نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الشهيد المجاهد جعفر علي الموسوي

نسرين إدريس قازان

الشهيد المجاهد جعفر علي الموسوي (السيد صادق)
اسم الأم:
خديجة الموسوي
محل وتاريخ الولادة:
النبي شيت 14/05/1974
الوضع الاجتماعي:
متأهل وله ثلاثة أولاد
رقم السجل:
111/8
تاريخ الاستشهاد:
03/10/2012 أثناء قيامه بواجبه الجهادي


بكثير من التفكير والتخطيط والتدبّر قلّب السيد جعفر صفحات حياته، وحرص على أن لا يمرّ وقتٌ من دون أن يستثمره في شؤون الدنيا والآخرة. ولم تكن قدرته على اتخاذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة لافتة، بقدرِ ما كان لافتاً في نفاذ بصيرته وحِكمته ومعالجته للأمور من جميع زواياها.

*بكت أمه فرِحةً به
المرة الأولى التي تصدّى فيها جعفر للمسؤولية، كان في ظرف مفاجئ كشف عن شخصيّة واعية ومتوازنة؛ وذلك بُعيد استشهاد الأمين العام لحزب الله، سماحة السيد عباس الموسوي قدس سره، حيث اضطر والدا جعفر إلى النزول إلى بيروت على أن يعودا في اليوم ذاته، تاركين أولادهما الستة في البيت، وأكبرهم جعفر (سبعة عشر عاماً). وشاء الله، آنذاك، أن تضرب البقاع عاصفة ثلجيّة قويّة، قَطعت الطرقات وحَبست الناس في بيوتها لمدة تزيد عن أسبوعين، حالت دون وصول الأبوين إلى أبنائهما. وعندما فُتحت الطرقات وجدا الأبناء في انتظارهما، وفي حالة جيدة جداً في ظل إدارة جعفر الذي اهتم بكل التفاصيل، من الترتيب والنظافة، والحفاظ على دفء المنزل وحتى الخبز والعجن. وفي تلك اللحظة، بكت الأم فخراً وفرحاً به.

*طفولة "نادي المنتظر"
كان جعفر في بداية عمره عندما كانت أمه ترسله لشراء ما يلزمها من أغراض، في ظل غياب والده الذي قضى أغلب أيامه مسافراً في سبيل تحصيل لقمة العيش، فكان جعفر منذ صغره يبادر للقيام بكل ما يمكن أن يخفّف عن أمه أعباء المنزل.

تلقّف جعفر الذي تربى في قريته النبي شيت، كل ما من شأنه أن يصقُل شخصيّته دينياً واجتماعياً، فالتحق بـ"نادي المنتظر" منذ طفولته وتدرّج معهم في البرنامج العبادي الذي كان له دورٌ كبيرٌ في صقل شخصيّته دينيّاً ومعنويّاً واجتماعيّاً.

وكان لجلوسه في مقام الشهيد السيد عباس الموسوي قدس سره، أثر كبير على سلوكه الروحي، فكانت العلاقة مع الله أولويّة في حياته، وحتى بعد زواجه وإنجابه ثلاثة أولاد؛ فقد حَرَص كثيراً على رفدهم بالتعاليم الإسلاميّة الصحيحة، والأخلاق الرفيعة، وواكب بناء علاقتهم مع الله، ومع أهل البيت عليهم السلام؛ فيُزَيَّن المنزل مع ولادة كل إمام، ويُصبغ البيت بالحزن عند الاستشهاد. وكانت حبائل المساء تتهادى على نغمة صوته وهو يحكي لأطفاله الحكايا المستقاة من سيرة الأنبياء والأئمة عليهم السلام. وكم كانت فرحته عارمة حينما طلبت منه ابنته أن تكون هديّة تكليفها زيارة الأماكن المقدسة في العراق، لأنها اختارت أن تبدأ طريقها من باب الأئمة عليهم السلام في العتبات المقدسة في العراق.

لم يكن جعفر يواكب أولاده في المسائل الدينيّة الدقيقة من دون أن يجالسهم ويشرحها لهم، فكان يذكّرهم دوماً بالصلاة في أول وقتها، وكان يجلس مع أولاده ويقرأون القرآن سويةً أو يحفظونه، وكان يعطي هدية لمن يحفظ جيداً، كما كان يستفيد من أوقات خروجهم في السيارة للفسحة ليرددوا ويحفظوا معه دعاء العهد وزيارة وارث..

*دائم الشكر... سخيّ العطاء
وعلى الرغم من انشغاله الدائم، واستغلال أيام العطلة ولحظات الفراغ بالبقاء بين أطفاله، إلا أنّ ذلك لم يؤخر جعفر عن صلة رحمه أو عن تفقّد معارفه في زيارات اجتماعية. كذلك، أعطى لنفسه وقتاً للتفكير والتأمل، فكانت تلك المساحة التي يقضيها وحده بعد صلاة الصبح على شاطئ البحر، محطة يومية له للتفكّر والتدبّر بشؤون الدين والدنيا.

"وبالشكر تدوم النعم"، هذا القول وضعه جعفر دائماً نصب عينيه، فكان دائم الشكر على ما منّ الله عليه من حب العطاء والإيثار، فكان على قلّة ما يملك يحتارُ كيف ينفق في سبيل الله، فالصدقةُ ملازمة لأيامه، فلا يطوي يوماً من دون صدَقَة..

*بين المقاومين.. مقاوماً
في عمر الثانية عشرة كان جعفر وأترابه يلعبون لعبة المقاومةِ، فإن كبروا قليلاً واشتد عودهم، وجَدْتهم التحقوا بصفوف المقاومين. فما إن أنهى جعفر دراسته المهنية في هندسة الكهرباء، حتى كان في خندق الجهاد، حيث عُرف عنه المبادرة والنشاط، وكان لا يتأخر عن القيام بأيّ عمل يُطلب إليه في أيّ وقت من الأوقات، فوصل ليله بنهاره. لهذا، كان يقتنصُ ساعات الراحة اقتناصاً، بين مهمة هنا ودورة هناك. وما كانت الإصابة التي أصيب بها في ظهره أثناء مهمة جهادية لتؤخره أو لتثبط من عزيمته.. وتشهد تلال البقاع الغربي على السيد صادق، الذي كان مقداماً شجاعاً في مواجهة عدوٍ غاشم.

شارك جعفر في التصدي للعدوان الإسرائيلي في تموز من العام 2006 وتنقّل في عدة محاور. وعندما رجع ، كانت الغربة قد تركت ملامحها في تقاسيم وجهه، وصارت الحياة عبئاً ثقيلاً عليه، حتى إذا ما دقّ نفير الجهاد في الدفاع عن حرم السيدة زينب عليها السلام، كان من أوائل الملبين لذلك، وصار يدعّم أحاديثه مع أولاده بعِدَّة وصايا وكأنه يحضّرهم، من حيث لا يشعرون، إلى أن ثمّة مسؤولية ستُلقى على عاتقهم قريباً.

*حين فُتح باب الوصال
وكانت تلك الليلة التي كسر فيها جعفر صمته، فالرجل الذي كان يصلي صلاة الليل ويقرأ الدعاء بصوت هامس لا يسمَعه من في الغرفة المجاورة، ترك لروحه الأنين بصوت عال، فاستيقظت زوجته على مناجاته مستغربة، وعندما قامت لتراه، وكان قد أنهى صلاته، نظر مبتسماً في وجهها قائلاً: "الحمد لله أنهيت ما عليَّ من صلاة وصيام".
قبل انطلاقه إلى عمله تصوّر جعفر مع أولاده الذين كانوا يتحضرون للذهاب إلى المدرسة في يومهم الأول، ثم زار منزل والديه حيث تفقّدهما وسلّم عليهما.

كان الخريف قد بدأ ينشر حزنه على وجه الدنيا، و"السيد صادق" الذي كان يطرقُ باب الله كل ليلة ليستغفر ويطلب منه الدنو، قد فُتح له باب الوصال، فاستشهد أثناء قيامه بواجبه الجهادي، مع اثنين من رفاقه.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع