظلام عندما كان خارج المنزل. وربما حرارة الصابون في الحمام أدت إلى خوفه من العودة إليه. وهكذا... فهذا يجعل الطفل يخاف هذه الأمور كلما مرّ بموقف مشابه أو يذكره بهذا الموقف.

3 - تخويف الأطفال: كثيراً ما يعمد الكبار الأم أو الأب أو الأخوة الكبار أو غيرهم إلى تخويف الطفل لإبعاده عنهم بالخروج منفردين أو لإبعاده عن خطر بعض الأشياء وما إلى ذلك فيعمدون إلى أساليب تزرع الخوف في نفس الطفل كأن تقول الأم إني ذاهبة إلى الطبيب وسيحقنك حقنة تؤلمك إن أنت ذهبت معي. أو تهديد الأخوة بالحيوانات بالكلب والهرة وإسماعه أصواتاً مخيفة أو إذا لم تنم فسيأتي إليك الجن ويحملك بعيداً. وأحياناً برواية القصص المرعبة التي فيها قتل وألم وتعذيب. وأود لفت الأهل الكرام هنا إلى أن مباحث الجنة والنار والتخويف بالنار والعقاب كل ذلك لا يتناسب مع الطفل حتى عمر معين خصوصاً في المرحلة العمرية الأولى (1 - 7). لأن وضع الطفل النفسي والفكري والروحي لا يسمح بأن نذكر له ونخوفه من العقاب الإلهي بل سينعكس سلباً على حالة الطفل الإيمانية وربما كره الإيمان والتدين واللَّه تعالى.

4 - مشاهدات الطفل اليومية: إن الشاشة اليوم والحاسوب والانترنت كل ذلك حافل بالأفلام والصور التي تنقل الجرائم والمشاهد المثيرة للألم والخوف حتى أننا بتنا نرى ذلك في أفلام الكرتون وهذا ما لا يتناسب مع جو الطفل الروحي والنفسي لهذا ينعكس خوفاً يختزنه الطفل داخله ويعبر عنه في مواقف أخرى كذلك المجلات والصور.

5 التقليد: الطفل يمثل القدوة وهذا ما نشير إليه دائماً فالأم التي تخاف وتظهر خوفها أمام طفلها لا شك سيقلدها في ذلك ليصبح خوفاً مترسخاً في أعماقه. ذلك أن الأم تصرخ إذا شاهدت حيواناً ما حشرات منزلية: فأرة، صرصور... أو امتناعها من الصعود إلى المرتفعات، أو أن يقص الأب حادثة خاف فيها من شي‏ء ما..

6 - الخوف المرضي: وهو هروب الطفل من موقف للتخلّص من الإفصاح عن رغباته التي يرفضها الآخرون أو تخيل أموراً وهمية كالخوف من الميت أو المقبرة، وقد يكون عن خلل في الأعصاب.

7 - التربية الخاطئة الأسرة وهي كثيرة نختصرها:
أ - كثرة النزاع بين الزوجين خاصة إذا اتسمت بالصخب وأعمال العنف الضرب....
ب - الأبوان الشديدان الخوف والحرص في الحماية المبالغة في الوقاية خوف الفشل، خوف المرض خوف الضياع.
ج - التحدث عن الجن والظواهر التي يجهلها الطفل ولا يستطيع تفسيرها وفهمها.
د - التعليمات الصارمة والقاسية والأوامر المتناقضة أحياناً إضافة إلى الاستجوابات المتكررة.
هـ - التوبيخ العنيف الدائم، وفضح الطفل أمام الناس وخاصة الأصدقاء. والانتقادات الحادة.
و - الإيحاءات المرعبة مثال حبسه أو التهديد بحبسه في غرفة مظلمة أو إعطائه للجن.. أو طرده بالشكل الذي يشعره
بالحرمان واليأس.

* من يخاف أكثر؟
تتفاوت درجات الخوف لدى الأشخاص حسب ظروفهم وبيئتهم... فالإناث أكثر خوفاً من الذكور لأنهن أكثر عاطفة من الجانب الاجتماعي لا الفكري البحت والأطفال الذين انتابهم فشل عاطفي يخافون أكثر من غيرهم وبالمقابل الذين لهم ارتباط عاطفي أكثر من الحد الطبيعي أيضاً. وفيما نجد الطفل المريض يخاف أكثر من السليم كذلك الذي يملك وعياً وذكاء أقل خوفاً من الجاهل والأقل ذكاء. كذلك أصحاب الأزمات أشد خوفاً من الذين لم يعانوا أزمات نفسية أو عاطفية أو غير ذلك.

والذين هم أكثر خوفاً كباراً وصغاراً الملحدون الذين لا يعيشون الارتباط بالقدرة الإلهية لأنهم يجدون أنفسهم وحيدين بلا ناصر ولا معين وقد يبرر بعضهم لجوء المؤمنين إلى اللَّه في حالات الضيق هرباً من الخوف أو استمداداً للقوة وغير ذلك. أما المنحرفون فإنهم يعيشون دائماً الخوف لأنهم يعانون الأمراض العصبية والمزاجية وليس لديهم القدرة على تحمل الفشل والحرمان وينتابهم الشعور بالدمار والخسارة فيلجأون إلى الانحراف كحماية خاطئة لأنفسهم.

ونشير إلى أن الخوف قد يتحول إلى حالة عصاب إذا لم نقضِ عليه في سن الطفولة لأن الطفل الذي يختزن الخوف نتيجة موقف مرعب مرّ به أو مشاهدة حالة رسخت في لا وعيه ولم يتخلص منها مما ينعكس عقدة نفسية تلازمه كل حياته وتعقد حياته فتصدر منه أعمال أو يتحول إلى كابوس يرافقه في النوم والمدرسة والوظيفة وكل حركاته وسكناته. فكيف يمكن التغلّب على الخوف؟ وما هي طرق الوقاية؟ هذا موضوع حلقتنا في العدد القادم إن شاء اللَّه تعالى.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع