مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الإمام القائد: المرأة المسلمة



انعقد منذ أيام مؤتمر للدفاع عن حقوق المرأة في بكين. وقد تشدقت الأبواق الغربية بالدعوة إلى الحرية الجنسية والإباحية باعتبارها حقاً أولوياً للمرأة. ولكن الإمام الخامنئي العظيم كان له رأي آخر أظهره في مناسبة سابقة في ذكرى ولادة السيدة الزهراء (عليها السلام). فما هو؟

بسم الله الرحمن الرحيم‏

إنّ الإنسان كلّما فكّر وتدبّر أكثر في أحوال الزهراء الطاهرة عليها السلام يحتار أكثر، وحيرة الإنسان ليست ناجمة عن كيفية تمكّن هذا الكائن الإنساني من نيل هذه الرتبة من الكمالات المعنوية والماديّة في سنِّ الشباب - وهي بالطبع حقيقة تثير الحيرة أيضاً - بل من القدرة العجيبة التي استطاع الإسلام بها أن يبلغ بتربيته الرفيعة إلى درجة تُمكِّن امرأة شابة كسبت هذه المنزلة العالية في تلك الظروف الصعبة. فعظمة هذا الكائن وهذا الإنسان الرفيع تثير العجب والحيرة وكذلك عظمة الرسالة التي أظهرت هذا الكائن عظيم القدر وجليل المنزلة.

ولدت بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكريمة في السنة الخامسة للبعثة طبقاً للقول المشهور، وعلى هذا فإنّ عُمر فاطمة الزهراء عليها السلام حين الاستشهاد كان 18 عاماً. وقيل أنّ ولادة هذه السيّدة الكريمة كانت في السنة الثانية أو السنة الأولى للبعثة، فيكون الحدّ الأكثر لعمرها 22 أو 23 عاماً.

 ولو أخذتم جميع القيود التي يمكن أن تحيط بالمرأة (خاصة في تلك الفترة حيث كانت القيود أكثر)، فعند ذلك ترون العظمة التي أثبتتها هذه السيدة المكّرمة في تلك الظروف وخلال هذا العمر القصير، وبالطبع إنّني لا أتمكّن أن أتكلم عن الجوانب المعنوية والروحية والإلهية لتلك السيدة الكريمة، فأنا أقل من أن أدرك تلك الأمور، وحتى لو استطاع شخص إدراك ذلك، فإنّه لا يستطيع وصفها وبيانها كما هو حقّها، فتلك الجوانب المعنوية هي عالم آخر. وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إن فاطمة كانت مّحدّثة" أي أن الملائكة كانت تنزل عليها وتأنس معها وتحدّثها. وهناك روايات عديدة في هذا المجال. وإن كونها محدّثة لا يختص بالشيعة فقط، فالشيعة والسنّة يعتقدون أنّه كان هناك أشخاص في صدر الإسلام - أو من الممكن وجودهم - كانت تحدّثهم الملائكة، ومصداق هؤلاء في رواياتنا هي فاطمة الزهراء عليها السلام. وقد ورد في هذه الرواية عن الإمام الصادق عليها السلام بأنّ الملائكة كانت تأتي فاطمة الزهراء عليها السلام وتتحدّث معها وتقرأ عليها آيات الله. وكما أنّ هناك تعبير في القرآن حول مريم عليها السلام في الآية ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِين، (آل عمران42)، فإن الملائكة كانت تخاطب فاطمة الزهراء عليها السلام وتقول: "يا فاطمة أن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين".

ثم يقول الإمام الصادق عليه السلام في هذه الرواية بأنّ الملائكة في إحدى الليالي كانت تتحدث مع فاطمة عليها السلام وكانت تذكر هذه العبارات، فقالت فاطمة الزهراء عليها السلام لها: "أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم" فقالت الملائكة لفاطمة الزهراء عليها السلام: بأن مريم كانت المفضلة على النساء في زمانها وفاطمة مفضلة على النساء في كل الأزمنة من الأوّلين والآخرين. فأي مقام معنوي رفيع هذا؟ إنّ الإنسان العادي مثلنا لا يمكنه أن يتصوّر في ذهنه هذه العظمة والدرجة.

وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام قالت له بأن الملائكة تأتي وتتحدث معها وتقول لها بعض المسائل. فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام بأن تخبره عندما تسمع صوت الملك حتى يكتب ما تسمع، فكتب أمير المؤمنين ما أملته الملائكة على فاطمة الزهراء عليها السلام وأصبح هذا كتاباً موجوداً لدى الأئمة عليهم السلام اسمه (مصحف فاطمة) أو (صحيفة فاطمة).

وقد جاء في روايات عديدة أن الأئمة عليهم السلام كانوا يراجعون (مصحف فاطمة) في مسائلهم المتنوّعة، ثم قال الإمام عليه السلام: "إنه ليس فيها حلال وحرام، فيها علم ما يكون"، فأي علم رفيع هذا؟ وأيّة معرفة وحكمة ليس لها نظير هذه التي أعطاها الله تعالى لإمرأة في سنيّ الشباب؟ هذا هو المقام المعنوي للزهراء عليها السلام.

إن هذه المسائل المعنوية لها ارتباط كبير بالفضائل العملية، ارتباط بما ينجم عن جهد فاطمة الزهراء عليها السلام وهذا المقام لا يعطى مجاناً وبلا سبب. فعمل الإنسان له تأثير كبير في إحراز الفضائل والمناقب المعنوية.

البنت التي ولدت في لهيب الجهاد المرير للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة، والتي أعانت أبيها وواسته في شعب أبي طالب، كانت فتاة عمرها حوالي 7 - 8 سنوات أو أقل أو أكثر بعدة سنوات (حسب اختلاف الروايات)، ومع ذلك تحمّلت تلك الظروف، من الذي يرفع عن وجهها غبار الهمّ في تلك الظروف حيث توفيت خديجة وأبو طالب والنبي لوحده بلا مواس، والجميع كانوا يلوذون به؟ فلا خديجة ولا أبو طالب في تلك الظروف الصعبة وفي ذلك الجوع والعطش والبرد والحر الذي استمرّ ثلاث سنوات في شعب أبي طالب (وهي من الفترات الصعبة في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم) حيث كان يعيش عدد من المسلمين في شقّ جبل وهم في حالة إبعاد إجباري، في تلك الأحوال تحمّلت هذه الفتاة المشاكل فكانت كالمنقذ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأمٍّ لأبيها، وممرضة عظيمة لذلك الإنسان العظيم. فقد واست النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحمّلت العناء وعبدت الله وعزّزت إيمانها وهذّبت نفسها وفتحت قلبها للمعرفة والنور الإلهي. وهذه هي الأمور التي توصل الإنسان إلى الكمال.

وبعد الهجرة؛ وفي بداية سنيِّ التكليف تزوّجت فاطمة الزهراء عليها السلام من علي بن أبي طالب عليه السلام، ولعلّكم جميعاً تعرفون البساطة وحالة الفقر التي مرّت بها فاطمة الزهراء عليها السلام بعد زواجها وهي بنت الشخص الأول في العالم الإسلامي، والحاكم على أولئك الناس.

إنّ حياة فاطمة الزهراء عليها السلام في جميع الأبعاد كانت مليئة بالعمل والسعي والتكامل والسمو الروحي للإنسان، وكان زوجها الشاب في الجبهة وميادين الحرب دائماً، وكانت مشاكل المحيط والحياة قد جعلت فاطمة الزهراء عليها السلام مركزاً لمراجعات الناس والمسلمين. وقد أمضت البنت المعينة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حياتها بمنتهى الرفعة في تلك الظروف، وقامت بتربية أولادها الحسن والحسين وزينب وإعانة زوجها علي عليها السلام وكسب رضى أباها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعندما بدأت مرحلة الفتوحات والغنائم لم تأخذ بنت النبي ذرّة من لذائذ الدنيا وزخارفها ومظاهر الزينة والأمور التي تميل لها قلوب الشابات والنساء.

وكانت عبادة فاطمة الزهراء عليها السلام عباد نموذجية. يقول الحسن البصري الذي كان أحد العبّاد والزهّاد في العالم الإسلامي حول فاطمة الزهراء عليها السلام بأنّ بنت النبي عبدت الله ووقفت في محراب العبادة إلى درجة (تورَّمت قدماها)،

 ويقول الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بأنّ أمّه وقفت تعبد الله في إحدى الليالي حتى الصبح (حتى انفجر عمود الصبح)، ويقول الإمام الحسن عليه السلام أنّه سمعها تدعو دائماً للمؤمنين والمؤمنات، وتدعو للناس وتدعو للمشاكل العامة للعالم الإسلامي، وعند الصباح قال لها: "يا أُمّاه أما تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك"، فقالت: يا بنيّ الجار ثم الدار".

إن جهاد تلك المُكرَّمة في الميادين المختلفة هو جهاد نموذجي، في الدفاع عن الإسلام وفي الدفاع عن الإمامة والولاية، وفي الدفاع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي المعاشرة مع أكبر القادة الإسلاميين وهو أمير المؤمنين الذي كان زوجها. وقال أمير المؤمنين عليه السلام مرة بشأن فاطمة الزهراء عليها السلام: "ما أغضبتني ولا خرجت من أمري". ومع تلك العظمة والجلالة، فإن فاطمة الزهراء عليها السلام كانت زوجة في بيتها، وامرأة كما يقول الإسلام، وعالمة رفيعة في محيط العلم. وعن الخطبة التي قالتها فاطمة الزهراء عليها السلام في مسجد المدينة بعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال العلامة المجلسي: إن على كبار الفصحاء والبلغاء والعلماء أن يجلسوا ويوضّحوا كلمات وعبارات هذه الخطبة. فقد كانت قيّمة إلى هذه الدرجة. ومن حيث الجمال الفنّي فإنّها كانت مثل أجمل وأرفع كلمات نهج البلاغة وفي مستوى كلام أمير المؤمنين عليه السلام، ذهبت فاطمة الزهراء عليها السلام ووقفت في مسجد المدينة وتكلّمت ارتجالاً أمام الناس حوالي ساعة كاملة بأفضل وأجمل العبارات وأصفى المعاني. هكذا كانت عبادتها وفصاحتها وبلاغتها وحكمتها وعلمها ومعرفتها وجهادها وسلوكها كزوجة وكأُم، وإحسانها إلى الفقراء.

فمرة أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً عجوزاً فقيراً إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام وقال له أن يطلب حاجته منهم، فأعطته فاطمة الزهراء عليها السلام جلداً كان ينام عليه الحسن والحسين حيث لم يكن عندها شيئاً غيره، وقالت له أن يأخذه ويبيعه ويستفيد من نقوده. هذه هي شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام الجامعة للأطراف. إنها أسوة للمرأة المسلمة.

إن على المرأة المسلمة أن تسعى في طريق الحكمة والعلم وفي طريق التهذيب المعنوي والأخلاقي للنفس وتكون طليعة في ميدان الجهاد والكفاح (بكل أنواعه) ولا تهتم بزخارف الدنيا ومظاهرها الرخيصة وتكون عفّتها وعصمتها وطهارتها بدرجة بحيث تدفع عنها نظر الأجنبي تلقائياً،

وفي البيت سكينة للزوج والأولاد وراحة للحياة الزوجية، وتربي في حضنها الحنون والرؤوف وبكلماتها اللطيفة والحنونة أولاداً مهذّبين بلا عقد، وذوو روحية حسنة وسليمة، وتربّي رجالاً ونساءاً وشخصيات المجتمع. إنّ الأم هي أفضل من يبني، فأكبر العلماء قد يصنعوا أداة الكترونية معقدة جداً مثلاً، أن يصنعوا أجهزة للصعود إلى الفضاء أو صواريخ عابرة للقارات، ولكن هذا كلّه لا يعادل أهمية بناء إنسان رفيع، وهو عمل لا يتمكن منه إلاّ الأم، وهذه هي أسوة المرأة المسلمة.

إن العالم الاستكباري الغارق في الجاهلية يخطى‏ء عندما يتصوّر أن قيمة واعتبار المرأة هو في تجمّلها أمام الرجل حتى تنظر إليها العيون الطائشة وتتمتع برؤيتها وتصفّق لها. وهذا الذي يطرح اليوم من قبل الثقافة الغربية المنحطّة بعنوان حريّة المرأة قائم على هذا الأساس؛ وهو جعل المرأة معرضة لأنظار الرجل حتى يتمتع بها الرجل ويلتذ منها فتكون النساء وسيلة لالتذاذ الرجال. ويسمّون هذا حرية المرأة. فهل هذه هي حرية المرأة؟.

إن الذين يدّعون حماية حقوق الإنسان وحقوق المرأة في العالم الغربي الجاهل والغافل والمنحرف هم في الحقيقة يظلمون المرأة. إنّ عليكم أن تنظروا إلى المرأة نظرة إنسان رفيع حتى يتّضح ما هو حقها وحريتها وكمالها؟ انظروا إلى المرأة وكيف هي حريتها. انظروا للمرأة على أنها عنصر أساسي في تشكيل الأسرة، فرغم أن الأسرة تتشكل من الرجل والمرأة، وكلاهما مؤثر في تشكيل الأسرة، ولكن استقرار أجواء الأسرة هو ببركة المرأة وطبيعة النساء. فلينظروا إلى المرأة هذه النظرة حتى يتبينّ كيف تتكامل المرأة، وأين هي حقوقها؟.

إن الأوروبيين عندما تقدّموا صناعياً (أوائل القرن التاسع عشر) وفتح الرأسماليون الغربيون مصانع كثيرة، كانوا بحاجة إلى عمّال بأجور زهيدة لا يثيرون العناء، ولذا رفعوا ضجّة حرية المرأة من أجل سحب المرأة من الأسرة إلى المصانع والاستفادة منها باعتبارها عاملاً زهيد الأجر فيملؤون جيوبهم ويسقطونها من كرامتها ومنزلتها.

إنّ ما طرح اليوم من حرية المرأة في الغرب هو استمرار لتلك القضية، ولذا فإن الظلم الذي تعرضت له المرأة في الثقافة الغربية والفهم الخاطئ‏ للمرأة في الثقافة والأدب الغربيين ليس له نظير في كل عصور التاريخ. فقد تعرّضت المرأة سابقاً إلى الظلم ولكن الظلم العام والشامل يختص بالفترة الأخيرة وهو ناجم عن الحضارة الغربية، حيث اعتبروا المرأة وسيلة لالتذاذ الرجال واطلقوا على ذلك اسم حرية المرأة!

 بينما الحقيقة هي أن ذلك هو حرية للرجال الطائشين من أجل التمتع بالمرأة. ولم يقم الغربيون بظلم المرأة في مجال العمل والنشاط الصناعي وأمثال ذلك فقط، بل كذلك في مجال الفنّ والأدب أيضاً. فلو نظرتم اليوم في النتاجات الفنية وفي القصص والشعر والرسوم وفي أنواع الأعمال الفنيّة لديهم، لرأيتم ما هي نظرتهم للمرأة. هل هناك اهتمام بالجوانب الإيجابية والقيم الرفيعة الموجودة في المرأة؟ هل هناك اهتمام بالعواطف الرقيقة والرأفة والطبع الرؤوف الذي أودعه الله تعالى في المرأة، طبع الأمومة وروحية المحافظة على الطفل وتربية الأولاد، أم الاهتمام بالجوانب الجنسية أو بتعبيرهم جوانب العشق، وهو تعبير خطأ وغير صحيح، فحقيقة المسألة هي الشهوة وليست العشق، وقد أرادوا تربية المرأة وتعويدها هكذا، فهم يعتبرون المرأة كائناً استهلاكياً سخياً، وعاملاً قليل المطالبة وزهيد الأجور.

إن الإسلام لا يعتبر ذلك قيمة المرأة، والإسلام يؤيّد عمل المرأة، بل لعله يعتبره لازماً عندما لا يزاحم عملها الأساسي، والذي هو أمّ أعمالها، أي تربية الأولاد والمحافظة على الأسرة. ولا يمكن للبلد أن يستغنى عن طاقة العمل عند النساء في المجالات المختلفة. ولكن هذا العمل يجب أن لا يتنافى مع كرامة المرأة وقيمتها المعنوية والإنسانية. ويجب أن لا يذلّوا المرأة ولا يدفعوها إلى التواضع والخضوع، فالتكبّر مذموم من جميع الناس إلاّ من النساء أمام الأجانب. فيجب أن تكون المرأة متكبرة أمام الرجل الأجنبي (فلا تخضعن بالقول). وهذا هو من أجل المحافظة على كرامة المرأة، والإسلام يريد هذا وهذه هي أسوة المرأة المسلمة. المعجزة العظيمة التي تصنعها المرأة المسلمة عندما تعود إلى فطرتها وأصلها، كما حصل في الثورة والنظام الإسلامي - ولله الحمد - وكما يشاهد اليوم أيضاً، فنحن لم نرَ تلك القدرة والعظمة من النساء كما نراها في أُمّهات الشهداء، ولم نرى تلك التضحية من النساء الشابات كما رأيناها في فترة الحرب حيث كنّ يرسلن أزواجهن الأحباء إلى ميادين الحرب ويحافظن على أسرهن وعفّتهن وأمانتهن ليبقى الأزواج مرتاحي البال هناك.

فهذه هي عظمة الإسلام التي ظهرت على وجوه نسائنا الثوريات في أيام الثورة وحالياً أيضاً - ولله الحمد - ، فلا يقول البعض أن النساء لا يمكنهن كسب العلم إذا حافظن على الحجاب والعفة وإدارة البيت وتربية الأولاد، فكم من النساء العاملات لدينا في مختلف المجالات في مجتمعنا - ولله الحمد - ، فهناك عدد كبير من الطالبات الجامعيات المجدّات ومن ذوات القابلية، وكذلك من الخريجات في مستويات عالية وطبيبات ممتازات من النمط العالي في مجالات علمية متنوّعة.

إن نساءنا اليوم في الجمهورية الإسلامية يحافظن على عفافهن وعصمتهن وطهارتهن كنساء ويحافظن على الحجاب بشكل كامل، ويقمن بتربية أولادهن بالطريقة الإسلامية كذا بالواجبات الزوجية كما يقول الإسلام، ويمارسن نشاطات علمية وسياسية.

إنّني أقول للنساء المسلمات - الشابات وربّات البيوت - لا تذهبن وراء الإعلام الاستهلاكي الذي يروّج له الغرب كالأرَضَة في روح المجتمعات البشرية ومجتمعات الدول النامية ومنها دولتنا. فالاستهلاك جيد بمقدار اللازم وليس في حدّ الإسراف، وعلى نساء المسؤولين اللواتي لدى أزواجهن أو لديهنّ مسؤوليات في المجالات المختلفة أن يكنّ أسوة للأخريات من حيث الابتعاد عن الإسراف. ويجب عليهن أن يعطين الأخريات درساً في أن المرأة المسلمة هي أرفع من أن تصبح أسيرة المجوهرات والمسكوكات الذهبية وأمثال هذه الأشياء. ولا نريد أن نقول إنّها حرام، بل نريد أن نقول إن شأن المرأة المسلمة هو أرفع من أن يقوم البعض - في الفترة التي يعيش كثير من أبناء مجتمعنا في وضع هم بحاجة فيه إلى المساعدات الماديّة - في شراء الذهب والزينة ووسائل الحياة المتنوعة ويسرفون في مجالات الحياة المختلفة. وهذه هي أسوة المرأة المسلمة، وهذه هي إحدى الميادين التي نفخر بها أمام العالم الاستكباري.

وقد قلت مراراً للخطباء والمبلّغين؛ إن على الثقافة الغربية المنحطّة أن تدافع عن نفسها في مسألة المرأة، وليس نحن الذين ندافع عن موقفنا، وإن ما نعرضه للمرأة لا يمكن لأيّ إنسان عاقل ومنصف أن ينكر بأنّ ذلك جيّد للمرأة، فنحن ندعو المرأة إلى العفّة والعصمة والحجاب وعدم الاختلاط والمعاشرة بلا حدّ بين المرأة والرجل والمحافظة على الكرامة الإنسانية وعدم الزينة أمام الرجال الأجانب من أجل أن يلتذّوا، فهل إنّ هذه أمور سيئة؟ إنها كرامة للمرأة المسلمة، وإنّ على الذين يشجعون المرأة في التزيّن والتبرّج حتى ينظر إليها الرجال في الشوارع والأسواق ليشبعوا غرائزهم الجنسية أن يدافعوا عن أنفسهم لأنهم أنزلوا المرأة إلى هذا الحد وأذلّوها. إن ثقافتنا هي ثقافة يقبلها العظماء والعلماء حتى في الغرب وهكذا هو سلوكهم أيضاً، ففي الغرب لا تقبل النساء العفيفات واللواتي يرين لأنفسهن قيمة أن يجعلن أنفسهن أداة لإشباع الغرائز الجنسية للأجانب والأنظار الطائشة.

إن الثقافة الغربية المنحطّة فيها أمور كثيرة من هذا القبيل، ومن المسائل التي يتكلّمون عنها هي مسألة حقوق الإنسان. فهل أن الأمر الذي يدافع عنه الغرب هو حقوق الإنسان حقيقية؟ فزعماء حقوق الإنسان صامتون عندما تهدر حقوق أكثر من مليار مسلم تهان مقدّساتهم. وأنتم ترون اليوم إن جميع الأجهزة الاستكبارية وعملاءها من أصحاب الأقلام والمرتزقة قد وقفوا صفاً في الدفاع عن إنسان لا قيمة له عرض كتاب آيات شيطانية للناس، وهو إنسان مرتد وملحد، إنه سلمان رشدي، فهل إنّ هذا هو دفاع عن حقوق الإنسان؟


لماذا لا يتكلّمون عن حقوق الإنسان عندما تهدر حقوق مائتي مليون مسلم هندي وتحرق أماكن العبادة من قبل بعض الجاهلين والمتعصّبين؟ لماذا لا يدافعون عن حقوق الإنسان في البوسنة والهرسك حيث يتعرض ملايين الناس لأصعب العقوبات الظالمة والمجازر الجماعية فيموت الأطفال والنساء ويقتل المرضى، بل يكتفون بالكلام فقط؟ إذا كانوا حقاً يدافعون عن حقوق الإنسان فلماذا سكتوا هنا؟ لماذا شرّدوا الشعب الفلسطيني من دياره وغصبوا أراضيه ويقومون اليوم في كل مناسبة هم وأنصارهم بقصف المخيمات الفلسطينية في لبنان، ولا يتكلم الذين يدافعون عن حقوق الإنسان؟ هل أن هؤلاء هم المدافعون عن حقوق الإنسان؟ أم إنهم كذّابون ومحتالون أن حقوق الإنسان بالطريقة الغربية هي حقوق معادية للإنسان؟ حقوق الظالمين؟ فهذه ليست حقوق الإنسان ونحن نؤيّد حقوق الإنسان، والإسلام يؤيّد حقوق الإنسان، وليس هناك أي دين كالإسلام يعطي للإنسان هذا القدر من القيمة والكرامة الرفيعة.

إن من القواعد الإسلامية التي تطرح دائماً في مدح الإسلام هي قاعدة تكريم الإنسان، ونحن لا ننتظر أن يأتي الغربيون ويعلموننا حقوق الإنسان أو يوصونا بالمحافظة على حقوق الإنسان، فنحن أول المؤيدين لحقوق الإنسان، ولكن حقوق الإنسان يمكن الدفاع عنها في ظل الإسلام واعتبارها حقوقاً للإنسان. فالإسلام هو الذي دافع عن حقوق الناس في أحكامه، سواء في الأحكام القضائية والجزائية أو في الأحكام المدنية والحقوق العامة والمسائل السياسية، وإن ما يعتبره أولئك حقوقاً للإنسان ليست حقوقاً للإنسان.

 ونحن ندافع عن حقوق الإنسان وسوف نتابع حقوق الإنسان ولا نهتم بما تقول اللجنة الفلانية لمنظمة الأمم المتحدة واللجنة الدولية الفلانية، فنحن ندافع عن حقوق الإنسان لأنّ الإسلام أمر بذلك، لأنّ حقوق الإنسان هي من أسس الإسلام، أما ما يطرحه أولئك فنعتبره حيلة وكذب. فذلك هو دفاعهم عن حقوق المرأة وهذا هو دفاعهم عن حقوق الإنسان.

إن المستكبرين والمستبدّين وناهبي العالم، والذين لا يهتمون بحقوق الشعوب والعاملين للقضاء على مصالح الشعوب الضعيفة، والمحتلين لأراضي الدول الضعيفة، يحملون اليوم راية الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ومن الواضح أن الشعوب الإسلامية لا يمكن أن تهتم بهؤلاء. والمهم أن تقمْنَ أنتن النساء المسلمات وخاصة الشابات والفتيات الجامعيات والسيّدات العاملات في النشاطات العلمية والاجتماعية والسياسية بمتابعة هذه الطريقة الإسلامية بجديّة واهتمام كامل وعدم تركها.

إن التربية الإسلامية والثورية للمرأة المسلمة تدعو إلى فخر وتباهي الجمهورية الإسلامية. ونحن نفخر بنسائنا المسلمات، ونفخر عندما تظهر النساء بحجاب كامل في الصور التي تلتقط للمسيرات، وهنّ يحملن أطفالهن ويخرجن إلى المسيرات في الظروف الصعبة لإعلان موقف سياسي، أو يحضرن في صلاة الجمعة - وهي أمر عبادي سياسي - ، ويدلين بأصواتهن لانتخاب المرشحين السياسيين.

إن الجمهورية الإسلامية تفخر ويرتفع شأنها عندما تحصل نساؤها على درجات عالية في الجامعات أو يحصلن على الرتبة الأولى والثانية في الفروع المختلفة للامتحانات الوزارية، وهذا فخر لأحكام الإسلام النورانية.

وفي هذا العالم الذي تتحرّك فيه موجات الإعلام المنحرف الخاطئ‏ من كلّ الجوانب استطاعت المرأة المسلمة إثبات وجودها بهذه الشجاعة وبهذا الرأي المستقل، وكلّ هذا من بركات الإسلام.

إن محيط الجامعات مهم جداً، وعلى السيدات الجامعيات والأساتذة أن يسعين لنشر هذه الروحية والثقافة الإسلامية في محيط الجامعات، ولا يسمحن بهتك حرمة الحجاب الإسلامي وكذا النساء والطالبات الجامعيات المسلمات أو نشر الأفكار الفاسدة، فمحيط الجامعة يجب أن يكون محيطاً إسلامياً، محيطاً لنمو الإنسان والمرأة المسلمة، المرأة التي أسوتها فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وذلك مهم جداً لمستقبل البلد، والموضع أكثر أهمية في بعض الجامعات مثل المعهد العالي للمعلمين، الذي هو في الحقيقة مؤسسة ثورية، وقد قلت دائماً أن ما ننتظره من المعهد العالي للمعلمين هو أكثر من الجامعات الأخرى، فرغم أن جميع الجامعات هي اليوم في ظل الإسلام - ولله الحمد - ولكن المعهد العالي للمعلمين هو وليد الإسلام والثورة، وقد أسّس بهدف إعداد الأساتذة والمدرسين الإسلاميين من أهل المنزلة الرفيعة، وما ننتظره من هذه الجامعة هو أكثر من الجامعات الأخرى، ويجب أن يكون اهتمام المسؤولين بهذا النوع من المراكز اهتماماً لائقاً وكما ينبغي. نرجو أن يشملكم الله تعالى برحمته ورعايته ويتلطّف عليكم الوجود المقدّس لولي العصر أرواحنا فداه وترضى عنكم الروح المقدّسة لإمامنا الكبير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع