الشيخ خضر ديب
قال تعالى: ﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ (فاطر: 43).
* شرح الآية:
قوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ أي لا يصيب ولا ينزل المكر السيء إلا بأهله، ولا يستقر إلا فيهم، فإن المكر السيء وإن كان قد يتأتى عنه مكروه للمكور به، لكنه سيزول ولا يدوم أثره. إلا أن أثره السيء يبقى في نفس الماكر، ويجزى به إما في الدنيا وإما في الآخرة؛ ولهذا فسّر الآية في مجمع البيان: والمعنى: لا ينزل جزاء المكر السيء إلا بمن فعله. وقوله تعالى :﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ﴾ النظر والانتظار بمعنى التوقع والفاء للتفريع، والجملة استنتاج مما تقدمها، والاستفهام للإنكار والمعنى: وإذ مكروا المكر السيء، والمكر السيء يحيق بأهله فهم لا ينتظرون إلا السنّة الجارية في الأمم الماضين وهي العذاب الإلهي النازل بهم إثر مكرهم وتكذيبهم بآيات اللَّه. وقوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ تبديل السنّة أن توضع العافية والنعمة موضع العذاب، وتحويلها أن ينقل العذاب من قوم يستحقونه إلى غيرهم، وسنة اللَّه لا تقبل تبديلاً ولا تحويلاً؛ لأنه تعالى على صراط مستقيم لا يقبل حكمه تبعيضاً ولا استثناء(1).
* معنى مكر اللَّه
قال تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ ومكره تعالى عبارة عن إيصال الجزاء إلى الماكر، واستدراجه العبد من حيث لا يعلم، ومعاملته معاملة الماكر للمكور(2). وفي لسان العرب: المكر احتيال في خفية، ومكر الله إيقاع بلائه بأعدائه دون أوليائه، وأصل المكر الخداع. وفي المصباح: مَكَرَ الله جازى على المكر وسمي الجزاء مكراً كما سمي جزاء السيئة سيئة مجازاً على سبيل مقابلة اللفظ باللفظ(3).
* الفرق بين المكر والغدر: الغدر هو نقض للعهد الذي يجب الوفاء به. والمكر قد يكون ابتداءً من غير عقد(4).
* مرادف كلمة مكر: مراوغة، استغفال، مخاتلة، غش، تغرير، تمويه، إيهام، تلبيس، مخادعة، دجل.
(1) تفسير الميزان، للعلامة الطباطبائي.
(2) الفروق اللغوية، الجزائري، نور الدين بن نعمة الله، ص108 مكتبة نشر الثقافة الإسلامية، قم.
(3) المصباح المنير، للفيومي، ص577، ط دار الهجرة.
(4) الفروق اللغوية، م.س.