مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

القيمة الحقيقية للدنيا وعلاقتها بالآخرة



لا يخفى على كل ذي وجدان أن الإنسان، بحسب فطرته الأصيلة وحلّته الذاتية، يعشق الكمال التام المطلق، ويتوجه قلبه شطر كل جميل وكامل، وهذا من فطرة الله التي فطر الناس عليها، وبهذا الحب الكامل، تتوفر إرادة الملك والملكوت، وتتحقق أسباب وصول عشاق الجمال المطلق إلى معشوقهم، غير أن كل امرئ‏ يرى الكمال في شي‏ء ما، حسب حاله ومقامه، فيتوجه قلبه إليه، فأهل الآخرة يرون الكمال في مقامات الآخرة ودرجاتها، وأهل الدنيا يرون الكمال في لذائذ الدنيا، وتبين لأعينهم جمالها، فاتجهوا فطرياً نحوها، وهذا من باب الخطأ في التطبيق.

* القيمة الحقيقية للحياة الدنيا:
أصبح معلوماً أن الحياة الحقيقية والأبدية والمستمرة عند الإنسان ميسرة في عالم الآخرة، وان هذه الدنيا إلى الزوال والفناء، يطرح سؤال هنا ما هي القيمة الحقيقية للحياة الدنيا؟ وفي حال أن لهذه الحياة الدنيا قيمة حقيقية مثبتة، فكيف يمكن التعاطي معها؟ هل يجب أن نكون من طلبة الموت أو الحياة؟ وفي أي مجال وأي كيفية؟ ولأجل الإجابة على هذه الأسئلة لا بأس بالاستشهاد ببعض الآيات القرآنية حيث يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ الجمعة/6 7. ظاهراً إن منظور الآية الكريمة يقول أن عالم الآخرة هو عالم ملاقاة الله سبحانه وتعالى، وكل محب يريد لقاء حبيبه، أي الله تعالى، لا بد أن يتمنى الموت لكي يلتقي سريعاً مع المحبوب لينال الحبيب الحقيقي. يقول تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ البقرة/94 - 96.

من الممكن أن يفهم من هذه الآيات وأمثالها أن البقاء والعيش في هذه الدنيا أمرٌ مذموم والموت هو المطلوب، ويُفهم أن من يحب الله تعالى يجب أن يطلب الموت، وفي حال إن كان مريضاً لا يجب عليه أن يتعالج من هذا المرض، فمن البديهي أن هذا الاستنتاج من هذه الآيات وغيرها هو استناج خاطئ ، وفي المقابل لا يمكن نفي طلب الموت إطلاقاً، فالإنسان وجد على أساس الحكمة الإلهية لأجل هدف خاص، وبناءً عليه وجود هذه الدنيا والعيش فيها ليس عبثاً، بل هناك حكمة وحقيقة وراء ذلك كله، وكذلك لا يمكن القول أن العيش في الدنيا أو الآخرة هو في مستوى واحد، ولا بد من وجود رابط يحكم العلاقة بين هذين العالمين، ولأجل الوصول إلى نتيجة دقيقة لا بد من معرفة نوع العلاقة التي بينهما.

* الرابطة ما بين هذين العالمين الدنيا والآخرة:

في حال أن أحداً يعرف أن هذه الحياة الدنيا هي مقدمة للآخرة وسعادة الآخرة، ومن خلال العمل والسعي في هذه الدنيا للوصول إلى الآخرة يعرف انه:

أولاً: أن هذا العالم هو عالم قصير المدة إلى زوال.
ثانياً: إن هذا العالم وُضع تحت اختيار الإنسان.

وفي كلا الحالين يعرف أن من خلال هذه الدنيا يصل إلى الآخرة فحينها يفهم أن ليس للآخرة فقط قيمة وأهمية بل للدنيا كذلك قيمة وأهمية، كون هذه الأهمية وهذه القيمة تنبع من أصل كون هذه الدنيا مقدمة ومطلوبة لوجود وتحقق الآخرة، فحينها ينتقل من حالة العداء للدنيا إلى علاقة مثبتة وأصيلة، وذلك لأنه عندما نعرف موقع الدنيا وأهميتها بالنسبة للآخرة لا نتمنى العيش فقط بل نتمنى طول العمر لكي يمكننا أن نتكامل أكثر ليحصل على درجات اكبر في تلك الدار الآخرة. فمن هنا نفهم أدعية الأئمة عليهم السلام في طلب طول العمر، لأنهم علموا وأرادوا أن يعملوا وعلموا أن الحياة الدنيا هي الوسيلة لأجل كسب السعادة الأخروية ولهذا يقول أمير المتقين علي عليه السلام: "الدنيا مزرعة الآخرة"، ومن هنا جاءت الروايات المتعددة لتشير إلى أهمية العمل الحسن في هذه الدنيا للوصول إلى السعادة في الآخرة ونيل السعادة الأبدية. ولذا يجب أن يسعى المؤمن دائماً للعمل الصالح والاستفادة من هذه الدنيا بشكل صحيح وسليم وغير ذلك يمكن أن تكون الآخرة عكس ذلك تماماً وبدل السعادة يصل إلى العذاب والشقاء وتصبح الحياة حينها أسوأ من الفناء والزوال، وينادى حينها كما ذكر القران عن لسان المشركين: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ الزخرف/77.

بناءً عليه يجب أن نستفيد بشكل سليم من نعم هذه الدنيا، فمن هنا يظهر أهمية وقيمة هذه النعم ومدى تأثيرها في بناء المستقبل. فعندما نعرف العلاقة ما بين هذين العالمين وما هو تأثير هذا العالم بعالم الآخرة نجد أن الزرع يتم في هذا العالم والحصاد هناك ولا يمكن الحصاد بدون زرع، ومن هنا يطلب الإنسان مهلة كافية من الباري تعالى لكي يتمكن من الزراعة جيداً لكي يحصل على نتائج وحصاد جيد. وأما طلب الموت إنما يأتي بمعنى العجلة للقاء الحبيب. وعلى هذا يجب التعاطي مع الدنيا بشكل دقيق وحسَّاس فلا إفراط في العلاقة ولا إعراض تام وهذا ما يسمى بالزهد.

* الزهد في الدنيا:
فكلما نظر الإنسان إلى هذه الدنيا بعين المحبة والتعظيم، وتعلق قلبه بها، ازدادت حاجته بحسب درجة حبه إليها، وبان الفقر في باطنه وعلى ظاهره، وتزلزل القلب واستولى الخوف والهم، وتكثر التمنيات ويزداد الجشع، فقد ورد في الكافي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : "من كثر اشتباكه بالدنيا كان أشد لحسرته عند فراقها". وعن الصادق عليه السلام أيضاً: "من تعلَّق قلبه بالدنيا تعلَّق قلبه بثلاث خصال: همٍ لا يفنى وأجلٍ لا يدرك ورجاءٍ لا يُنال". وهكذا الحال بالنسبة للفرح للدنيا أيضاً، فلا بد من طريقة يسلم بها الإنسان السالك الى الله تعالى ألا وهو الزهد، الزهد الذي يراه أمير المتقين علي عليه السلام في تفسيره للآية الكريمة عندما سُئل عن الزهد قال عليه السلام: "الزهد في كلمتان: أن لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم". بحيث تصبح الدنيا مسألة عادية لا يأبه لحزنها ولا لفرحها وكل ما يقدر الله يسلم به وذلك بتطبيق تكليفه الذي وُضِع من قِبَل الباري عزَّل وجل، فأهل الآخرة كلما ازدادوا قرباً من دار كرم الله، ازدادت قلوبهم سروراً واطمئناناً، وازداد انصرافهم عن الدنيا وما فيها، ولولا أن الله قد عيَّن لهم آجالهم لما مكثوا في هذه الدنيا لحظة واحدة، فهم كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : "ولولا الأجل الذي كتب الله عليهم، لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب" جعلنا الله وإياكم منهم.


أسئلة الدرس:
1 - ما هي القيمة الحقيقية للحياة الدنيا؟
2 - ما هو الرابط ما بين عالم الدنيا والآخرة؟
3 - ما معنى الزهد؟
4 - كيف يلخّص الأمير عليه السلام الزهد من خلال القران؟


 

أضيف في: | عدد المشاهدات: