سماحة السيّد الشهيد هاشم صفيّ الدين (رضوان الله عليه)
يشنّ الخصوم والأعداء حملات شعواء على ثقافتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، فيأتي بعضُنا ليخوض معهم حرباً ثقافيّة طاحنة. أقول لهؤلاء: يا أحبّائي، اهدؤوا قليلاً؛ فهؤلاء لا يبالون بالثقافة، إنّهم يتقاضون الأموال لإثارة الفوضى والفتن؛ للنيل من المقاومة. لذا، يجب أن يكون لديكم وعي وانتباه، كي لا يجرّكم أحدٌ إلى معركة في مكان خاطىء.
* نظرة إيجابيّة
إنّ نظرتنا العامّة إلى عالم وسائل التواصل الاجتماعيّ إيجابيّة، وليست سلبيّة. وقد أثبتت التجربة في هذا الواقع الجديد أنّه كلّما ازداد الوعي وازدادت المسؤوليّة والمعرفة والتجربة، كلّما تمكّنّا من تحقيق أهداف كبرى ومهمّة.
أمّا نظرتنا تجاه الناشطين في هذا الحقل في بيئتنا، فهي أيضاً إيجابيّة ومسؤولة، وفيها تقدير واحترام؛ من مبدأ الخلفيّات والجهود التي انطلقوا منها، لأنّنا نعلم أنّهم يتحمّلون مسؤوليّة كبيرة في هذا الحقل، بغضّ النظر عمّن يخطئ أو يصيب.
* معايير تحديد النفع أو الضرر
إنّنا نعدّ هذا العالم الجديد وسيلة قد تكون مهمّة ونافعة، وربما تكون مضرّة، وهذا مرتبط بمجموعة معايير:
1. القدرة على تحقيق الهدف أو عدمها: إذا كان دخولُ هذا العالَم مدروساً ولتحقيق هدفٍ مقدورٍ عليه، فإنّه يكون نافعاً ومفيداً. أمّا إذا كان الدخول عشوائيّاً أو لهدفٍ غير مقدور على تحقيقه، فقد تكون نتيجته سيّئة ومضرّة.
2. القدرة على التحكّم بالأداة والسيطرة عليها أو عدمها: يمكن تشبيه هذا الأمر بالسيّارة التي لا تستطيع التحكّم فيها، فإنّها سترميك في الوادي. أمّا السيّارة التي تستطيع أن تتحكّم فيها، فإنّها توصلك الى مقصدك.
3. القدرة على الالتزام بالضوابط الشرعيّة والأخلاقيّة: إذا كان لهذا العالم الافتراضيّ قدرة قويّة إلى حدّ أن تحرفنا عن الالتزام بالضوابط، فيكون عندها سيّئاً ومضرّاً. وإذا لم تكن له القدرة على ذلك، بحيث نقوم بوظيفتنا فيه متمسّكين بمعتقداتنا ومفاهيمنا وضوابطنا، عندها يكون جيّداً ومفيداً.
4. القدرة على التأثير: من يدخل هذا العالم، ويسجّل حضوراً هزيلاً أو ضعيفاً، تذهب جهوده أدراج الرياح، بل سيكون متأثراً لا مؤثراً، كمن يدخل معركةً تطلق فيها المدافع قذائفها وهو يحمل مسدساً، فلا أحد يسمعه ويراه.
* خصائص العالم الافتراضيّ
للعالم الافتراضيّ الكثير من الخصائص، نذكر منها:
1. أصبح العالم الافتراضيّ اليوم جبهة متاحة للجميع ومفتوحة على العناوين كلّها، يستفيد منها العدوّ، وكذلك نحن إذا خبرناها وأحسنّا التعامل معها.
2. لهذه الجبهة عناوين كثيرة؛ سياسيّة وثقافيّة واجتماعيّة وأمنيّة، فهي ليست جبهة عسكريّة أو إعلاميّة فقط. ولهذا، ينبغي أن يستخدمها المبلّغون والسياسيّون والناس كلّهم بالشكل الأمثل.
3. السلاح في هذه الجبهة هو العقل قبل أيّ شيء؛ فمَن يمتلك عقلاً أقوى وأكبر وأوسع، هو الأكثر قدرة على الاستفادة أو الانتصار في هذه الجبهة، التي تحتاج إلى المعرفة، والمثابرة، وحسن البيان، وامتلاك أدوات الحرب النفسيّة، والوعي، والحسّ الأمنيّ.
4. المعركة في هذه الجبهة معركة دفاع وهجوم دون توقّف أو أخذ قسطٍ من الراحة. وهي تعتمد على وفرة المعلومات، والإثارة، والجاذبيّة.
5. تجاوزت طبيعة هذه الجبهة الافتراضيّة المهمّةَ الإعلاميّة في صناعة الرأي إلى مهمّة التأثير في الناس وتحريكهم، بل أصبحت رهاناً حقيقيّاً في تحقيق أهداف كبيرة.
6. ينفق الأعداء أموالاً طائلة في هذه الجبهة، ويراهنون على الاستفادة منها لتحقيق ما عجزوا عنه في الجبهات الأخرى.
* كيفيّة الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعيّ
نضع بين أيدي المستخدمين مجموعة من النصائح في سبيل حُسن استخدام وسائل التواصل:
1. استخدام وسائل التواصل لخدمة بثّ الوعي، وتحصين المجتمع، والتواصل الإيجابيّ، وإيصال الكلمة الصادقة والحسنة. ولذلك، علينا أن ندخلها بهدوء ورويّة لا بانفعال وتوتّر. وثمّة عناوين عدّة تدخل ضمن نطاق بثّ الوعي مثل: الثقافة، والفقه، والتديّن، والموقف السياسيّ.
2. مواجهة الحملات الدعائيّة والنفسيّة التي تستهدف بيئتنا ومجتمعنا المقاوم؛ فكما يستخدم أعداؤنا وسائل التواصل الاجتماعيّ لاستهدافنا، نحن -أيضاً- يجب أن نستخدمها لتحصين بيئتنا ومجتمعنا في مواجهة هذه الحرب بشقّيها الدعائيّ والنفسيّ.
3. تقديم الصورة اللائقة والواثقة عن مجتمع المقاومة؛ فلطالما يحاول الأعداء الدخول إلى مجتمع المقاومة وثقافته ومفردات حياته من خلال هذه الوسيلة، لذا، علينا أن نعكس الصورة الأقوى والأنقى والأصفى التي تعّبر عن ثقة المجتمع بمقاومته وثقافتها.
4. فضح الأعداء وأساليبهم، وبيان خبثهم، وإضعاف حروبهم النفسيّة، وإفشال مخطّطاتهم قبل أن تنتشر وتستفحل. ومن الخطأ الفادح أن نبقى مكتوفي الأيدي، ونتلقّى السهام فقط؛ فنحن لدينا أساس وأصل في الإعلام والسياسة والثقافة.
5. استهداف بيئة الأعداء، وإشغالهم، وإلقاء الخوف والشكّ والريبة في صفوفهم، والهجوم عليهم بدلاً من تركهم يهجمون علينا ليلاً نهاراً، حتّى لو كان لديهم مواقع ووسائل إعلاميّة أكثر، وإمكانات هائلة، ويدفعون أموالاً أكثر، ولكنّنا لسنا ضعفاء.
6. القيام بحملات استباقيّة، وهو ما تعلّمناه من الحرب السوريّة. وهذا يعني أنّنا قادرون على إجهاض مشروع ضدّنا أو التمهيد لإطلاق مشروع فيه مصلحة للمقاومة وللمجتمع. وهذا الأمر -طبعاً- يتحقّق بالتواصل بيننا وبينكم؛ فأحياناً تكون لدينا معلومات عن نيّتهم القيام بأمر ما ضدّنا، فنحبط مخطّطاتهم قبل أن يبدأوا، أو بمجرّد أن تطلّ طلائع مشاريعهم الدعائيّة والنفسيّة نكون قد جهّزنا أنفسنا، فنشنّ حملة عليهم ونجهض أهدافهم ونحبطها.
7. تيئيس العدوّ؛ بحيث يجب أن نضع نصب أعيننا ضرورة أن نكون مساهمين -عبر وسائل التواصل- في جعل هذا العدوّ يائساً وغير قادر على تحقيق الفوز أو الرهان على تفسُّخ مجتمعنا وضعفه.
* ما المطلوب من الناشطين؟
1. امتلاك القدرة على مستوى الوعي والعلم والمعرفة، والبيان الواضح والأسلوب الجاذب والمحقّق للهدف؛ وهذا ما يحتاج إلى جهد الناشط في إظهار قدرته وبيان نقاط قوّته في هذا المجال.
2. الاستفادة من تجارب الآخرين وأخطائهم.
3. عدم الاستعجال في بنــاء الموقـــعيّة والشـــهرة والنجاح، وهذا كلّه يتحقّق عبر امتلاك القدرة والمعرفة.
4. التعاطي مع القضايا المطروحة على مواقع التواصل الاجتماعيّ بإيجابيّة، والتي توحي لمجتمعنا بالثقة والقوّة، وهي كثيرة ومفيدة.
5. الابتعاد عن التعابير التي تصبّ –ولو تلميحاً- في خانة التعصّب والتزمّت، والقضايا التي تثير النعرات الطائفيّة.
6. إبراز نقاط القوّة والإيجابيّات في مجتمعاتنا، وعلمائنا، وقياداتنا، وعوائل شهدائنا؛ لمواجهة معالم الحرب الناعمة التي تلاحق السلبيّات.
7. التعاطي بواقعيّة وموضوعيّة مع أخطائنا ونقاط ضعفنا، شرط أن لا نضعها في خدمة العدوّ. وعليه، فإنّ ثقافة الانفتاح والاحترام هي الثقافة التي يجب أن تحضر؛ لأنّها ثقافتنا الحضاريّة.
8. الانتباه إلى التداخل السياسيّ والثقافيّ والاجتماعيّ؛ فلا شكّ في أنّ أعداءنا سيستغلّون أيّ ثغرة أو نقطة ضعف للهجوم علينا، فقد ينفذون من نقطة ضعف ثقافيّة للنيل من المقاومة، أو من نقطة ضعف اجتماعيّة عند بعض الأفراد للنيل من مجتمع المقاومة. إذاً، حين يستهدفون المقاومة في بعض عناوينها، فالمقصود هو استهداف الثقافة التي أنشأت هذه المقاومة.
9. الانتباه إلى الضوابط الشرعيّة؛ فقد يحدث هجوم أحياناً على شخص؛ كالتشهير به، فمن قال إنّه يجوز إعطاء الرأي في موضوع كهذا؟ المطلوب من الناحية الشرعيّة الحفاظ على سمعة الناس، وعدم اتّهامهم بالباطل، وعدم نشر الإشاعات الكاذبة، أو التي تستهدف أشخاصاً أو مجموعات -حتّى لو كانوا من أعدائنا-، وكذلك عدم تسفيه الناس وتوهينهم.
10. الانتباه إلى الضوابط السياسيّة؛ لأنّ الفرد المنتمي إلى هذا الخطّ يؤخذ كلامه على أنّه موقفٌ لحزب الله. وأعداؤنا يعلمون أنّ هذا الكلام الصادر لا يعبّر عن رأي حزب الله، لكنّهم يستغلّون ذلك.
* معركة حسّاسة
يجب أن نعي تماماً أنّنا لسنا في نزهة أو في نقطة بسيطة من العالم، بل إنّنا في أكثر المناطق حرجاً، وحزب الله تحديداً مسلّطة عليه الأضواء كلّها؛ من أجل استغلال أيّ كلمة أو موقف أو فعل لإصابته بضعف؛ فلتكن كلماتنا ومواقفنا محسوبة.