ما معنى أن نتشهّد في صلاتنا بأنّ الله هو الإله الأوحد الذي لا شريك له؟ وهل كنّا شاهدين أو حاضرين في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حتّى يحقّ لنا أن نشهد على رسالته؟
•معنى الشهادة بأن لا إله إلّا الله
اعلم أنّ الشهادة بالوحدانيّة تذكّر العبد السالك أنّ حقيقة الصلاة هي حصول التوحيد الحقيقيّ، ومن مقاماتها الشاملة أن تكون مع السالك من أوّل الصلاة إلى آخرها. وفيها أيضاً سرّ عظيم، وهو أنّ سفر السالك في الحياة هو من الله وإلى الله: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ (الأعراف: 29). فللسالك أن يتوجّه في جميع المقامات إلى هذا المقصد، ويوصل إلى القلب حقيقة وحدانيّة الحقّ وألوهيّته؛ لتكون شهادته في آخر الصلاة حقيقيّة وتتنزّه عن النفاق والشرك؛ فالأدب في حضرة الباري أن ننظر إلى قصورنا وذلّتنا ونقصنا وعجزنا ومسكنتنا.
•آداب التَشهُّد عند الإمام الصادق عليه السلام
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "التشهّد ثناء على الله، فكن عبداً له في السرّ خاضعاً له في الفعل، كما أنّك عبد له بالقول والدعوى، وصل صدق لسانك بصفاء سرّك، فإنّه خلقك عبداً وأمرك أن تعبده بقلبك ولسانك وجوارحك، وأن تحقّق عبوديّتك له وربوبيّته لك. وتعلم أنّ نواصي الخلق بيده، فليس لهم نفس ولا لحظة إلّا بقدرته (ومشيئته)، وهم عاجزون عن إتيان أقلّ شيء في مملكته إلا بإذنه وإرادته. قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (القصص: 68)، فكن له عبداً شاكراً بالقول والدعوى، وصل صدق لسانك بصفاء سرّك، فإنّه خلقك، فعزّ وجلّ أن تكون إرادة (ومشيئة) لأحد إلّا بسابق إرادته (ومشيئته). فاستعمل العبوديّة في الرضا بحكمته، وبالعبادة في أداء أوامره، وقد أمرك بالصلاة على حبيبه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فأوصل صلاته بصلاته، وطاعته بطاعته، وشهادته بشهادته، وانظر إلى أن لا تفوتك بركات معرفة حرمته، فتحرم عن فائدة صلاته وأمره بالاستغفار لك، والشفاعة فيك، إن أتيت بالواجب في الأمر والنهي والسنن والآداب، وتعلم جليل مرتبته عند الله عزّ وجلّ"(1).
•آداب وحقائق:
في هذا الحديث الشريف، إشارات إلى الآداب القلبيّة للعبادات وحقائقها وأسرارها، فيقول عليه السلام: التشهّد ثناء على الحقّ جلّ وعلا. ويشير عليه السلام إلى عمدة الآداب، وهي:
1. العبادة سرّاً وجهراً
كما أنّك تعبد الله في الظاهر وتدّعي العبوديّة، فاعبده في السرّ أيضاً حتّى تسري العبوديّة السرّيّة القلبيّة إلى الأعمال الجوارحيّة أيضاً، ويكون العمل والقول خارطة الباطن، فتسري حقيقة العبوديّة إلى جميع أجزاء وجود المصلّي، ظاهره وباطنه، ويحظى كلّ من الأعضاء بحظّ من التوحيد، ويوصل اللسان الذكر إلى القلب.
2. بقدرة الله ومشيئته
وليعلم أنّ ناصية العباد بيد الحقّ تعالى، ولا يقدرون على التنفّس والنظر إلّا بقدرة الحقّ تعالى ومشيئته، وأنّهم عاجزون عن التصرّف في مملكة الحقّ بجميع أنواع التصرّفات، وإن كان تصرّفاً تافهاً، إلّا بإذن وإرادة من ذاته المقدّسة، كما قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء﴾ (القصص: 68)، ويختار كلّ ما أراد ليس لأحد اختيار في أمره استقلالاً، والله منزّه عن الشريك في التصرّف. وأن يوصل هذه اللطيفة إلى القلب، فيكون شكره للحقّ سارياً إلى كلّ أعضائه وأعماله.
3. طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
ثمّ إنّ العبد بعد آداب الشهادة بوحدانيّة الحقّ وألوهيّته يتوجّه إلى المقام المقدّس للعبد المطلق والرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم. وعلى المصلّي أن ينتبه من تقدّم مقام العبوديّة على الرسالة؛ لأنّ قدم العبوديّة مقدّمة لجميع مقامات السالكين، والرسالة شعبة من العبوديّة، وبما أنّ الرسول الخاتم عبد حقيقيّ فانٍ في الحقّ، فإطاعته إطاعة الحقّ.
والعبد السالك لا بدّ من أن يراقب نفسه ألا يقصّر في طاعة الرسول التي هي طاعة الله لئلّا يحرم من مساعدة الوليّ المطلق في بركات العبادة بمساعدة وليّ النعم والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
(*) مقتبس من الآداب المعنويّة للصلاة، للإمام الخمينيّ قدس سره، الباب السابع، الفصلان الأوّل والثاني.
1.العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 82، ص284-285.