صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

الشهيد المجاهد علي شبلي (أبو علي جلال)

نسرين إدريس قازان


اسم الأمّ: آمال عودة.
محلّ الولادة وتاريخها: كونين 10/10/1985م.
الوضع الاجتماعيّ: متأهّل وله ولدان.
تاريخ الاستشهاد: 31/8/2021م.

إنّه الوصال الذي وعده به أبو الفضل العبّاس عليه السلام ذات ليلة غفا فيها أمام الباب الخارجيّ للمقام، قائلاً لصديقه: "هوّي بدو يزبّط وضعي"؛ فعلاقته بالعبّاس عليه السلام عجيبة، فكلّ ما كان يريده كان يطلبه منه، فكيف إذا كان الطلبُ جهاراً مكتوباً على عصبة فوق جبهته وهو يمشي في مسير الأربعين "يا قابل الحرّ، اقبلني"؟!

* في درب أهل البيت عليهم السلام
علي، المولود في دولة الكويت في ليلة القدر، زُقَّ حبّ أهل البيت عليهم السلام زقّاً؛ فوالداه من الملتزمين الذين أولوا أهميّة بالغة لتنشئة أولادهم في درب أهل البيت عليهم السلام، وقد ساعد قرب الحسينيّة والمسجد من بيتهم على صقل شخصيّة علي الإيمانيّة، فكان يدّخر مالاً من مصروفه الشخصيّ؛ ليشتري ضيافة مجالس العزاء، وتراه دائماً منهمكاً في الخدمة أثناء المناسبات، والحركة دأبه، فهو لا يأنسُ بالراحة. ولكنّ كثرة الحركة لم تكن السمة الوحيدة البارزة فيه، فهو كفارسٍ عربيّ في الشهامة والنبل والكرم والشجاعة، وسيّدُ المواقف الصعبة.

* صلابة منذ الطفولة
تخبرُ أمّه أنّه لمّا بلغ الرابعة من عمره، اضطرّ الطبيب إلى قلع كلّ أسنانه وأضراسه، ووضعِ جسور متحرّكة له، وتعاطت الوالدة مع الأمر على أنّه بلاءٌ لما يحتاج من متابعة دقيقة، ولكن عليّاً لم يكن ليسمح بأن يكبّد أحداً أيّ عناء أو تعب، بل كان يعتمد على نفسه في تنظيفها وتعقيمها. وقد أظهر في تحمّله للألم شجاعةً لافتة، خصوصاً لمن هم في سنّه.

* حبّ المقاومة منذ الصغر
كثيرةٌ هي حكاياهُ المنسوجة بدقّةٍ بين إيمانه وفعله وقوله؛ فلم يخالف قوله فعله يوماً، وهذا ما جعله ثابت الخطى دوماً، فما إن عاد وأهله من الكويت واستقرّوا في لبنان، وكان له من العمر خمسة عشر عاماً، حتّى التحق بالتعبئة مباشرة كما خطّطَ سابقاً؛ وتعرّف عن كثب على المقاومة الإسلاميّة ومقارعتها للعدوّ الإسرائيليّ المحتلّ لقريته كونين، فكان يستقرّ في بيت جدّه في برعشيت، حيث نشأت علاقة خاصّة بينه وبين خاله المجاهد، الذي أولاه اهتماماً خاصّاً.

* شابّ عمليّ
عندما استقرّت العائلة في لبنان في خلدة، التحق علي بمعهد علي الأكبر لإكمال دراسته، وقرّر مساعدة والده في العمل. وإلى جانب عمله الشخصيّ والتعبويّ، كان يبحثُ دوماً عن إرضاء شغفه بتعلّم العديد من الحرف والمهن، فتعلّم مهنة التكييف والتبريد، ناهيك عن أنّه كان يشتغل بنفسه كلّ شيء يخصّه ويخصّ أهله.

* جناحا عليّ.. كُسرا
منذ استقراره في خلدة، كان لعليّ جناحان يطير بهما، هما علي وحسن مسلماني، صديقاهُ المقرّبان من عائلةٍ كان يُعدّ فرداً منها، قد ملأت هذه العلاقةُ المتميّزة روحه، إذ تعاونوا معاً في الكثير من الأعمال.

كان 23 تمّوز عام 2006م موعد زفافه، لكن علي التحقّ قبل هذا الموعد بفترة، بدورة عسكريّة طويلة، فقام بتسليم باب شقّته لصديقَيه المقرّبين؛ ليشرفا على تجهيز منزله، ولكن في 12 تمّوز، نشبتِ الحرب، فما كان منهما إلّا أن التحقا بصفوف المجاهدين في قريتهما "الجبّين". ما إن انتهت الحرب، حتّى كشفت عن استشهاد رفيقيه المقرّبين، وكان هذا أوّل صدعٍ في قلبه.

* نشاط وعمل
حاولت الدنيا أن تأخذه في انشغالاتها، فيما علي يحوّل كلّ مساراتها إلى المسار الرئيس في حياته: "العمل الجهاديّ"، ولم يكن يتعلّم مهنةً إلّا وكان للجهاد سهم فيها. فلمّا اكتشف موهبته في التصوير والمونتاج، قرّر تطويرها واحترافها، فتعلّمها عبر الفيديوهات التعليميّة، وكان ذلك سهلاً عليه لذكائه في الأمور العمليّة. وبعد فترة قصيرة، افتتح استديو تصوير صغيراً في مركز والده، الذي كان داعماً أساسيّاً له في كلّ مشاريعه، وبدأ العمل بجدٍّ حتّى منّ الله عليه لاحقاً بإنشاء مطبعةٍ. وكان يُصدّر صور الشهداء، فلم يخلُ بيت شهيد في خلدة، إلّا وكان له نصيبٌ من عمله، كذلك شارك في طباعة المناشير وصور الشهداء، خصوصاً خلال حرب سوريا.

* كريم معطاء
ورث عن أبيه كرماً ضُرب فيه المثل، فكان يساعد الفقراء ويعيلهم ممّا رزقه الله إيّاه، وإن لم يقصده فقير، بحث عنه. وفي المطبعة حيث يعمل، وجد العاملون أنفسهم يعملون مع شخص مختلف؛ فهو نصّب نفسه إنساناً قبل أن يكون مديراً، واهتمّ بتفاصيل راحتهم وخدمتهم، مع حُسن ضبط الأمور. وقد وضع نظاماً يقضي بمنح الرواتب الشهريّة قبل نهاية الشهر، انطلاقاً من حديث: "أعطِ العامل حقّه، قبل أن يجفّ عرقه".

* نِعم الأب
عندما رُزق علي بابنه سمّاه "علي حسن" وجمع به اسمَي صديقَيه الشهيدين، وقد ربّاه على الشجاعة والإقدام، وزرع فيه حبّ الجهاد منذ نعومة أظافره، حتّى إذا ما كبر قليلاً، يكون معتاداً على تحمّل المسؤوليّة ومواجهة مصاعب الحياة. أمّا ابنته، فكانت ترتع بين أحضانه في جنّة من الحنان والمحبّة.

* إلى سُوح الجهاد
عندما اندلعت نيران الحرب في سوريا، كان عليّ من منتظري فرص المشاركة فيها؛ ليفوز بما يهواه قلبه، فكان من أوائل المنطلقين إليها، وقد تكفّل بتجهيز نفسه بعتادٍ ولباسٍ كامل، مع كاميرا الخوذة التي اشتراها من ماله الخاصّ؛ ليكون مجاهداً بنفسه وماله أيضاً.

شارك في العديد من المعارك، بدءاً من حراسة مقام السيّدة زينب i، وصولاً إلى معارك القصير والقلمون والزبداني. وكشف هذا الالتحاق السريع بالجبهة سبب مواظبته في الفترة الأخيرة على تدريبات رياضيّة، فكان في أرض المعركة كالليث الغاضب على الأعداء، وكالأمّ الحنون على رفاقه المجاهدين، يخدمهم ويطمئن إلى أحوالهم.

وتأبى المعاركُ إلّا أن توغل الجراحَ في قلبه، عندما استشهد إبراهيم مسلماني؛ ليلتحق بأخويه، فينكسر ظهر علي مرّة أخرى، ولكن هذا الجرح حثّه على المُضيّ قُدماً في المعارك؛ فلا يترك جريحاً خلفه، ولا جثمان شهيد إلّا وحمله على كتفه، ويثبّتُ مكانه ورفاقه حتّى لا تسقط المواقع.

* خير الخاتمة
بعد تحرير جزء كبير من سوريا، عاد علي لمزاولة عمله التعبويّ في لبنان، على أن يلتحق بالجبهة كلّما سنحت له الفرصة بذلك. وبسبب أزمة كورونا، اضطرّ إلى إقفال مطبعته؛ ليلتحق مباشرةً في اليوم التالي بعمله الجهاديّ في الجنوب، حيث بقي هناك يعمل في ظروف استثنائيّة.

وبعد فترة، اتّخذ قراراً حاسماً بالبقاء في مركز عمله، مصرّاً على أن لا يلهيه أيّ عمل آخر عن واجبه الجهاديّ، يومها سعت إليه الشهادة كما سعى إليها؛ ليختم حياته مظلوماً كما يحبُّ ويرضى.

ومضى خير ابن ونِعم زوجٍ وأجمل أبٍ، تاركاً في قلوب المجاهدين حسرةً لا تنطفئ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع