مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

تسابيح جراح | إصابةٌ مُميتة لم تكسر إرادتي

لقاء مع الجريح المجاهد مهدي محمّد الهقّ (علي الرضا)
حنان الموسويّ


أداء المهمّة كان شاقّاً، كنّا صياماً، وشمس تموز الحارقة جفّفت عروقنا، إلّا أنّ أرواحنا التائقة للقرب والوصال، كانت وقودنا. أنهينا تجهيزاتنا للمعركة. اندفاعٌ وسباقٌ للمواجهة. ما انتظرناه تجسّد، هجوم كبيرٌ في منطقة الزبداني لتطهيرها من الدواعش. هدفنا اقتحام أحد المباني لإسقاط ما بعده، فتوجّب على مجموعتي عبور طريقٍ غير آمن لنصل إليه. اطمأننت عليهم فرداً فرداً بعد أن عبروا، وحين هممت باجتياز الطريق، أحسست بريحٍ ساخنةٍ لفحت خاصرتي، قبل أن أسدل جفوني وأهوي، كانت رصاصة خبيث من الأعداء.

* طعم النار
منذ بدء حرب الدفاع عن المقدّسات، شاركت كقائد مجموعةٍ في معارك: ريف القصير، الصفصافة، الحمّام، تحرير القصير، القلمون، تحرير قارة وفليطة، وقد تعرّضت خلالها لإصابتين إحداهما في كاحلي والأخرى في كتفي.

في بداية شهر رمضان من عام 2015م، كُلّفنا بمهمّة تطهير مدينة الزبداني المحاطة بالجبال. الطقس الحارّ جعل المهمّة أصعب؛ إذ كنّا نقوم بالهجوم بعد صلاة الظهر، وغالباً ما يصلنا الإفطار متأخّراً ساعات عدّة، وأحياناً لا تسنح لنا فرصة الإفطار سوى بشربةٍ من ماء.

دامت المعركة حتّى اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان. بعد أدائنا صلاة الظهر من ذلك اليوم، طُلب منّا التقدّم نحو بعض المباني المحيطة بالمدينة. كنت قائد مجموعة فيها عناصر من القوّات الرديفة، قرّرنا عبور أحد الشوارع للوصول إلى مبتغانا، فرصدتني عين قنّاصٍ حقداً، وإذ بطلقته تفري خاصرتي اليمنى، وتمزّق نخاعي الشوكيّ، وتفتّت فقرات من عمودي الفقريّ. من فرط الوجع صرختُ: «يا زهراء» و«يا أبا الفضل»، لهج بهما قلبي قبل لساني، ذقتُ طعم النار في جسدي فاقداً الوعي.

* أملٌ ضعيف
أسرع الإخوة لنجدتي. حُملتُ والدماء تسيل كالميزاب من خاصرتي وفمي، فارتطامي أرضاً عند الإصابة تسبّب بكسر أسناني. عاينني مسعف من القوّات الرديفة. كان قلبي قد أسلم نبضه، فأبلغ الإخوة بشهادتي، وأنّ الإسعافات لن تجدي نفعاً، وباشرهم بعبارات التبريك. وُضعت إلى جانب الشهداء ونُقل جثماني إلى مستشفى في الزبداني. هناك، أصرّ مسعف من المقاومة يعرفني على الكشف على جثتي لإعادة معاينتي، وحين وضع يده على منحري أحسّ باختلاجٍ ونبضٍ بسيطَين، فصاح: «أبو حبيب حيّ»، وقام بإنعاشي مجدّداً بكامل عزمه، فعدت إلى الحياة بأملٍ ضعيف.

* شللٌ ثقيل
نُقلت إلى مستشفى في الشام. نزفي هدّد حياتي بشكلٍ أساسيٍّ بالإضافة إلى نزيف داخليٍّ في البطن، فقرّروا نقلي إلى بيروت. استعدت وعيي طوال الطريق، كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر، فزُوّدت بالكثير من وحدات الدم. رافقتني آلامي دون استكانة حتّى وصلت إلى بيروت، حيث بقيت في الطوارئ ساعات عدّة. في ظلّ فائض الآلام عجزت عن تحريك قدميّ، فجثا الشلل بأثقاله عليها مع جهليَ التامّ بوضعي الجديد.

* وحي التسليم
عندما حضر أهلي إلى المستشفى كنت قد نُقلت إلى غرفة العناية المشدّدة. كحال كلّ الأمّهات، لم تتمالك والدتي نفسها من البكاء حين رأتني. وعند لقائي الطبيب أصررتُ على معرفة خطورة إصابتي، فصارحني بأنّها أدّت إلى تلف النخاع الشوكيّ في الظهر احتراقاً، وكسر فقرات عدّة من العمود الفقريّ، ما سيُفقِدني القدرة على السير. تقبّلت ما قاله بكلِّ اطمئنان واحتساب، بالتسليم المطلق لله، وأيقنت أنّ الخير في ما وقع!

* طلقةٌ سامة
مكثت خمسة عشر يوماً في العناية، بعدها نُقلت إلى غرفة الاستشفاء. خضعت لجراحة لتركيب فقرات صناعيّة استمرّت اثنتي عشرة ساعة، مُنعت بعدها من الجلوس لأنّ الجرح ظلّ مفتوحاً. شهران عشتهما في المستشفى، لم يفارقني خلالهما ألم مبرح في أطرافي السفليّة، والأصعب أنّ نزيفاً داخليّاً أدّى إلى انتفاخ بطني ما ضاعف أوجاعي أكثر. ولأنّ الطلقة كانت سامّة، فقد عانيت من التهابٍ حادٍّ في جسمي لمدّةٍ طويلة. في خضمّ ذلك كلّه، كان أهل البيت عليهم السلامالمؤنس والملجأ الذي أستعين به من بعد الله، فعند ذكر مُصابهم تهون شدائدنا.

* علاجٌ وأمل
بعد خروجي من المستشفى، سكنت وأهلي في شقّةٍ مجاورة لمؤسّسة الجرحى، بهدف متابعة العلاج في مركز التأهيل بشكلٍ أيسر. بدأت رحلة العلاج من المنزل، ثمّ انتقلت إلى مركز العبّاس لتلقّي العلاج المكثّف يوميّاً مدّة ساعتين، فطموحي كان الشفاء لأتمكّن من العودة إلى الجبهة مجدّداً. إنّ إصراري على ذلك دفعني إلى السير بقدمين مرتجفتين وبحوضٍ غير ثابتٍ بضع خطواتٍ عند عودتي إلى قريتي بعد مكوثٍ دام سنة وستّة أشهر في بيروت، وقد تحسّنت حالتي النفسيّة أكثر بين أهلي وأقاربي.

* إصابة مثمرة
لقد قرّبتني إصابتي من الله أكثر، ومتّنت علاقتي بالقرآن، وشدّت عزيمتي لأعتمد على نفسي في قضاء حاجاتي. أمضي معظم وقتي بين الخضوع لجلسات العلاج الفيزيائيّ صباحاً في المؤسّسة، والمشاركة في الجلسات الثقافيّة والتوْعويّة التي تنظّمها شعبة القرية، وحثّ الإخوة على الجهاد والتمسّك بالخط المقدّس خلال الجلسات الجانبيّة، وهذا جهاد التبيين، كما بتُّ أستعرض بعض قصص الميدان لأخذ العبرة. يساعدني أخي ورابط القرية في التنقّل لمتابعة الجلسات وحضور الدروس أحياناً. بلسان الحبّ والوفاء أهديهما كلّ الشكر.

ما يميّز جراحي رغم الإعاقة أنّها في سبيل الله، فلم أشعر يوماً أنّ جلوسي على الكرسيّ المتحرّك كان سبباً لتعاستي، أو مانعاً من خوض معترك الحياة بكلّ مصاعبها، فإنّي وبحمد الله أستطيع إنجاز معظم المهام اليوميّة دون مساعدة أحد، وهذا ما يجعل جراحي سبباً لتطوير قدراتي والاعتماد على ذاتي.

* زواجٌ وهواية
اقترنت منذ مدّة بزوجةٍ منّ الله بها عليّ، تمنّت خدمة جريحٍ مقاومٍ. هي زوجة صالحة، ملتزمة، محبّة لي ومتفانية في خدمتي، تسعى دائماً لتأمين سبل راحتي النفسيّة والجسديّة. أحبُّ هواياتي الصيد، ما زلت أمارسها حتّى الآن، فهي تعيدني ولو جزئيّاً إلى أجواء الميدان.

أحمد الله الذي وفّقني لزيارة مقام مولاتي السيّدة زينب عليها السلام بعد الإصابة، وقد خالجني حينها شعور حلّق بي إلى عالمٍ مليءٍ بالروحانيّة والجمال، والخجل من زهيد ما قدّمت لأجلها، ورجائي أن أبذل روحي في محضر بقيّة الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف وكرمى لسلامته، وأكون شهيداً بين يديه.


اسم الجريح: مهدي محمّد الهقّ.
الاسم الجهادي: علي الرضا.
تاريخ الولادة: 15/5/1997م.
تاريخ الإصابة: 12/7/2015م.
مكان الإصابة: الزبداني.
نوع الإصابة: شلل نصفيّ.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع