ولد محمد حسيني بهشتي في مدينة أصفهان عام 1349 هـ، من عائلة علمية محافظة. بدأ دراسته بتعلم القرآن في سن الرابعة. وبعد انتهائه من الدراسة الإبتدائية وإتمامه دراسة سنتين من المتوسطة، انتقل إلى مدرسة الصدر الدينية في أصفهان حيث درس لمدة أربع سنوات القواعد العربية والمنطق وسطوح الفقه والأصول.
في عام 1367هـ انتقل الشهيد بهشتي إلى قم ليواصل دراسته في حوزتها العلمية حيث تتلمذ على يد المرحوم آية الله البروجردي وعلى يد الإمام القائد الراحل الخمينيقدس سره. لقد استطاع الشهيد بهشتي إلى جانب دراسته في الحوزة العلمية أن يتابع دراسته الثانوية التي أهلته لدخول كلية الإلهيات في طهران حيث نال شهادة الليسانس ومن ثم الدكتوراه في الفلسفة بتقدير جيد جداً.
بدأ الشهيد بهشتي نضاله العلني عام 1371هـ، وذلك مع بدء نضالات تأميم النفط في إيران. حيث سعى من خلال إلقاء الخطب والمشاركة في سائر النشاطات إلى توعية الشعب ضد مظالم النظام. وفي عام 1375هـ أوجد في حوزة قم العلمية مع رفاقه السائرين في خط الإمام حركة ثقافية إسلامية حديثة دعت إلى تنسيق الخطى بين الطلبة والعلماء وجعل كلا الفئتين تعملان معاً نحو تحقيق مصالح الشعب المشروعة ضد الاستعمار.
في عام 1373هـ. شارك الشهيد بهشتي إلى جانب الإمام الخميني قدس سره في النضال ضد النظام العميل للشاه الخائن، ثم ما لبث أن بدأ بعد سنة من ذلك بنشر طروحاته في مجال الحكومة الإسلامية، الأمر الذي دفع بالنظام الحاكم إلى أن يمارس ضغوطاً على الشهيد اضطرته إلى مغادرة قم إلى أصفهان. وفي عام 1385هـ أوفد آية الله البروجردي الدكتور بهشتي إلى ألمانيا ليتولى مسؤولية التبليغ حيث بقي هناك لمدة خمس سنوات. اجتمع في طريق عودته إلى إيران بالإمام الخميني في العراق.
بعد عودة الشهيد بهشتي إلى طهران قام النظام العميل بمنعه من الذهاب إلى قم بغية إيقاف نشاطه، إلاّ أن الشهيد أوجد عدة مراكز لأعماله التنظيمية. فقد عقد جلسات لتفسير القرآن ما لبثت أن أصبحت فيما بعد مراكز لتجمع الشبان وتنظيمهم. ثم قام في عام 1399هـ مع كل من الشهيد مطهري وحجج الإسلام رفسنجاني، وموسوي أردبيلي ومهدوي كني والشهيد باهنر بتشكيل أول مجلس للثورة في إيران، ما لبثوا أن أعلنوه بصورة رسمية بناء على طلب من الإمام الخمينيقدس سره.
وبعد انتصار الثورة بقي الدكتور بهشتي عضواً في مجلس الثورة، وانتخب أيضاً عضواً في مجلس الخبراء وتسلم رئاسة مجلس القضاء الأعلى وذلك بتأييد من الإمام الخميني قدس سره.
* للشهيد مؤلفات عديدة أهمها:
- النظام المصرفي وقوانين الإسلام المالية.
- الحكومة في الإسلام.
- دور الإيمان في حياة الإنسان.
- صوت الإسلام في أوروبا.
- الله في القرآن - وهي رسالته التي نال بها درجة الدكتوراه.
- الإسلام والأيديولوجيات المعاصرة.
* النهج الفكري والسياسي للشهيد المظلوم الدكتور بهشتي
كان من خصائص النهج الفكري للشهيد بهشتي رفض المساومة وعدم الارتباط والتبعية للأجنحة السياسية الأجنبية التي كانت تمارس نشاطها في البلاد. لقد كان الشهيد يقتدي بالإمام الخميني فقط، ويستلهم من نهجه، ويتابع سياسته ومجرى تفكيره. وبعد انتصار الثورة ظهر في الهيئة الحاكمة جناحان فكريان. أحدهما يميل إلى الغرب والآخر باتجاه الثورة الإسلامية وزعامة الإمام الخميني. لقد كان الشهيد المظلوم بهشتي أول من عرفوا هذا التيار المنحرف نحو الغرب وفضحه ونهض لمحاربته.
* مفهوم الثورة عند الشهيد
يقول الشهيد بهشتي: "إن الثورة لا يمكنها أنتكون ثورة بالمعنى الحقيقي ما لم تخلق قيماً جديدة تحل محل القيم والمعايير الرجعية السابقة...
فهل أنكم ترون الحياة الدنيا لا قيمة لها؟
وهل أنكم تعتبرون الإنسان الإلهي الذي يعمل في سبيل الله إنساناً أبدياً وأنه يعلو على جميع القيم؟
وهل أن الإنسان الذي استشهد في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون(ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) هو الإنسان المتكامل؟.
إذا كنتم تدركون ذلك وترونه أو إذا تغيرت القيم في إدراككم ونظراتكم وقلوبكم فإنكم ثوريون وسيكون النجاح والتوفيق حليفكم".
* نهج الإمام الخميني قدس سره من وجهة نظر الدكتور بهشتي
يقول الدكتور بهشتي: "نهج الإمام يقف وجهاً لوجه ضد خط المساومة...
نهج الإمام هو الذي يعرف الإسلام الأصيل فكرياً، ويقبله ويعمل به دون خوف من أن يقولوا عنه رجعي جاهل، ولا يخشى أن يصفون بالمثقف المنحرف أو يلصقوا به وصمة الرجعية.
إنه المسلم الذي لا يقبل الأفكار الالتقاطية - الملفقة الداخلية، ويمليها على هذا وذاك باسم الإسلام، ولا يقرأ الخرافات والأوهام التي تغلغلت باسم الإسلام إلى حياة المسلمين دون أن يكون لها أية جذور إسلامية".
* مفهوم الحرية بنظر الشهيد الدكتور بهشتي
يقول الدكتور بهشتي: "إن الإسلام يعتبر الحرية نقطة القوة المبدعة والخلاقة للإنسان وأن الإنسان نور الوجود الساطع ولذلك خلق الإنسان حراً مدكراً. والإسلام يعطي الإنسان الحر المدرك مجالاً واسعاً وقدرة كبيرة على الازدهار والإبداع الذاتي وتحديد الطريق ويدعوه إلى الانطلاق بهدى النور الوهاج للرسول أباطن أي العقل والحكمة، وأنه يعتبرهما الموجه والمرشد لمسيرة الإنسان".
* تحرير القدس هدف غال عند الشهيد بهشتي
يقول الشهيد: "لقد كانت القدس لمدة من الزمن قبلة للمسلمين و إن تحريرها هو هدف، ستكون لنا من أجل بلوغه جهود طويلة الأمد...
إن أحد السبل المؤثرة لتحقيق هذا الهدف هو التنفيذ الحقيقي للثورة الإسلامية في العالم".
* أهمية البعد الدعائي عند الشهيد
كان ابن الشهيد يردد أحياناً أمام والده القول: إننا ضعفاء في البعد الدعائي، فيجيبه الشهيد: "كن على ثقة ويقين أنه إذا عمل أحد عملاً صالحاً فإن هذا العلم سيجد مكانه، إذا لم يكن اليوم فغداً، وإذا لم يحدث غداً فبعد غد، بالنهاية سيحل اليوم الذي يجد فيه ذلك العمل الصالح مكانه حتى وإن استغرق الأمر خمسين عاماً".
* ملامح من شخصية الشهيد بهشتي
يقول ابن الشهيد: "كان صاحب عرفان هادىء لا يعرف الضجيج... وعلى امتداد أكثر من عشرين عاماً، كنت خلالها على اتصال وثيق به، أيقنت أن الإيمان القوي قد نفذ إلى أعماقه. هذا الإيمان الراسخ كان يمده بالقوة والمقدرة على اتخاذ القرارات الكبيرة والصغيرة باقتدار، وإن سيل التجريح والتهم وما شابه ذلك من مسائل مما كانت توجه إليه، لم تحدث أي تزلزل في إرادته... لم يقل قول سوء عمن وجهوا إليه أسوأ الإهانات ولم يغتب أحداً أبداً... لقد كان بطيء الغضب ولا يتسرع في الحكم على الأفراد... وكان شخصاً أميناً على الأسرار.
كان تركيزه على الاستقلال دائماً، وكان يقول "إنني لم أرتزق طوال عمري عن طريق الدين".
ويبقى هذا النذر اليسير من حياة زاخرة ومليئة بالتقوى والجهاد والأخلاق الفاضلة.
* اغتيال الدكتور بهشتي
لقد كان الشهيد بطبيعة تفكيره واستناجاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية نموذجاً وانعكاساً لنهج الإمام. لقد كان همه كشف المؤامرات والحفاظ على أصالة ونقاء طريق الثورة الإسلامية. لقد كان بوجوده يشكل تهديداً للأعداء يثير الرعب والفزع في نفوسهم سيما مواقفه الدائمة في معارضة الخط المنحرف الذي ظهر في الهيئة الحاكمة أوائل انتصار الثورة. لذلك امتدت يد النفاق والعمالة للغرب لتغتال الشهيد المظلوم والمجاهد بعد سنة واحدة من انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
لم يكن الهدف من اغتيال الشهيد بهشتي القضاء على حياة فرد وإنما القضاء على تفكير يصب في نهج الإمام الخميني.
وخرج محبو الشهيد من مسلمي حزب الله يهتفون في الأزقة والشوارع من الأعماق: "بهشتي يا بطل أنت أمل المستضعفين".
ووعد الإمام الخميني من أن "الشهيد كان وسيبقى شوكة في أعين أعداء الإسلام".
ويذكّر الإمام الخميني أيضاً:
"إن مظلومية الشهيد بهشتي في حياته أعظم من شهادته" مشيراً بذلك إلى الإهانات الكثيرة والاتهامات السيئة التي كانت توجه إلى الشهيد في حياته والتي لم يكن يقابلها إلا بالصمت والتوكل على الله.
ويلخص الإمام الخميني حياة هذا العالم العارف المجاهد في جملة جامعة فيقول عنه: "الشهيد بهشتي كان أمة في رجل".
* وصية الشهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
إني مُحمد حسيني بهشتي، أحمل الجنسية رقم 13707 الصادرة من أصفهان، أوصي زوجتي وأبنائي وسائر أقاربي، أن يولوا في الحياة الأهمية وقبل كل شيء للنور الإلهي الذي يتوهج في قلوب الناس، وأن يفتحوا لأنفسهم طريق السعادة من خلال الإيمان بالله الواحد العليم، السميع البصير، الرحمن الرحيم، ورسله الكرام، والاقتداء بخاتم الأنبياء، وكتابه القرآن، والأئمة المعصومين، سلام الله عليهم أجمعين، والاهتمام بذكر الله، والصلاة بقلب خاشع، وبالصيام والعبادات الأخرى، والإنفاق والإيثار والصدق والأمانة وعمل الخير لجميع الخلق، ومحاربة الباطل في سبيل نصرة الحق، والجهاد بلا هوادة في هذا الطريق، والحضور الدائم في الجماعة والألفة مع الناس.
27 رجب 1400هـ. ق.
محمد حسيني بهشتي