بمَ ينتصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (1)* أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (2)* تسابيح جراح | نور إرادتي أقوى من ظلام عينَيّ الشهيد القائد إبراهيم محمّد قبيسي (الحاج أبو موسى) صحة وحياة | كيف نتجاوز ألم الفقد؟ كشكول الأدب تحقيق | الشهادة ميراثٌ عظيم (2) بيئة | حربٌ على الشجر أيضاً عوائل الشهداء: لن يكسرنا الغياب لتكن علاقاتنا الاجتماعيّة مصدر أنس ٍوعافية

يـاطر: إرثٌ في التاريخ والمقاومة (1)

تحقيق: نقاء شيت


ياثر، هو الاسم الأصليّ لبلدة ياطر الجنوبيّة، لكنّه تعرّض للتحريف على يد الاحتلال الفرنسيّ عام 1920م، نظراً إلى عدم وجود حرف الثاء في اللغة الفرنسيّة.

تقع البلدة على سبع تلال قديمة العهد، وهي مبنيّة على أنقاض بلدة قديمة كانت عامرة في العصور القديمة. وقد استمدّت اسمها من اسم النبيّ ياثر عليه السلام، الذي يقع مقامه داخلها.

تتميّز البلدة بإرث ثقافيّ عريق، حيث عايشت فصولاً من التاريخ الإسلاميّ. وقد عُثر فيها على عملة ذهبيّة يعود تاريخها إلى عام 131هـ، إضافة إلى عملات تعود للعصر العبّاسيّ، والفاطميّ، والأيّوبيّ، والمملوكيّ، والعثمانيّ. كما اكتُشفت فيها مخطوطتان يعود تاريخهما إلى نحو ثمانمئة عام في زمن المماليك؛ الأولى بخطّ ابن أبي جامع الياثري، والثانية بخطّ أحمد بن الحسين الياثري، ويفصل بينهما ثلاثون عاماً.

وللاطّلاع على تاريخ القرية كان لمجلة بقيّة اللّه هذا التحقيق مع د. محمد كورانيّ.


* ياثر
يعني الاسم في اللغة السريانيّة الوفرة والكثرة والحسن. وتشير التحقيقات التاريخيّة إلى أنّ النبيّ ياثر عليه السلام قد يكون هو نفسه النبيّ شعيب عليه السلام، وبذلك، تكون عين يثرون إشارة إلى بلدة عيثرون. أمّا البئر الواقعة بين عيثرون وبليدا، فهي بئر النبيّ شعيب عليه السلام، الملقّب بـ«يثرون»، وهي ذاتها التي استسقى منها النبيّ موسى عليه السلام لبنات النبيّ شعيب عليه السلام.

* أهميّة موقعها الجغرافيّ
تكتسب هذه البلدة أهميّتها من موقعها الجغرافيّ، فبالإضافة إلى انتشارها على تلال سبعة، فهي أيضاً محاطة بأحراج السنديان والبطم والملول. كما أنّها تحوي الكثير من الخرائب القديمة في خراجها، ومنها تلّة مريمين وطيرهرما(1). تتميّز البلدة بتضاريسها الوعرة ومسالكها الصعبة التي أكسبتها موقعاً استراتيجيّاً؛ فهي تشرف شمالاً وغرباً على الساحل الممتدّ من جنوبي صور حتّى مشارف صيدا الجنوبيّة. كما يظهر منها جبل الشيخ بوضوح، إلى جانب منطقة النبطيّة وإقليم التفّاح. أمّا أعلى قممها فهي قمّة الحقبان التي يبلغ ارتفاعها 763 متراً عن سطح البحر، وتبعد عن فلسطين المحتلّة 4 كلم (خطّ أفقيّ) و114 كلم عن العاصمة بيروت.

* محطّات تاريخيّة مهمّة
شهدت ياثر محطّات تاريخيّة مهمّة وبارزة في النضال والمقاومة، نذكر منها:

1. حفظ التشيّع: كانت البلدة منبعاً لرجال الفكر ومركزاً لرجال السياسة، بحيث لمع فيها عام 1642م نجم الحاجّ محمّد عزقول، الذي انتدب الشيخ حمّود الكوراني، وهو أحد أبناء قريته، لمهاجمة عيناثا حيث مركز حكم الشكريّين، لإرجاع علي الصغير الوائليّ(2) إلى حكم جبل عامل (بلاد بشارة). وقد نجح الاثنان بالإطاحة بالحكم السابق، وظلّت العائلة الوائليّة تحكم جبل عامل إلى ما بعد أواسط القرن التاسع عشر الميلاديّ.

حفظت البلدة التشيّع لأربعة قرون من الزمن طوال الحكم العثمانيّ، وقدّمت أربعة من كبار زعمائها شهداء في سبيل الدفاع عن جبل عامل وهويّته الدينيّة، هم: الشيخ حسين الوائلي، والشيخ مشرف الوائلي، والشيخ ناصيف النصّار الوائلي، والشيخ علي بك الأسعد الوائلي.

2. ثورة ضدّ إبراهيم باشا المصريّ: عام 1836م، انطلقت من بلدة ياثر ثورة ضدّ إبراهيم باشا المصريّ، وقادها الأخوان الشيخ محمّد علي شبيب الفارس الوائلي وحسين شبيب الفارس الوائلي، وبتدبير ابن البلدة موسى قليط. كان إبراهيم باشا قد انطلق من القاهرة في مصر حتّى وصل إلى حدود اسطنبول، ولولا مواجهة الجيوش الأوروبيّة له والتكاثر عليه، لكان احتلّ العاصمة العثمانيّة آنذاك. وقد عامل إبراهيم باشا العامليّين بقسوة، وأراد نزع سلاحهم بالقوّة، وفرض التجنيد الإجباريّ عليهم. نتيجةً لذلك، اندلعت ثورة في وجهه ووجه حليفه الأمير بشير الشهابيّ، اللذين راحا يضغطان على الأهالي لإحباط الثّورة، لكنّ الثوّار غادروا جبل عامل إلى أرباض حوران. وبينما كانت الثورة مشتعلة هناك، وشى أحد أبناء تلك المنطقة بالأخوَين الشيخ حسين والشيخ محمّد علي، وكان الأوّل مريضاً طريح الفراش، فداهم موقعهما جيش شريف باشا، والي الشام المصريّ، الذي عيّنه إبراهيم باشا، وتسلّل محمّد علي ملثّماً بين الجموع، شاهراً طبنجته(3) إلى أن تمكّن من الفرار. وعندما اقتحم الجنود الدار، وجدوا موسى قليط الذي تظاهر أنّه محمّد علي شبيب، وعرّف عن نفسه بهذا الاسم، ليحمي الأخير ويفسح له في المجال للفرار، فألقوا القبض عليه مع الشيخ حسين شبيب، ونفّذوا فيهما حكم الإعدام في ساحة المرجة في دمشق عام 1836م. وقد استمرّت الثورة حتّى هزيمة إبراهيم باشا عام 1840م.

3. التجنيد الإجباريّ في الحرب العالميّة الأولى: كان للبلدة نصيبها في الحرب العالميّة الأولى، بحيث سيق منها أكثر من مئة شابّ للتجنيد الإجباريّ، في حين كان عدد سكّانها لا يتجاوز ثلاثمئة نسمة، فلم يتبقَّ فيها نتيجة ذلك إلّا العجزة والنساء والأطفال، شأنهم شأن جميع قرى وبلدات الشام. وعند انتهاء الحرب عام 1918م، عاد شبّانها إلى البلدة باستثناء ثلاثة منهم، إذ يُعتقد أنّهم قُتلوا في جبهة قناة السويس التي هُزم فيها جمال باشا شرّ هزيمة.

انتظروا المزيد من هذه المحطّات التاريخيّة في العدد المقبل بإذن الله.


(1) تعني دير هرمز، وهي من أسماء آلهة اليونان.
(2) هو جدّ عائلة بني وائل، (آل الأسعد حاليّاً)، وهي من العائلات العريقة في تاريخ جبل عامل.
(3) الطبنجة سلاح يشبه البندقيّة.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع