نسرين إدريس
محل وتاريخ الولادة:
بيروت25/3/1970.
الوضع العائلي:
متزوج وله أربعة أولاد.
رقم السجل: 528.
مكان وتاريخ الاستشهاد: بلاط 23/5/2000.
هو عهده المعمد بالوفاء، هو وعده الذي حمله منذ سنين لنيل
إحدى الحسنين: النصر أو الشهادة، فقطفهما بيد واحدة وفاز فوزاً عظيماً. سنوات طويلة
مرت دونت في أيامها العديد من المواقف الجهادية للشهيد علي الزين، ومن يقرأ سطور
ماضيه يشم رائحة الإخلاص في كل سكناته، ويبصر رجلاً، بالرغم من استغراقه في مسؤوليات
الحياة، جعل لهامش الجهاد الحيز الأكبر في اهتماماته..
ومن كان مثله عرف معنى تحمل
المسؤولية مذ كان صغيرا يدرك سعيه الحثيث وتضحياته ليس أمام عائلته فحسب، بل أما
شريحة واسعة من الأخوة المجاهدين أيضاً. ولد الشهيد علي الزين في بلدته شحور، وكان
سابع إخوته، فتى تميز بكثير من الصفات المتناقضة التي أضفت على شخصيته بريقاً لافتاً
تزرع في نفس الطرف الآخر حشرية للتعرف عليه أكثر، فبين الوضوح الظاهر في لباقة
حديثه، والغموض المخبّأ خلف تقاسيم وجهه، رجلٌ لم يعرف إلا عندما كتب اسمه شهيدا من
شهداء النصر المبين. أثناء طفولته كانت أمه تقوم بتربيتهم، وتخيط الثياب لتؤمن لهم
لقمة العيش الكريمة، وفي خضم تلك الظروف الصعبة، جبلت طينته بالصبر على شظف العيش
وضيق الحال، وتعلم كيف يشق المرء طريقه بالإرادة والتصميم ليكسر حدود الواقع
المفروضة عليه.. وتغيرت أحوالهم عندما سافر والده مع كل أفراد العائلة إلى الكويت،
وكان يبلغ من العمر خمس سنوات، حيث بقوا حوالي العشر سنوات كانت حياتهم فيها مرفهة،
كما انتسب علي إلى مدراسها التي من الصعب جداً قبول طلب أي طالب أجنبي فيها، لكن
والده نال الموافقة على تسجيله بمجرد أن قدم أوراقه..
في العام 1984 عادوا إلى لبنان واستقروا في بيروت، فتابع دراسته وعمل مع أبيه في
مستودع للورق. وإزاء الوضع العسكري الذي مر على لبنان آنذاك، ومع بدء سطوع نجم
المقاومة الإسلامية، لم يكن علي ليبتعد عن المشاركة في النشاطات العسكرية والسياسية،
فدخل مباشرة في التعبئة التربوية، وعرف في مدرسته بعناده ودفاعه المستميت عن آرائه،
ما جعل اسمه مدرجاً على لائحة المشاغبين، ولكنه لم يكن من الفتية المندفعين بحماسة
خالية من المبادئ ، بل كان مثقفاً واعياً لما يقوم به، مدركا أهمية الخيار الذي
اختاره، وكيف لا يكون كذلك وهو منذ سن السابعة يؤدي واجباته الدينية على أكمل وجه،
ويربي نفسه ليكون إنساناً مؤمناً تقياً في الحياة.
بئر العبد العرين الأول الذي انطلق منه علي، حيث بدأ بمساعدة الأخوة بالحراسة، فإذا
ما غفت عيون أهله وأخوته، وضع الوسادة على فراشه وغطاها جيدا وخرج من البيت على
رؤوس أصابعه ليلتحق بمكان حراسته، وكان الأخوة في المقاومة يستعينون به لشراء بعض
الحاجيات بأسعار زهيدة يؤمنها لهم بواسطة معارفه الكثر وحسه التجاري. عندما أنهى
الشهيد علي الصف الثالث ثانوي خاض غمار العمل وكانت التجارة الباب الأول الذي فتحه
أمام مستقبله، فعمل بجد ونشاط، وتابع عمله التطوعي في حزب الله دون أي تقصير، وقد
تسلم مسؤولية شعبة بئر العبد، فكان أستاذاً درب العديد من المجاهدين، واستقطبهم
بأخلاقه الحميدة وسيرته الحسنة فصاروا يلجأون إليه عند الحاجة، ويستشيرونه في أمور
حياتهم. ولم يكن الشهيد علي يحدث إلا عن الدين ويحث على التدين والالتزام وحزب الله،
فكان يناقش بحدة ولا يتراجع عن رأيه إذا كان مصيباً حتى لو كلفه ذلك غالياً، وكأغلب
المجاهدين، دفع الشهيد علي ثمناً لمواقفه الملاحقة والاعتقال، لكنه أحد الصناديد
العلويين الخمينيين الذي انتقوا تجارة لا تبور.. إلى جانب عمله التجاري، خضع الشهيد
علي لدورات عسكرية وثقافية عدة، ودرس الفتية في شعبة بئر العبد، فكان الإعداد لجيل
واع مدرك لتكليفه الشرعي هو عمله، وقد شارك في عدة مهام جهادية متفرقة، أهمها حرب
تموز عام 1993 وقد بقي آنذاك في المحاور المتقدمة بالرغم من مرضه، إذ أنه يعاني من
"حمى شرق أوسطية". عندما تزوج الشهيد علي عام 1992، سافر لمدة سبعة أشهر إلى
أميركا بعد أن رزح تحت ضغط كبير من المسؤوليات الحياتية، إلا أنه سرعان ما عاد إلى
ربوع الوطن، وتفرغ في صفوف حزب الله لمدة سنتين إلى جانب عمله في التجارة الحرة، ثم
ما لبث أن ترك التفرغ إلى التطوع بعد أن رزق بابنه الأول "حسين".
عرف الشهيد علي بعلاقاته الاجتماعية المتشعبة، وخدماته التي لا تنتهي لكل من يعرفه،
حتى عندما يرزح تحت وطأة الحاجة المادية، تجده يسعى ويؤمن المساعدات لغيره.. استشهد
العديد من رفاق علي وتلامذته في شعبة بئر العبد، وكتب في إحدى وصاياه القديمة لأهله
بعد قيام الشهيد علي أشمر بعملية استشهادية في رب ثلاثين: بعد استشهاد علي أشمر
راودني شعور بأنني سألحق به، لأنني تأثرت بشهادته جدا رضوان الله عليه، فشعرت حينها
أنه يجب أن أكتب آخر كلماتي لكم.. ولكن من عايش الشهيد في الفترة الأخيرة من حياته،
ورأى انهماكه في أعماله المتشعبة التي غالباً ما تنتهي بعد منتصف الليل، لا يظن أنه
سيسمع به شهيدا، فعمله في حزب الله اقتصر بتواجده في بيروت، خصوصا بعد أن رزق
بثلاثة توائم بعد ابنه البكر، ما زاد في ضغط العمل عليه لأجل أن يؤمن احتياجات
عائلته، إلا أن ذلك لم يمنعه من المشاركة في أكثر النشاطات التي يقوم بها حزب الله،
وتغير ذلك الوضع عندما أبلغ علي زوجته أنه سيلتحق بعمل تطوعي في وحدة الحماية
الأمنية الخاصة بسماحة الأمين العام، وقد سعد جدا بهذا العمل.. لم يكن في نية
الشهيد علي الذهاب إلى الحج عام 2000، فهو قد أدى هذه الفريضة في العام الماضي،
واعتذر من الإخوة في الحملة الذين طلبوا إليه مرافقتهم لما رأوا منه من معاملة
مميزة مع الحجاج، ولكن عندما توفيت عمته قرر أداء فريضة الحج عنها، بعد دفنها
مباشرة، وفعلا سافر وعمته الثانية وأديا فريضة الحج المباركة، وقد رأته عمته يقف
مقابل الحجر الأسود ويدعو الله أن يرزقه شهادة يرضاها له..
نهار السبت الواقع فيه 20/5/2000 دخل الأهالي مع مجاهدي المقاومة الإسلامية من بلدة
الغندورية إلى القنطرة، ثم ما لبثوا أن توجهوا إلى القرى المحتلة الأخرى ليحرروها،
وكان علي يتابع في بيروت التحرير لحظة بلحظة.. في اليوم التالي تحررت بلدة الطيبة
قرية زوجته فسارع بالاتصال بأقاربه وصعدوا مباشرة إلى الجنوب.. وصلوا إلى مشارف
قرية الطيبة بعد ساعات طويلة بسبب ازدحام السير الخانق، وفجأة بدأ القصف الإسرائيلي
من المواقع التي لم تزل محتلة على المدنيين، فطلبت إليه زوجته الرجوع، لكنه ما إن
أدار سيارته وعاد بها قليلا إلى الخلف حتى توقف وعاد مصراً على الدخول إلى الطيبة،
وفعلاً وصلوا إلى داخل القرية ودخلوا إلى منزل بيت عمه حيث ارتاحوا قليلاً، لكن
اتصالاً ما جعله يعود أدراجه مسرعا إلى بيروت.. لاحظت زوجة علي أن ثمة شيء حصل،
فقد خيم السكون على السيارة، وبدا التوتر واضحاً على وجه علي الذي لم يفصح عما سمعه
في الهاتف.. وصلوا إلى بيروت وغادر علي مسرعاً من البيت قائلاً لزوجته أنه لن
يتأخر، لكن الليل مر وعلي لم يرجع إلى المنزل.. كان الثلاثاء نهاراً حافلاً بالنسبة إلى زوجته التي كلما اتصلت به ردت عليها مجيبة الهاتف، فاستبد بها القلق،
وهي تنظر إلى أولادها الأربعة حولها، وسمعت من أحد التوائم الثلاثة كلمة "بابا"
لأول مرة، لكن علي لم يسمعها. لم يعد علي الزين إلى عائلته التي لا تزال تنتظره،
فقد استهدفت إحدى الطائرات الإسرائيلية سيارته في الجنوب ما أدى إلى استشهاده.. ولا
يسعنا إلا القول أن علي الزين وحتى آخر لحظات حياته بقي مقداماً شجاعاً، وكان دمه
بصمة وفاء لعهده بأن يكون جندياً من جنود الإمام الحجة عجل الله فرجه.
مقتطفات من وصية كتبها في العام 1996 :
أهلي، أخوتي، أخواتي، هذه الدنيا فانية فاعملوا لآخرتكم ولا تغرنكم الحياة الدنيا،
فإنها دار ممر، لا تلتهوا بملذاتها واعملوا على أن تكونوا في خدمة الإسلام
والمسلمين، وأن تطيعوا القائد الخامنئي حفظه المولى، والسيد حسن نصر الله حفظه
الله، واحفظوا دماء الشهداء بالسير على نفس النهج والطريق.