مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أبو دجانة: صاحب العصابة الحمراء

ظافر قطيع

يقول الله عزّ وجل في كتابه الكريم: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا صدق الله العليّ العظيم (الفتح: 29).

شجاع مقدام اشتهر بشجاعته وعنفوانه، من فضلاء الصحابة وأكابرهم، كان إذا نزل إلى القتال أخرج عصابة حمراء يعصب بها رأسه فتقول الأنصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت(1). إنه الصحابي سماك بن خرشة بن لوان بن عبد ودّ بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي، وهو مشهور بكنيته أبي دجانة أكثر من شهرته باسمه(2). وأمه حزمة بنت حرملة من بني زِعب من بني سليم بن منصور. أسلم مع قومه من الأنصار قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة بعد بيعة العقبة الثانية. ويوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة آخى بينه وبين عتبة بن غزوان.

*جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

تُجمع كتب التاريخ والسير على أن أبا دجانة شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدراً وأُحُداً والمشاهد كلها، وأنه كان من الصحابة الذين ما تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبداً ولا تقاعسوا عن نصرته وفدائه.

ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قتال المشركين في أُحُد، صفّ الصفوف وأقام الجند في مواقعهم، كما يروي البيهقي في الدلائل عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ سيفاً يوم أُحُد فقال: من يأخذ هذا مني؟ فبسطوا أيديهم كل إنسان منهم يقول: أنا، أنا. فقال: من يأخذه بحقه؟ فأحجم القوم، فقال سماك أبو دجانة: أنا آخذه بحقّه(3). وما حقّه يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تضرب به العدو حتى تثخن، فأخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخرج عصابته الحمراء فعصب بها رأسه وجعل يتبختر في مشيته بين الصفين ويختال وهو ينشد:
أنا الذي عاهدني خليلي***ونحن بالسفح لدى النخيل
أن لا أقوم الدهر في الكيول(4)***أضرب بسيف الله والرسول

فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: إن هذه مشية يبغضها الله عزّ وجلّ إلا في هذا المقام(5).

*إكرامه سيف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

يذكر ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية) عن موسى بن عقبة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما عرضه "أي السيف" طلبه منه عمر فأعرض عنه ثم طلبه الزبير بن العوام فأعرض عنه فوجدا في أنفسهما من ذلك(6). ويروي ابن هشام في السيرة أن الزبير بن العوام قال: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة وقلت أنا ابن صفية عمّته ومن قريش وقد قمت إليه فسألته إياه قبله فأعطاه إياه وتركني والله لأنظرنّ ما يصنع فاتّبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت... فجعل لا يلقى أحداً إلّا قتله. وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحاً إلّا ذفّف عليه (أي أجهز) فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا، فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتّقاه بدَرَقته(7) فعضت بسيفه وضربه أبو دجانة فقتله، ثم رأيته لا يرتفع له شيء إلا حطمه حتى انتهى إلى نسوة في سفح الجبل معهن دفوف وفيه امرأة تقول:
إيها بني عبد الدار
إيها حماة الديار
ضربا بكل بتار

فرفع السيف ليضربها به وكانت المرأة هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، والنساء معها يضربن بالدفوف يحرّضن الرجال على القتال، فلما حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل عنها، قال الزبير: فقلت: الله ورسوله أعلم.

فلما انكشف القتال قلت له: كل عملك قد رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة ثم لم تضربها. قال أبو دجانة: إني والله أكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقتل به امرأة(8).

*صدق سيف أبي دجانة

وقد اقتتل الناس يوم أُحُد قتالاً شديداً وأمعن في الناس حمزة وعليّ وأبو دجانة في رجال من المسلمين وأنزل الله نصره على المسلمين، غير أن مخالفة الرماة الذين جعلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الجبل قلبت موازين المعركة إذ اندفعت خيل المشركين نحو الجبل فاضطرب حال المسلمين وتحوّل النصر إلى هزيمة واستشهد جمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفرَّ المسلمون إلّا قليلاً. وكان أبو دجانة من الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبايعه على الموت. وكان من جملة من قتل أبو دجانة من المشركين عبد الله بن حميد المكنّى بأسد قريش وكان قد تعاقد مع رؤساء القوم على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (9).

قال ابن عباس: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أُحُد أعطى فاطمة ابنته سيفه وقال: يا بنيّة اغسلي عنه هذا الدم وأعطاها عليّ سيفه وقال: وهذا، فاغسلي عنه دمه فوالله لقد صدقني اليوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لئن كنت صدقت القتال لقد صدقه سهل بن حنيف وأبو دجانة(10).


*في قتال المرتدّين

روي عن زيد بن أسلم قال: دُخل على أبي دجانة وهو مريض وكان وجهه يتهلّل فقيل له: ما لوجهك يتهلّل؟ فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين: أما إحداهما فكنت لا أتكلم فيما لا يعنيني وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً.

بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارتدّ بعض قبائل العرب عن الإسلام وكان من هؤلاء المرتدّين من فهم أن الإسلام هو غلبة مادية قهرية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم فلما توفّاه الله نقضوا إسلامهم وعادوا على أعقابهم مشركين، ومن هؤلاء الأعراب بنو حنيفة الذين كان فيهم مسيلمة الكذّاب الذي ادّعى النبوّة لنفسه. وفي السنة الثانية عشرة للهجرة توجّه جيش المسلمين إلى اليمامة حصن بني حنيفة وكان أبو دجانة من بين أولئك الأبطال الذين شاركوا في هذه المعركة وقد أبلى في قتال المرتدّين بلاءً عظيماً. وقد جاء في الروايات أنّ أبا دجانة ورجلاً آخر من المسلمين قد شاركوا في قتل مسيلمة.


*شهادة أبي دجانة

جاء في كتب السيرة أنه كان لبني حنيفة حديقة باليمامة يقاتلون من ورائها فلم يقدر المسلمون على الدخول إليها لشدّة قتال القوم وبأسهم فما كان من أبي دجانة إلّا أنّه أمر المسلمين أن يحملوه ويلقوه إلى الحديقة من فوق بابها ففعلوا فانكسرت رجله. فقاتل على باب الحديقة وأزاح المشركين عنه ودخل المسلمون وقُتل يومئذٍ شهيداً في سبيل الله. وقيل إنه عاش حتى شهد صفّين مع الإمام عليّ عليه السلام ، غير أنّ القول الأول لدى محقّقي السّير والرجال أصحَّ وأقوى ورواته أكثر(11).

ذلك هو سماك بن خرشة أبو دجانة صاحب العصابة الحمراء آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وجاهد في سبيل الله ونصرة دينه وختم عمره الشريف مجاهداً الذين ظنوا أنه بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيطفئون نور النبوّة والرسالة. وليبقى صداها يتردّد في الآفاق بجهاد المجاهدين ودماء الشهداء المضحّين.


1- سيرة ابن هشام، ابن هشام، ج3، ص74.
2- البداية والنهاية، ابن كثير، ج3، ص18.
3- الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج1، ص550.
4- الكيول: مؤخر الصفوف.
5- شرح الأخبار، القاضي المغربي، ج1، ص274.
6- البداية والنهاية، م.س، ج3، ص18.
7- الدرقة: ترس من جلد ثخين.
8- البداية والنهاية، م.س، ص19.
9- الكامل في التاريخ، م.س، ص552.
10- أسد الغابة، ابن الأثير، ج2، ص452.
11- م.ن.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع