صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

حرمة الإجهاض في الإسلام

الشيخ محمد توفيق المقداد


لا شك أن التناسل هو سُنَّة إلهية جعلها الله سبيلاً لاستمرار الوجود الإنساني في هذه الدنيا إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، والتناسل لا يتحقق إلا عبر ولادة الأجيال التي تعقب بعضها البعض ليقوم كل جيل بدوره في وظيفة إعمار الأرض وعبادة الله كما خطط الخالق الكريم ذلك، هذا من جهة. ومن جهة ثانية فالحياة هي نتاج إلهي وليست نتاجاً بشرياً حتى يحق له التصرف فيه كيف يشاء، بل لا بد أن يكون تصرف الإنسان مع الروح والحياة موافقاً للنظام الإلهي، ولذا ورد في القرآن الكريم عندما سُئلَ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عن الروح، قال: "قال اللَّه تعالى في القرآن الكريم ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ".

ولذا نجد أن اللَّه سبحانه وتعالى قد جعل حق الحياة لكل إنسان مقدساً، ولا يحق لأحد أن يتسلط عليه من دون وجه حق ومن دون وجود المبررات الشرعية التي تجيز قتل إنسان ما لسبب وجيه، وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ، وقال كذلك: ﴿ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم، وقال أيضاً: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا. والنقطة الجديرة بالبحث هنا هي من أين يبدأ حق الإنسان في الحياة؟ هل يبدأ منذ انعقاد نطفته في رحم أمه؟ أو يبدأ من حين دخول الروح وهو في الرحم؟ أو يبدأ من لحظة خروجه حياً إلى الحياة الدنيا؟.

وهذه الاحتمالات الثلاثة هي المنحصرة وهي التي دار النقاش حولها بين علماء النفس والاجتماع، وعند غير المسلمين فالمسألة محل نقاش كبير عندهم، فبعضهم يعتبر أن حق الحياة يبدأ منذ انعقاد النطفة، ولذا فهؤلاء يحرِّمون الإجهاض في هذه الحالة لأنه اعتداء على حق المعقودة نطفته في الحياة، والبعض اعتبر أن حق الحياة يبدأ منذ لحظة دخول الروح، ولذا فعد هؤلاء يجوز الإجهاض قبل تلك المرحلة، أما بعدها فلا يجوز لأنه لم يعد من الأمور التي للإنسان سلطة عليها، أما بعد الولادة فحق الحياة ثابت عند الجميع ولم يقل أحد بجواز قتل الوليد الجديد لأنه جريمة بكل ما للكلمة من المعنى.

وقبل توضيح رأي الإسلام في هذه المسألة لا بد من التأمل في المراحل التي يقطعها الإنسان قبل ولادته، وهنا نرجع إلى القرآن الكريم حيث يشرح لنا تلك المراحل على نحو التسلسل الطبيعي التكويني للجنين فيقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. فالآية تبين بوضوح أن النطفة بعدما يتم تلقيحها تصبح مبدأ نشوء الإنسان الذي بعدما يتحول من مرحلة لأخرى إلى حين اكتمال الجسد تدخله الروح كما ورد في المصادر عندنا ويكون عمره عند دخولها مئة وعشرين يوماً في الغالب، إلا إذا حصل العلم بدخولها قبل ذلك كما قد يحصل أحياناً. ولا شك أن اللَّه عزّ وجلّ عندما يشرح المراحل المختلفة لنشوء الإنسان وهو ما زال في رَحِم أمه لكي يوضح عزّ وجلّ مدى اهتمامه بهذا المخلوق الذي فضلَّه على الكثير ممن خلق، ولكي يوضح لنا أيضاً أن عملية خلق الإنسان ليست مسألة عادية، وإنما هي في غاية الأهمية والتعقيد وأن فيها إعجازاً إلهياً خارقاً لا يقدر عليه إلا اللَّه تعالى، ولذا فليس من حق أي إنسان أن يضع نفسه في موضع الخالق ليحدد في أي مرحلة من تلك المراحل يكون للإنسان الحق في الحفاظ على حياته، لأن الإنسان ليس هو الذي صنع النطفة، لأن الإنسان ليس هو الذي صنع النطفة، بل خلقها اللَّه وجعلها في الإنسان، وهو ليس مسيطراً عليها ولا يملك قرار منعها من قطع المراحل لتصبح إنساناً، وهذا يعني من المنظور الإلهي والإسلامي أن حق الإنسان في الحياة يبدأ منذ انعقاد النطفة وحصول التلقيح بماء الرجل، فمنذ تلك الحالة لا يعود من حق الإنسان التصرف في حق تلك النطفة الملقحة في التحول إلى جنين تدخله الروح ثم يخرج إلى الحياة الدنيا ليستمتع بها كما يستمتع سائر البشر الآخرين.

وبهذا يتبين معنا أن الإجهاض حرام منذ لحظة انعقاد النطفة، ولا يجوز لأي إنسان كان أن يحرم تلك النطفة من حق الحياة لأنه بعد انعقادها لم يعد مسيطراً عليها ولم تعد ملكاً له، بل هي ملك للَّه، وهي أمانة في رحم المرأة التي ينبغي أن تكون مؤتمنة عليها، بل يجب عليها أن تكون مؤتمنة عليها، بل يجب عليها أن تحفظها وأن لا تقوم بأي عمل يمكن أن يؤدي إلى إسقاطها بنحو متعمد. ومضافاً إلى حرمة الإجهاض نجد أن الإسلام قد جعل هناك دية شرعية لمن يجهض الإنسان قبل ولادته، والدية تختلف باختلاف مراحل تكوُّن النطفة وهي على النحو التالي كما ذكرها الفقهاء الأجلاء:
1- النطفة = عشرون ديناراً ذهبياً.
2- العلقة = أربعون ديناراً ذهبياً.
3- المضغة = ستون ديناراً ذهبياً.
4- العظم = ثمانون ديناراً ذهبياً.
-5 إكتمال الجنين قبل ولوج الروح = 100 دينار ذهبي.
6-بعد دخول الروح = الدية كاملة كدية أي إنسان آخر شرعاً.

فالأصل إذاً أن الإجهاض حرام مطلقاً سواء دخلته الروح أم لم تدخله، لكن هناك بعض الحالات الإستثنائية القليلة والنادرة التي يمكن الإجازة فيها للأم بإسقاط الجنين لكن قبل دخول الروح فيه، وهو في الحالات التالية حصراً:
ـ الأولى: إذا كان الجنين قبل دخول الروح فيه قد صار يشكِّل خطراً على حياة الأم لسبب أو لآخر، فعندها يجوز إسقاطه حفاظاً على حياة الأم.
ـ الثانية: إذا كان في بقاء الحمل قبل ولوج الروح آلام شديدة على المرأة وكان استمرار الحمل حرجياً جداً عليها بحيث يمكن أن يتسبب لها بأمراض خطيرة غير عادية فلها في هذه الحالة أيضاً أن تُسقطَه ولا مانع شرعاً من ذلك.
أما بعد دخول الروح فالإجهاض حرام قطعاً بحسب الأصل الذي قلناه، إلا في حالات نادرة جداً، وهي منحصرة في حالة واحدة وهي التالية أنه إذا كان في بقاء الحمل للجنين الذي دخلته الروح خطر على حياته وعلى حياة أمه معاً، ولم يكن إنقاذ الجنين ممكناً بأي حال من الأحوال، فحينها يدور الأمر بين أن تموت نفسان أو تموت نفس واحدة، فهنا يجوز إسقاط الجنين لأن خسارته يمكن تعويضها بأن تحمل الأم بغيره، وموت أحدهما حتمي وهو الجنين، بينما الأم يمكن إنقاذها بواسطة إجهاض الجنين.

وأما الإجهاض في غير هذه الحالات فهو حرام يقيناً كما في حالة سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم قدرة الإنسان على الإعالة لعائلته وأولاده، أو كما في حال حدوث حالات تشوُّه في خلقة الجنين وهو ما زال في رحم أمه، أو في حال حملت المرأة وانعقدت نطفة الجنين من الزنا سواء أكان باختيارها أو بنحو الاغتصاب قهراً عنها، أو في الحالات التي قد تحتاج المرأة إلى العلاج، ويكون الحمل معوِّقاً لذلك، لكن من دون وجود خطر على حياة الأم ولم تكن الروح قد دخلت في الجنين، بحيث يمكن الانتظار إلى ما بعد الولادة مع نوع من العلاج الذي يخفف الأوجاع عن الأم مع استمرار الحمل على حاله. بعد كل ذلك لا بد من ذكر فتاوى السيد القائد الإمام الخامنئي دام ظله في هذا المجال، ونختار منها ما يلي:

س: 180 هل يجوز إسقاط الجنين بسبب المشاكل الاقتصادية؟
ج: لا يجوز إسقاط الجنين لمجرد وجود الصعوبات والمشاكل الاقتصادية.

س: 182 يتمكن الأطباء الأخصائيون عن طريق استخدام الأساليب والأجهزة الحديثة تحديد الكثير من نواقص الجنين أثناء الحمل، ونظراً للصعوبات التي يعانيها ناقصو الخلقة بعد تولدهم، فهل يجوز إسقاط الجنين الذي أعلن الطبيب الأخصائي الموثوق به بأنه ناقص الخلقة؟ وهل يشترط سن معين في هذا الصدد؟
ج: لا يجوز إسقاط الجنين في أي سن لمجرد كونه ناقص الخلقة ولا للصعوبات التي يعانيها في حياته.

س: 188 لو اضطرت المرأة الحامل لمعالجة اللثة أو الأسنان وحسب تشخيص الطبيب الأخصائي احتاج إلى إجراء العملية الجراحية، فهل يجوز لها إسقاط الجنين؟ نظراً إلى أن الجنين في الرحم سيصاب بنقص بسبب الاحتقان والتصوير بالأشعة؟
ج: السبب المذكور ليس مجوزاً لإسقاط الجنين.

س: 190 هل يجوز إسقاط الجنين الذي انعقدت نطفته من وطء الشبهة من قِبَلِ شخص غير مسلم أو من الزنا؟
ج: لا يجوز.

أضيف في: | عدد المشاهدات: